الفيتارة الإسبانية في قصر المؤتمرات والهنود في جامع الفنا

مراكش أحمد نجيم: شهد اليوم السادس من أيام مهرجان مراكش الدولي للفيلم تكريم السينما الإسبانية، نجوم كبيرة صنعوا مجد الفن السابع حضروا للاحتفال بهذا الحدث السينمائي، ورافق هؤلاء النجوم وفد إعلامي إسباني كبير. تقديم الاحتفال بالإبداع السينمائي الإسباني أوكل إلى السينمائية المغربية فريدة بليزيد، تحدثت صاحبة "كيد النساء" عن ذكريات طفولتها مع السينما الإسبانية بطنجة، غير أن الترجمة التي رافقت كتابتها شوشت على الجمهور الحاضر أكثر مما ساعدته، فلم تتزامن كلمتها القصيرة مع الترجمة، ورغم ذلك كان تقديم المخرجة بليزيد للحفل أكثر صدقا وحميمية من تقديم رشيدة خليل خلال حفل الافتتاح.

أجواء اليوم الإسباني كانت حاضرة إخراجا وسينوغرافيا، فموسيقى الفلامينكو عوضت ليلة اليوم السادس موسيقى أم كلثوم التي يسمعها مهرجانيو الدورة الحالية قبل عرض كل فيلم.
إذا كان نجوم الشاشة الكبيرة في الجارة الشمالية للمغرب قد حضوا باستقبال كبير من قبل جمهور قاعة الوزراء بقصر المؤتمرات بمدينة مراكش، فإن النجمة السينمائية فيكنوريا أبريل حضيت باستقبال حار، أبريل لم تفقد من نشاطها وحيويتها شيئا دائمة الابتسامة والتواضع، نقلتها سيارة ليموزين من إقامتها من المامونية إلى قصر المؤتمرات، ولبت رغبات المصورين. الحفل الاسباني الذي نقل مباشرة على شاشة التلفزيون المغربي من اللحظات القوية خلال الدورة الحالية، رقصات النجوم الإسبانيين وتجاوبهم الكبير مع تصفيقات الجمهور الحاضر بث الحرارة في دورة هذه السنة التي فقدت بعضا من بريق الدورة الرابعة. سينمائيا شهد الحفل عرض فيلم لمخرج يمثل الجيل الجديد في السينما الإسبانية، وهو فيلم "تاباس". قصص إنسانية بسيطة لسكان حي بإحدى المدن الإسبانية، فيلم عن الصداقة والعلاقات الإنسانية، ف"لولو" صاحب المطعم صغير جشع يبحث عن المال تتركه زوجته التي كانت تطبخ له، ولا يبالي بالأمر ليعوضها بطباخ صيني ماهر جاء إلى إسبانيا للقاء حبيبته، وراكيل امرأة تعوض حرمانها عبر الانترنيت قبل أن تلتقي سيزار، ابن إحدى زبوناتها. صديقه المهووس ببروسلي يحب السفر والفتيات الإيطاليات. أقوى القصص في الفيلم قصة المرأة كونشي وزوجها المريض. يعيش الزوجان حياتهما بشكل عادي، غير أن الزوج المريض الذي يكتفي بالاهتمام بالحديقة، يقرر أن يضع حدا لحياته، استشارة كوتشي مع رجل الدين لم تقنعها، بعد ليلة جميلة تناولا فيها نخب الحياة وألذ الأطعمة تحقن الزوجة حبيبها المريض بجرعات زائدة من "المورفين" ليموت ميتة هادئة بلباسه الجميل وقبعته التي اشتراها خصيصا لهذه المناسبة. كان الفيلم سيكون أكثر قوة لو اقتصر المخرج خوسي كوبراتشو على قصة الزوجين فقط، لكونها ترصد رغبات الذات الإنسانية وتتجنب الموعظة. نهاية غير سينمائية كما حدث في فيلم "كولبيس" لمواطنه المخرج خوان فيشنتي كوردوبا الذي يشارك في المسابقة الرسمية.
استمرت ليلة الاحتفال على الطريقة الإسبانية إلى الساعات الأولى من يوم الخميس، ففكتوريا أبريل غنت في حفل راقص في "الباشا" بمراكش، لتكتمل الاحتفالات كان لا بد من حضور الفلامينكو إلى سهرة الأربعاء، بذلك يختتم اليوم الأكثر احتفالا في الأيام الست الأولى للدورة الخامسة من مهرجان مراكش الدولي للفيلم.
إذا كان الإسبان قد أمدوا الدورة الحالية بطابع احتفالي استفاد منه على الخصوص المهرجانيون، فإن الهنود اختاروا عينة أخرى من الجمهور للاحتفال معه لدقائق معدودات، فليومين متتاليين خصص المراكشيون وغير المراكشيين بساحة جامع الفنا استقبالا كبيرا للإبداع السينمائي الهندي، من خلال المخرج الكبير ياش شوبرا يوم الاثنين والنجم الهندي سيف علي خان في اليوم الموالي، جمهور تسمر في الصفوف الأولى لساعات من أجل مشاهدة نجومه السينمائيين المفضلين، غير مكترث لانخفاض درجة الحرارة والبرد القارس ليلا بمدينة النخيل. صفق جمهور ساحة جامع الفنا لنجومه وصفق جمهور قاعة الوزراء بقصر المؤتمرات لنجومه، وبذلك نجحت إدارة المهرجان، إلى حد ما، في الجمع بين اتجاهات سينمائية مختلفة ومتباينة أحيانا.


المخرج السوري محمد ملص: فيلمي غير ممنوع في سوريا

فوجئ المخرج السوري محمد ملص بخبر نقلته إحدى القنوات الفضائية مفاده أن فيلمه "باب المقام" ممنوع. وقال في حوار ننشره يوم الأحد المقبل "لم أطلع على هذا الخبر، لكنني أؤكد أن الفيلم لم يعرض على السلطات السورية حتى ترفضه، وأضاف أنه حصل سوء فهم لكلامه خلال الندوة الصجافية التي عقدها بعد عرض فيلمه المشارك في المسابقة الرسمية، إذ قال أن هذا الفيلم فد لا يقبل عرضه على الجمهور السوري، لكنه شدد على أنه وإلى حدود الساعة لم يقدمه لأية جهة كي تمنع عرضه أو توافق عليه. وأوضح ملص أنه لا يخشى العودة إلى سوريا مؤكدا أنه ظل يعبر عن أفكاره داخل بلده وينتقد التضييق على الحريات وأسلوب الاعتقالات.
تجدر الإشارة إلى أن فيلم "باب المقام" مستمد من قصة حقيقية عن جرائم الشرف في سوريا حدثت في العام 2001، إيمان، الفتاة المتزوجة والأم لطفلين، العاشقة للغناء والموسيقى، خاصة أغاني أم كلثوم، يبحث عمها، رجل السلطة السابق، عن ذرائع يوهم بها أخيها الأصولي وأبيها المريض المقعد بأنها سافلة تجلب العار للعائلة، لذا توكل مهمة الاغتيال إلى أخيها. الفيلم إدانة ليس فقط لجرائم الشرف والتقاليد الاجتماعية المغلفة بالدين، بل كذلك إدانة لبنية النظام المبني على القمع والخضوع. فيلم ملص عرى النظام السوري، السياسي والاجتماعي. ف"إيمان" التي جسدتها سلوى جميل تعيش رفقة زوجها وابنيها وبنت أخيها المسجون، تعشق الحياة والأغاني. عمها المتعطش للسلطة والدم ورجل أمن سابق يفرغ فشله في فرض هيبته على عائلته وعائلة أخيه المريض المقعد. زوج إيمان يركظ وراء وهم السياسة، هذه الأخيرة تتلخص في سماع نشرات الأخبار التي تنقلها إذاعة سوريا عن الوكالات العالمية والصحف الدولية حول مستجدات الوضع في العراق، كما أنه أضحى متخصصا في حضور المسيرات المنددة بأميركا، غير مبال لما يحدث. الانتخابات المحلية تحضر في الفيلم من خلال ملصقات ونشرات إذاعية عن الديموقراطية "السورية". هكذا يقدم جانبا من العمل السياسي في سوريا. الجانب الآخر المسكوت عته يعرضه المخرج من خلال الحياة اليومية لشخصيات تعيش قمعا داخليا في البيت وفي الشارع، الكل يراقب الكل. البطلة "إيمان" مراقبة من قبل أخيها وعمها وأبناء عمها وأبنائها. يراقبونها ليس لأنها تمارس السياسة بل لكونها تعشق الغناء، التقت بواحدة من أشهر الفنانات الشعبيات في مدينة حلب، ونسجت بينهما علاقة حب، العم أوهم الجميع أن لخروجها إلى بائع الأشرطة وزيارتها للفنانة الشعبية أغراض أخرى تمس شرف العائلة.

الدنمارك يقدم أقوى اللحظات السينمائية في الدورة الخامسة

لم يتردد مخرج سينمائي مشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش الدولي للفيلم في القول أن الفيلم الدنماركي "رجل الصين" للمخرج هنريك روبين كنز، وإلى حدود اليوم الخامس، لن يجد منافسة كبيرة لنيل الجائزة الكبرى للمهرجان الخامس. لم يكن هذا الرأي مقتصرا على هذا المخرج، بل شاطره غالبيه من تابع الفيلم الدنماركي صباح أول أمس الأربعاء على الساعة الحادية عشر.
"رجل الصين" فيلم يرصد قصة حب بين كيلد، الدنماركي، وبين الصينية "لينغ" قدمت للعلاح. يقترح أخ الصينية وصاحب المطعم "فينغ" على كيلد زواجا أبيضا من أخته للحصول على الإقامة، طبعا هذه الخدمة لبيست مجانية. تزامن هذا العرض بانفصاله عن زوجته "راي" بعد خمسة وعشرين سنة من العشرة الزوجية. كيلد أو "رجل الصين" يكتشف طريقة جديدة للحياة مع الفتاة الصينية، عنايتها به واهتمامها اليومي بحياته تغير مشاعر هذا المواطن الوحيد. هذه اللحظات لم تدم طويلا، إذ ستموت حبيبته نتيجة مضاعفات على قلبها المريض، ليكتشف كيلد أنه جيء بها إلى الدنمارك من أجل العلاج.
قوة هذا الفيلم تكمن أساسا في قدرة مخرجه هنريك روبين التغلل في الذات الإنسانية وكشف الجوانب الجوانية فيها، ينقل المشاهد إلى تلك الشخصيات، التي تخفي برودتها الظاهرة أحاسيس إنسانية رقيقة.
لا يمل المشاهد طيلة مدة الفيلم من الاستمتاع بسينما دول الشمال الأوربي، سيناريو محبوك وممثلون نجحوا في تقمص تلك الشخصيات ولوج عوالمها الداخلية.
فيلم "رجل الصين" توفق إلى درجة في أن يصل إلى الربط بين الخاص والعام، بين حالة كيلد المواطن الدنماركي الذي قبل الزواج الأبيض الشكلي مقابل مبلغ مالي ليصبح عاشقا وبين رغبة الذات الإنسانية التي لم تصمد أمام مشاعرها لتقع في الغرام، استطاع المخرج أن يستبطن حالة كيلد ببراعة.