عبداللطيف ياسين من اربيل:لا شك ان شخصية صلاح الدين شخصية مثيرة للجدل والاهتمام وعلى مستويات مختلفة ومتنوعة، فقد ألفت كتب عديدة عن حياته وسيرته منها كتاب: (صلاح الدين الايوبي قصة الصراع بين الشرق والغرب خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر للميلاد للمؤرخ (قدري قلعجي) فهو يربط بين قرنين من الزمان بقائد مسلم اذاق الغرب الهوان والهزيمة، وفي تعبير اخر جاء هل صلاح الدين سيرة رجل في أمة او سيرة أمة في رجل كما عبر عنه في مسلسل صلاح الدين الايوبي للمخرج حاتم العلي وبطولة الممثل (جمال سليمان)، ولكن في هذا الفلم (مملكة الجنة) للمخرج العالمي (ريدلي سكوت) ومن سيناريو الكاتب اليهودي ويليم مانهان الذي تكلف انتاجه (130) مليون دولار والفيلم الذي تناول فترة الحروب الصليبية تبدأ مشاهده من فرنسا عام 1184 م، حيث الاستعداد الصليبي لحماية القدس ونصرة ملكها المريض والذي كان على هدنة مع صلاح الدين. نرى الامور معكوسة الى حد ما وفق ايديولوجية معينة لأن المخرج يعرض الشرق والغرب داخل شخصية المسيحي (بيليان) الذي يتمتع بمزايا رجولية وبطولية انسانية الى حد كبير أي: يستحق ان يلقب بـ(الفارس)، ولكن المآخذ يحصد المزاعم لان السؤال الذي يفرض نفسه على (بيليان) وغيره من الباحثين وهواة الحق ماذا يفعل (بيليان) وغيره من نصارى الغرب على أرض لها أصحابها وتاريخها ؟ فهم لم يكونوا زواراً ولا حجاجاً ولا تجاراً وإنما كانوا مغتصبين لارض ورغم هذا يقوم الفلم بصياغة خطبة سياسية وكانها صيغت في مكتب الكونغرس الامريكي بما تحمله من معنى.

غسان مسعود فيدور صلاح الدين الايوبي
أسئلة كثيرة تواجه (بيليان) وهناك المزيد حول هذه القضية الساخنة التي ماتزال سارية المفعول والفاعلية. رغم كل هذا يعتبر هذا الفلم تحفة فنية في بعده الجمالي والتصويري والحركي ولا انكر ان البطل استطاع ان يتقمص الشخصية المنوطة به بشكل رائع وجميل.ـــ هيئة وايثاراً واحساساًــ ونستطيع ان نلخص اهم مزايا هذا الفلم في النقاط التالية :

اولاً: البداية سليمة من حيث الدخول وإيثار المتاعب من قبل شرذمة القوم، وهنا يقوم المخرج بعرض الصورة الحقيقية لاوروبا في ذلك العصر من الحروب الطاحنة والاقتتال الداخلي دام عقوداً من الزمن حتى الاجواء كانت غائمة ومظلمة وممطرة وذلك له ايحاؤه الخاص.
ثانياً: كيفية وصول الجحافل الى المشرق، فقد صور المخرج أن الوصول الى المشرق كان بشق الأنفس وذلك لوعورة الطريق وخطورة القراصنة وتهديد العواصف والحيوانات البرية والعصابات المنتشرة على الطرقات كل هذا كان وجوداً فعلياً ورغم هذا كانت الفيالق تتوافد واحداً تلو الآخر، فعلاً علينا ان نعترف ان الصليبيين تحدوا كل ما كان يعترض طريقهم من كل ما ذكرناهم من المعوقات وعزموا الوصول الى المشرق الاسلامي واحتلاله ونهب خيراته، والعالم الاسلامي كان مشغولاً بالنزاعات الداخلية والمذهبية حتى فجعوا بمقدساتهم واعراضهم، وينقل صاحب الكتاب المذكور قول د. سعيد عاشور: quot; ان الشيء الذي يسترعي العجب حقاً، هو أن المسلمين ظلوا حتى ذلك الوقت لا يدركون طبيعة الحركة الصليبية وهدفها، بدليل تلك التحالفات مع الفرنجة رغم نكوثهم وغدرهم quot;.

ثالثاً: قلة دراية المخرج بالشعائر الاسلامية فمثلاً عندما يعرض المسلمون في الصلاة يعرضهم كما عرضه (يوسف شاهين) في فلمه الناصر صلاح الدين مع أن من راى ولمرة واحدة صلاتنا لادرك مدى جهلهم بصلاتنا لاننا في صلاتنا نقف متراصين وغير متفرقين على الاقل في الصلاة!! ولكن صوره المخرج كما صوره المخرج (يوسف شاهين) متفرقة متشتة وهذا غير علمي ولا اكاديمي بالنسبة الى مخرج صاحب عمل كبير كهذا ولا سيما في عصرنا العولمي ويكون المآخذ على يوسف شاهين أكبر لانه عاشر المسلمين وعاش بينهم.

رابعاً: إن شخصية صلاح الدين كانت ناقصة الاركان والشروط فمثلاً كان رجلاً منطوياً وسلبياً وصوته خافتاً لا يبلغ ما بلغه صوت (بيليان).
خامساً: استطاع المخرج ان يخلط بين الدوافع وراء الحملات الصليبية، يقول صاحب الكتاب المذكور:(( فقد ذهب بعضهم مدفوعين بحماستهم الدينية المحضة، وذهب بعضهم فراراً من رتابة حياتهم المملة، أو تخلصاً من ألسنة زوجاتهم السليطة، وحمل بعضهم الصليب حباً بالمغامرة والمخاطرة، وذهب بعضهم لمجرد ان الاخرين قد فعلوا ذلك)) ص38- 42 وكنموذج للجانب الديني كان التحريض الديني على اشده ونسمع شعارات كالطريق الى الجنة وقتل الكافر ليس خطيئة ومحو الخطايا في القدس وارادة الحرب ارادة الله