إن كنت سعيداً، لا تقرأ هذه القصائد،
فلحظة السعادة طبعة فريدة لا تنسخ ولا تتكرر

العين بلا ذاكرة
وبلا ضمير أحياناً

أنا التاريخ

لولا الحرب لما كان التاريخ

التاريخ بحيرة دماء
يتنزه
على ضفافها القتلة

أنا التاريخ
مرة أكون ملكاً
كثور جبار
لا يكل عن المناطحة

ومرة أكون حصاناً مجنحاً
أو أسداً جاثماً على فريسة

التاريخ مهرج صغير
يجلو الغم عن الأحياء
بالضحك
على مصائر الموتى

(الحيوان
يبكي على ضحيته
والإنسان يمثّل بها)

أنا التاريخ
انحدر من العداوة
أكبر بها وبي تكبر

أنا التاريخ
أتسول في جبهات القتال
وساحات العنف
اشحذ مجداً
لصفحاتي الجائعة إلى أساطير

أنا التاريخ
مجند في جبهة
كاهن في معبد
أداة حرب
أو ثوب إمبراطور

أنا التاريخ
قلعة شامخة
يصول بها ملك
أكون
ساحة لقيامه
صالة لقعوده
غرفة لشهوته
ومطبخاً لشهيته

أنا التاريخ
شاهد على نصر
وساكت على هزيمة

أنا التاريخ
قلاع متداعية
ومدافع صدئة
جندي مجهول
وقائد معلوم

أنا التاريخ
الطاعن بالعنف
موّحد القتلة
أنا الجبار بالكر والفر
أعظم
من أن أحيا على قصة حب

أنا التاريخ
طينة بيد منتصر
وحجر على مهزوم

أنا التاريخ
مسرحي ميدان الحرب
السيوف
النبال
البنادق
المدافع
أكسسواراتي

صليل السيوف
فرقعة السلاح
أنين القتلى
وصرخات القتلة
سيمفونيتي

أنا التاريخ
العنف مقولتي

الجنود المجهولون كومبارسي
القادة المعلنون أبطالي
على عدد قتلاهم
أقلدهم نياشيني

أنا شيء الأشياء
تراني الأشياء شيئاً قابلاً للكسر أيضاً

أشيائي الوفية
تراني كما تراها
شيئاَ قابلاً للكسر
ولانتهاكات الزمن
وتجاوزات الغبار

تجمهرت ذكرياتي
مطالبة
بإقالة النافذة
وعزل الضوء

هذه الساعة
وعلى غير عادة
اكتظت الغرفة
بذكريات جميلة
لم تحدث

السنوات
أسرار
الحياة
يشي بها الزمن

أنا ملك الغرفة
الأثاث رعيتي
والصمت حاشيتي

أنا ملك الغرفة
توجتني الأشياء
وبايعني الصمت

أنا الملك
المتوج من الأشياء
لا أخشى على ملكي
من قلاقل الوحشة
وبلبلة الوحدة

الستارة
النافذة
الطاولة
الكرسي
الدفتر
القلم
كلها اجتمعت
وأجمعت عليّ

لا، لم أعد وحيداً
أنىّ أكون
تكون وحدتي

في غرفتي
تتلصص العتمة على الضوء
والصمت يسترق السمع
والعفش خانع
لا ينوي الانتفاض على الغبار

كوبنهاجن

أنا وكوبنهاجن مثل زوجين يفكران بالطلاق ولا يقدمان عليه

كوبنهاجن مدينة
تمنح الدهشة
وتسلبها بسرعة
أنا في هذه المدينة
مثل مصباح متدلٍ
لا يعرف لمن يضيء
وكشارع لا حق له
في اختيار المارة

شوارع تعتذر عن قبول المارة
وتوسع أرصفتها لعروض الصمت
محال تتنافس على تصفية الدهشة
ومكننة المتعة، وتبضيع الوقت
وجدولة الرغبة

الضوء يلهث بالمصابيح
ومارة لا يرون بعضهم
إلا حين يوشكون على التعثر

كوبنهاجن جحيم
بارد وأبيض
احترق فيه
بهدوء ورغبة

أقاوم مدينة
محتلة بغيابي

احتجبت السماء بالغيوم
الشمس سحبت ضوءها
واعتذرت عن الدفء
الألوان تنكرت بالرمادي
البيوت حجرت على الحركة
النوافذ اعتصمت بالستائر
والطرقات تخلت عن السير
برد يقرص
وصفير موحش يمهد لغزو الريح

أجوب
في أرجاء النوم
أنقب
عن حلم فرّ بفرحي

ضجة جمال

لا يعول على امرأة
تنام في حضن رجل
وتحنّ إلى غيره

أبحث فيكِ عنكِ
فيما
تبحثين أنتِ فيّ
عن سواي

في هذه الساعة
تنشقين على فرحي بكِ
وتتمردين على حزني عليكِ
وتتسللين خلسة
إلى جوقة رجال
لا أكون أنا واحداً منهم

أتزينُ بأخطائي
وأتحلى بالمرارة
وأمضي
إلى شعاب لقائك

أنا جميل بأخطائي
الخطأ جميل
والصواب تجميل

التقت في وجهكِ
عيناكِ، أنفكِ وشفتاكِ
هذا اللقاء غير المسبوق
يحدث ضجة جمال

من فرط ما حدقت بكِ
تناثرت أعضاؤكِ
على بقاع جسدي

أنتِ الزمن
كلما أخذ مني يوماً
منحني
يوماً آخر أجمل منه

أنتِ المكان
أقيم فيه
بلا خوف من تشرد

أنتِ كتاب
أتصفحه ثم اقرأه
أتهجى كلماته
لا لأحفظها
بل لأغلط بها
كي أعيدها ثانية

كسرتِ
من حولنا الصمت
ثم استعرت فمي
لتتحدثي بكلماته
عن رجل لا يكونني

كل شفاه
مطلية بملون شفاه
تحرض
على ارتكاب قبلة

أنا شفة العالم السفلى
وشفته العليا أنتِ
من دون أن نبتسم
ونثرثر
يتجهم العالم
ويغرق بالصمت


ماذا افعلُ
بطول العالم وعرضه
ماذا أفعل
بشمال العالم وجنوبه
شرقه وغربه

ماذا أفعل بسماء العالم
مادمت لا أحلق
ماذا أفعل بأرض
لا سعي لي عليها
ماذا أفعل
بطرق العالم ما دمت لا أخطو
ماذا أفعل بعالم فسيح
لا بيت لي فيه
ماذا أفعل ببيت لا غرفة لي فيه
ماذا افعل بغرفة
لست أنتِ فيها
ماذا أفعل بكِ
مادمت أنتِ لستِ أنتِ

قالت لي:
سأجردك من اصغر ما فيك: الحلم
وسأخلع عليك أعظم ما في الكون: الانتحار

وبعد مضي ساعة
على مغادرتك
عثرت على كلمات
ماثلة على طرف لساني
ماذا أفعل بالكلمات
التي لم أقلها لك

قلتِ لي:
كان الله يحوم حولي غاضباً، يجند ملائكته لمراقبتي بصرامة ومؤمنيه لجلدي بقسوة، شعرت أني جملة خطايا في جسد. أو جسد يتكون من الخطايا، أعضاء الجسد خطاياه. ورغباته أخطاؤه. وعند أول كلمة حب تبعتها قبلة، شعرت أن الله جميل ويحبني.

دنت مني هامسة
علام تسرف بالكلام
أجمل الكلمات
تلك التي لا تقال

الغضب يهدد جمالها. عندما تغضب تشبه عسكرياً غازياً. الهدوء حارس الجمال. الصمت خادم الجمال. تكون أكثر جمالاً كلما أمعنت بالصمت.

أقف
على مرمى همسة منكِ
علام
يقاطع فمكِ الكلمة
ويتنكر إلى القبلة

[email protected]