كانَ أسمها بلا نقاط. عجبتُ لهذا التناقضِ بينَ فضاءِ وجهها، المرصع بنقاطٍ تضيء حافةَ الشفتين، وتندلقُ مثل نار نجمةٍ تسعى عند منبتِ شعرها، واسمها الخالي من أي نقطةٍ. كأنه صحراءُ اللغةِ، وحروفها العذراء.
اخترتُ لها أسماءً تفوقُ عدد النجوم، وأدخلتها إلى لغتي حرفاً جديداً، بمئة نقطةَ يدخلُ في كلِّ كلمة، ويستحمُ فيها حتى يتبينُ الخيطُ الأبيض من الأسودِ على حافةِ المعنى. هناكَ شاهدتُ قطيعَ غزلانٍ يفركُ الأرضَ بحوافرٍ من كافور، ويستعيذُ من عينيها الشيطانيتين، بآياتٍ، للغةٍ غريبة، من حرفٍ واحد!
كانت تتجلى في احتراقِ النقطة. ضباباً يهيمُ على وجهه، قدماه معلقتانِ على عتبةِ التأملِ. موصولتانِ بقاطع طريق، جاءَ يهدمُ اللغةَ، ويقلبُ النقاطَ. كان يقول أنَّ بابَ العبثِ مفتوحاً ومغلقاً في آنٍ واحد، وأنَّ العبث نفسهُ لا يكمنُ وراءَ بابهِ. هكذا هي لا تدركُ ما أوتيت من قوى شرٍّ، وأنَّ فيها شرارةُ إلهةٍ حسناء. هكذا هي تومضُ في النصِّ كاملةً، وتختفي بعدهُ إلى بياضٍ آخرَ.
أدهشني أنها تنزلُّ إلى الشارعِ، كلما ضاقَ عليها اسمها. لا تستثني ماراً دونَ أن تلطخَ أحلامهُ بشرارةٍ من عينيها، وتغفو إذا أدركها المللُ على عرشٍ فوقَ الماءِ، وفوقَ النار. تزلزلُ صفوةَ عرافٍ، وترى له طالعهُ وهو بلا كفينِ، وعمامتهُ تغطي جبينه، ولا يشربُ القهوةَ أو يلعبُ الورق.
تجدني، هارباً من كلمةٍ دخلت إلى غرفتي، وراحت تلعقُ بياضَ الورقِ سكراً، وتكشطُ بلسانها موجاً من البوظةِ تحركهُ الريحُ على بحيرةِ النص. تقول quot;تهربُ من بابِ الغرفةِ، وتدخلُ بابَ القاموسquot;. كانت وقتها تفردُ جناحينِ صغيرينِ على كتفيَّ، وتقولُ quot;ألم تنتبه ؟ انتبهِ إنَّ في اللحظةِ جناحينِ، وفي اللحظتينِ طيرانٌ بلا آخرquot; لم أفهم، ولم تفسر، ولكنها تركتْ فيَّ ما هو جديرٌ بالتأملِ ومضت.
كنتُ كقطٍ يركضُ على المسامير، عندما هجمَ صوتها عليَّ كقطيعِ نمل، وقال quot;القط كائنٌ مكونٌ من حرفين، ونقتينquot; لم أدر إن كانت تعني أنه متوازٌ أم شيئاً آخر . إلا عندما اجتمعت معها في حلم، أخبرتني فيه أنَّ النقاطَ الحقيقية هي في رسم الكائنِ، وليس في اسمه، وأنني مهما حاولتُ أن أعدل نقطةً على السطرِ، سأفشلُ ما لم أعدلها في داخلي.