القاهرة من سعد القرش (رويترز): يكاد الناقد المصري البارز فاروق عبد القادر يقف وحده في منطقة غير امنة لكنه اختارها ليكتب بصراحة شبه مطلقة بعد استغنائه عما يعتبره مقيدا لنزاهة الكاتب كالعمل في مؤسسة حكومية أو وظيفة تفرض عليه توجها معينا أو على الاقل نوعا من الصمت حين يكون الاعتراض واجبا. اختار عبد القادر أن يكون حرا لا يعمل كما يقول الا لحساب القارئ فلم ينتم الى مؤسسة ولم تصدر له دار نشر حكومية أيا من كتبه التي يتسع أفقها من نقد المسرح الى الرواية الى النقد الثقافي العام. لكن دور نشر خاصة مصرية وعربية ترحب بها ويلتقي الكاتب أصدقاءه مرة في الاسبوع في مقهى بوسط القاهرة. وفي كتابه (رؤى الواقع وهموم الثورة المحاصرة) يرى عبد القادر أن الواقع المصري بتعقيداته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية يستدرج بعض الكتاب الى ما يصفه بالمسرح الامن حتى يصعب على الكاتب أن quot;يبقى نظيف اليدين من غبار التصدي لتحديد موقفه متلمسا الامن والامان والبراءة المراوغة.quot; وضرب مثلا بالكاتب المصري توفيق الحكيم (1898 - 1987) الذي يعد من رواد المسرح الكلاسيكي لكنه quot;حين أراد أن يحظى برضاء مجتمعه عنه مضى بمسرحه الى ما لا علاقة لهذا المجتمع به.quot;

والكتاب الذي يحمل عنوانا فرعيا هو (دراسات في المسرح العربي المعاصر) نشرته مكتبة دار العلوم بالقاهرة في 295 صفحة كبيرة القطع ويضم دراسات عن مسرحيين عرب منهم الراحلون السوري سعد الله ونوس (1941 - 1997) والفلسطيني معين بسيسو (1936 -1984) والمصريون نعمان عاشور (1918 - 1987) ونجيب سرور (1932 - 1978) وميخائيل رومان. وقال عبد القادر انه ليس لكاتب quot;جاد ومسؤول أن يبقى طويلا يتلهى بالالاعيب الدرامية أو يقف عند حد المقولات العامة الصحيحة والتي تكاد من فرط عموميتها لا تعني شيئا.quot; وأشار الى أن هذا العصر تتزايد فيه حدة الاستقطاب بين المسرح الامن quot;ودوامات الثقافة المتردية فهي أكثر جذبا وأشد بريقا. تعد بالاسم اللامع والمال الوفير ثم تمضي الايام ليكتشف الكاتب أنه قد خان وجهه الحقيقي وأن مجمل ابداعه في أفضل الاحوال تسرية في ساعة ضجر.quot;
وقال ان أبرز مسرحيات الكاتب المصري يسري الجندي هي الاعمال الاولى وفي مقدمتها (اليهودي التائه أو ما حدث لليهودي التائه مع المهدي المنتظر) و(رابعة العدوية) ثم quot;تمرس بمطالب الذوق العام ونزوات المخرجين.quot; وفي رأيه أن الجندي quot;كاتب جاد قرأ وتعلم وفهم ويعرف أصول صنعة الكتابة الدرامية معرفة جيدة... ثم بدأ رحلة التنازلات.quot;
وأضاف أنه quot;حالة نموذجية بالمعنى الذي يقصده الاطباء تشخص علل ثقافة متردية ومسرح ساقط.quot; ويعد الجندي حاليا من رموز كتاب الدراما التلفزيونية المصرية.
وقال عبد القادر ان المسرح الذي وصفه بالتجاري quot;أحد وجهي انهيار المسرح المصريquot; أما الوجه الاخر لما اعتبره انهيارا للمسرح فهو باسم الجدية quot;يقضي على المسرح الجادquot; مشيرا الى أن كتاب النوع الاخير هم quot;الفرسان الصاعدون الى الخشبة المنهارة مفكرو ومنظرو المسرح زمن سيادة التبعية للغرب وسيادة قيم مجتمع الانفتاح والاستهلاك.quot;
ووصف أعمال النوع الاخير من المسرح بأنها متعثرة متوقفا أمام أربعة كتاب quot;لا يحمل المسرح عندهم رسالة ماquot; وهم العميد السابق لكلية الاداب جامعة القاهرة عبد العزيز حمودة والرئيس السابق لهيئة الكتاب المصرية سمير سرحان وأستاذ الادب الانجليزي بكلية الاداب جامعة القاهرة محمد عناني والرئيس السابق لاكاديمية الفنون ورئيس مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي فوزي فهمي. وعلى سبيل المثال قال عبد القادر ان مسرحية (لعبة السلطان) التي كتبها فهمي نموذج quot;للمسرح المميت بالمعنى الذي قصده (المخرج البريطاني) بيتر بروك في كتابه (المساحة الفارغة) أي المسرح الذي يميتك املالا وضجرا ثم لا يقدم لك بهجة ولا فكرا. لا يدفعك الى التأمل في شيء أو الانفعال بشيء. على أبواب المسرح تنفض عنك ما علق بك وتمضي دون أثر.quot; وأضاف أن المسرحية quot;مثقلة بالصنعة. لا تخلو من الركاكة.quot;
ويكاد كتاب عبد القادر الاخير يكمل كتابه الذي صدر عام 2004 بعنوان (في المسرح المصري.. تجريب وتخريب) الذي استعرض فيه عددا من دورات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي الذي يقام سنويا منذ عام 1989 متسائلا.. (أما آن لهذا العبث أن ينتهي..). وسخر من المهرجان مشيرا الى أنه منذ دورته الاولى والمدعوون يناقشون معنى التجريب عبر صيغ مختلفة ومحاور متعددة وموائد مستديرة ومحاضرات وندوات quot;لكنهم جميعا يمضغون الهواء فيرددون ذات الافكار بذات الصياغات والالفاظ.quot;
وشدد على أن التجريب في الفنون عموما ليس معطى جاهزا يمكن استيراده لكنه مشروط بزمان ومكان ودرجة تطور اجتماعي وفني حيث quot;لا حدود للتجريب.. لكنه لا يبدأ من فراغ بل يبدأ بعد استيعابه كل تجارب الماضي ثم الاحساس الملح بالحاجة الى شيء يختلف عن هذا كله. شيء يختلف عنه ويستند اليه في الوقت ذاته. أما التمحك بالتجريب والتجريبية لتبرير العجز عن الالتزام بالقواعد الاصولية فشيء أخر يأتي ويمضي دون أثر.quot;
ولعبد القادر كتب منها (نفق معتم ومصابيح قليلة) و(أوراق من الرماد والجمر) (مساحة للضوء.. مساحات للظلال) و(من أوراق نهاية القرن) اضافة الى ترجمة كتب منها (النقطة المتحولة.. أربعون عاما في استكشاف المسرح) و(المساحة الفارغة) وكلاهما من تأليف المخرج البريطاني بيتر بروك و(طرائق الحداثة) للبريطاني رايموند ويليامز و(نهاية اليوتوبيا..السياسة والثقافة في زمن اللامبالاة) لاستاذ التاريخ في جامعة كاليفورنيا راسل جاكوبي.