جد اسمها وعنوانها في الرسالة الالكترونية، حمله مباشرة، أضافه على الميسنجر، عرفها من خلال ما تكتب و تبدع في الصـحافة، لون كتاباتها إجتماعي تربوي، هذا ما جعله يخمّن بأنها راشـدة تتجاوز الأربعين، رأي حازم، فكر متقد، نظرة للحياة تنم عن عقل متنور ومسيرة ملأتها تجارب الحياة و صقلتها، لا يعرف ما سبب إهتمامه بشخصها، تقفى أثرها في المجلات و الصحف و على النت، إفراط فضوله لا مبرر له، كان كلما دخل الميسنجر أخذه الطمـع بوجودها على الخط، رغبة شديدة في التعرف عليها عـن كثـب، الاقتراب منها صار أكثر من مهم بالنسبة له، يـريد ربط علاقة صداقة، علاقة أخوة كان يضحك على نفسه يهرب من مواجهة حقيقة نواياه، تسلل الإعجاب لنفسه، تسائل ـ هل قبلت دعـوته ؟ هـل أضافت عنوانه لقائمتها البريدية ؟ كان على حالة من التوتر ردحا من الـزمن، كلما دخل النت خاب ظنه، أرجأ مسعاه إلى حين، أيعيد المحاولة ؟ هو لن يخسر شيء لو أرسل الدعوة من جديد، لكنه يركل سؤاله، يجمع أفكاره حزمة يضعها في كيس يقيـنه، يخـبأ هاجسه وراءه داخل حقيبة نسيانه، يرواغ نفسه بعدم الاكتراث لأمرها لكن دقدقات على باب عقله لا تتركه يهنأ بالراحة، يوخزه سبب معرفة التأخر في قبول دعوته، لكنه يتحجج يقنع نفسه تهدأ أمواج إحتمالاته quot; لا شك كلما ادخل النت تكون هي خارج الخط أو العكس أكون أنا quot; من ثمة يتصفح بريده، يضيف بعض الردود، ينتظر دخولها على أمل اللقاء كما العادة لا جديد، ذاك اليوم كان يجب عليه مراسـلة صديقه الحميم سفيان، راح يكتب الرسالة الالكترونية كتب جملتين بعد التحية، لوحة الإعلام تؤشر دخول أحد المتصلين قرأ على شاشة الحاسوب اسم المتصل، مفاجأة سّارة، هي : نجاة، بـدون انتظار فتح نافذتها، ألقى السلام، بادلته التحية، راح يعرّف بنفسه مندفعا على عجلة، قبلت إضافته رغبة متبادلة فـي التعارف تعارفا، كان يخاطبها بلغة مفهومة، يكتب كلمات بحذر، يختار أدقها و ألينها، أسلوب مختصر يريد إعطاء صورة جيدة عن نفسه، أحيانا الإنسان ملزم بأن يعبّد الطريق للآخر يشعره بأمـان ليحتفظ برأيه الحسن، يدلها على المعنى دون الصورة هو يريد أن يرسم صورة حسنة
و يخـلق رأيا حسنا، مضى زمـن و هو معها على ذاك الحال، عرفـت أسراره و عرف أسـرارها أدق تفصيلات حياته و حياتها، تحولت العلاقة إلى أكثر من تعارف، تحـولت شـعورا وأحاسيس، أرتبطا معنويا تقريبا صارا واحدا، يتهاتفان، يتحاكيان، يتمسك بها كتمسك الغريق بقطعة الخشب، و الحقيقة أنها صارت تبادله نفـس الإحساس بإحترام، شعورهما واقع تحت العقل لا تحت تأثير الرغبة فقط، هذا ما توصلا إليه، صارت نواياهما معروفة لا يمكنهما إخفاء مشاعرهما طول الوقت، طفت إلى السطح كمـا تطفو الفلينة فـوق الماء، أيكون المقدّر، مرت شهورا إلى أن عرض عليها الـزواج، ناقشته كثيرا عن الواجبات الزوجية، عن أوضاعها التي لا تسمح لها في الوقت الراهن، عن تقاليد مجتمعها الصعبة و عـن عائلتـها و رفضها لكذا أفكار، محيط منغلق بدوائر كثيرة، هي أرملة و هو يعرف ذلك، لها من الأولاد إثنين تزوجا منذ عام تقريبا، كانت قد أخبرته أنها تزوجت و عمرها لا يتجاوز العشرين سنة، هي لا زالت بكامل صحتها و جمالها و عافيتها، تكبره لكن ليس بالشيء الكثير، تجادلا كثيرا لأن حبها سكنه، لأنها أقتنعت به كثيرا بحثت عن كل ذريعة تبعده عنها، تحاشت إخباره برفض العائلة لزواجها، ولدها الأكبر خاصمها هددها، واجهته بحقها في الزواج، الأسرة أعتبرت هذا الموضوع من المحظورات، الحديث فيه يعني الإقدام على المغامرة المهلكة، لا يريدون سماعها برغم أنها ترعاهم تتكفل بكل حاجياتهم المعيشية، زوّجتهم حتى، كل مطالبهم مجابة، لم تجد من حيلة في ذاك اليوم غير أن طلبت منه أن يضع صورته على نافذة صفحة الحاسوب،أمتثل لأمرها، وضعت صورتها هي أيضا علّقت : quot; أنظر، أنت شاب و أنا قادمة عـلى القبر quot; لم تكـن صورتها إلا أمرأة جميلة في الخمسـين، أكملت تعليقها : quot; رجاءا لنبقى أصدقاء، المقدرأولا و التفكير ثانيا quot; لم يشأ إحراجها هو يعرف المشاكل التي واجهتها من إخوتها و أبنائها و أفراد عائلة زوجها المتوفى،كتبت له جملة طويلة = quot;ما بالك ألا تفهم رجل في الدنيا و آخـر قدمه على الآخـرة... وحدة أسرتي و تماسكها يفرض عليّ ذلك.quot; مرت أيام
ولـم يعد يتلقى منها اتصال هاتفي، لم يعد يجد شخصها على نافذة المسنجر، وجد ذاك اليوم شبح إمرأة تخبره أن أخصائية أطلعتها quot; إمكانية الإنجاب ضئيلة وكيف أنها نحرت فكرة الإنجاب منذ ثلاثين سنة quot; بعد شهور قرأ لها في إحدى الجرائد بحثا عن العنف الأسري وإظطهاد المرأة... شاركت به في ندوة لحقوق الإنسان، كتب على نافذة المسنجر هذه العبارة quot; من لا يقوى على المطالبة بحقه لا يمكنه ان ينوب عن الآخرينquot;.

أديب جزائري