مازن الراوي من برلين: في ختام مهرجان الفيلم العالمي ( بيرلينالا 57) الذي أقيم ببرلين في الفترة ما بين 8 إلى 18 شباط من هذا الشهر منحت لجنة التحكيم جوائز الدب الذهبي والفضي للأفلام الفائزة في نهاية الأسبوع على النحو التالي:
جائزة الدب الذهبي لأفضل الأفلام، وجائزة الدب الفضي، وهي أكبر جائزة تقدمها لجنة التحكيم لأفضل فيلم تجمع عليه، بالإضافة إلى عدد آخر من جوائز الدب الفضي التي قدمتها لأفضل إخراج وأفضل ممثلة وممثل وأفضل إنجاز فني وموسيقي كما تجري العادة في المهرجانات السينمائية المثيلة. كذلك منحت جائزة ألفريد ـ باور لفيلم يفتح آفاقاً فنية جديدة أمام السينما.

كان رئيس المهرجان قد سمى سبعة أسماء للجنة التحكيم التي منحت الجوائز تمت دعوتهم الى برلين. وتتألف لجنة التحكيم من شخصيات مهمة تعمل في حقل صناعة السينما من أقطار متعددة من مخرجين وممثلين ومنتجين وممولين فضلاً عن ممثلين في مهرجانات مثيلة. وقد اعلنت أسماء لجنة التحكيم لبرلينالا التي منحت الجوائز على الشكل التالي:
ـ الدب الذهبي لأفضل فيلم بعنوان ( زواج تويا) من اخراج الصيني فان كوان آن.
ـ الدب الفضي، الجائزة الكبرى للجنة التحكيم، لفيلم ( الآخر) لآريل روتر، الذي نال على فضية ثانية لأفضل تمثيل كان من نصيب خوليو شافيز، وهو الفيلم الثاني الذي قدمه المخرج بحساسية شديدة عن رجل قلق ذو مصير ملتبس يقوم بسفرة عمل موكول به. ويكتشف الرجل ـ خوان ديسوزا ـ فجأة بأن الشخص الذي يرافقه طوال الوقت والجالس إلى جانبه ميت. ويعتبر خوان الأمر كأنما خدعة لذا يقرر أن ينتحل شخصيته.
ـ الدب الفضي لأفضل ممثلة كان من نصيب نينا هوس في فيلم ( ييلا) لكريستيان بيتسولد.
ـ الدب الفضي لأفضل إنجاز فني لفيلم ( الراعي الطيب) لروبيرت دي نيرو.
ـ الدب الفضي لأفضل عمل موسيقي من نصيب ديفيد ماكنزي.

الدب الفضي لفيلم ( زواج تويا)

تتصعب الحياة يوماً بعد يوم في الشمال الغربي من وسط منغوليا الرعوبة بسبب التحولات المستمرة التي تجري وتهدد الحياة الطبيعية في مناطق بكرة لم تزحف عليها الصناعة ومستلزمات المجتمع الصناعي. وبسبب التغييرات الهيكلية في الاقتصاد التي تجري في صين اليوم فإن البنية الاقتصادية والاجتماعية أخذت تتغير بالضرورة. هكذا أخذت الصناعة تزحف إلى تلك المناطق التي تعتبر غير مثمرة من الوجهة الاقتصادية فأخذت تغير من علاقات الانتاج.

يتناول فيلم المخرج الصيني فان كوان آن ( زواج تويا) تفاصيل هذا التحول الدراماتيكي من خلال عرض حياة أسرة واحدة تعاني نتائج التغيير الذي يترك فيها الألم والعوز مثلما يؤثر فيها تغيير القيم الاخلاقية والجمالية.
وتضغط الحكومة الصينية التي تريد quot; تحديثquot; الصين على الرعاة في تلك المنطقة من منغوليا فتجبرهم على التخلي والهجرة عن الحياة الرعوية ليسكنوا المدن والمناطق قريبة وينخرطون فيها بالانتاج الزراعي.

مشهد من فلم زواج تويا
في هذا الاطار يقدم الفيلم المرأة الجميلة والواعية ( تويا) التي لا تريد أن تترك وتبتعد عن حياتها التي أحبتها بين البوادي والمراعي الطبيعية التي ارتبطت بها وتلمست سعادتها فيها.

كانت ( تويا) تفضل أن تعيش مع زوجها المعوّق وطفليها، ومع قطيع خرافها المئة، بعيدة عن ميزات الحياة المادية، مختارة التقشف والبساطة بامتلاك حقول شاسعة من مراعي خضراء، لكن التغييرات التي تحصل في تلك المناطق تجعل الحياة أكثر قسوة وتهدد بانهاء أبسط مستلزمات الحياة المادية. لذا لم تستطع تويا أن تستمر في إعالة عائلتها. أخذت آثار العمل الشاق ترتسم على وجه (تويا) وبدأ يغمرها القلق، لذا أخذ زوجها ( باتر ) يقنعها بضرورة الزواج من شخص آخر لكنها ترفض ذلك. ثم تصاب الزوجة في يوم ما بالمرض وتفكر مضطرة لأول مرة بالزواج حيث تأمل من الزوج الجديد أن يقدم لها المعونة ويرعى زوجها المعاق وطفليها ويعتني بقطيع أغنامها. لكن من يتقدم لها لا يريد أن يسمع ويتحمل مسئولية زوجها المعاق.

تلتقي( تويا) أخيراً برفيق دراستها( بولير) فيعثر لزوجها المعاق دار عجزة مريحة ويريد أن يأخذها مع طفليها إلى المدينة. لكن الزوج المعاق المقعي في دار العجزة، بعيداً عن زوجته وطفليه، بعيداً عن البوادي والحياة الرعوية يشعر بالاحباط وبالغربة فلا يطيق ذلك. وفي لحظة يأسه العميق يحزّ وريده لينتحر. عندما تعرف(تويا) ذلك تتوضح أمامها ضرورة التلائم والتعامل مع الحياة الجديدة. إلاّ أنها لا تستطيع أن تحسم ذلك، فثمة في تكوينها وعواطفها حنان و تجسيد للمكان الذي عاشت فيه.

يقول مخرج الفيلم ( فان كوان آن) : ولدتْ أمي على مقربة من مكان تصوير أحداث الفيلم في منغوليا. والواقع انني أحببت دائما نمط الحياة التي يعيشها المنغوليون وأحسست بموسيقاهم تغمرني. عندما تلمست بأن التصنيع أخذ يزحف كماكنة لعينة على تلك البوادي والمراعي الخضراء ويهدم حياة الناس ويجبر الرعاة المتجانسين على تدمير حياتهم وتشويه عواطفهم، شعرت بواجب أن أكون شاهداً على هذه المرحلة عبر فيلمي. لقد أصبحتْ المراعي أشبه بصحارى وأخذ الرعاة يجبرون على ترك اراضيهم. إنها مأساة. قررت أن أنجز فيلماً يجسد الأرض والناس هناك قبل أن يختفي كل شيء اختفاء كلياً.

مع أن فيلم( زواج تويا) الذي حصل على جائزة الدب الذهبي كأفضل أفلام المهرجان من بين ستة فيلم إلا أن النقاد السينمائيين الجادين لايعتبرونه استثنائياً بمقاييس فن السينما. وربما يعزون ذلك إلى قلة الأفلام التي تقدمت لجوائز المهرجان. وعلى الرغم من الحساسية الشديدة والعاطفية للمَشاهد التي عرضها الفيلم واستطاع أن يقدم موضوعاً درامياً عن حياة أسرة تتمحور حولها أحداث التغيير البيئي والاجتماعي، إلاّ أن الفيلم يندرج تحت أفلام عديدة روائية ووثائقية مشابهة تعالج نفس الموضوع.
لكن لماذا حاز الفيلم على جائزة المهرجان؟ يبدو أن تأثير المزاج العام في البلدان الصناعية التي تعاني من نتائج قاسية للبيئة ولأثر التقنية الحديثة التي تجعل الفرد محبطاً ومرتعباً من النتائج التي تظهر في العيان هو الذي يحن إلى حياة رعوية هادئة تمثل توازنا في البيئة لا تدخلا لتغييره. فضلاً عما تورثه المجتمعات الصناعية من أمراض وتشوهات عاطفية وفكرية توصل الفرد إلى حافة اليأس وتفجر أمراضا نفسية واجتماعية. ولكن مثل هذه التحليلات المعتمدة على منظومة من الأفكار القريبة من الإيديولوجيا ليست بالضرورة هي نفس المقاييس التي تزكي الأعمال الفنية.