...للمخرج عباس عبد الغني

ربيع عبد الواحد: قدمت كلية الفنون الجميلة عرضا مسرحيا صامتا في مهرجان الحدباء المسرحي الأول الذي اقامته الكلية في جامعة الموصل وهو عرض مسرحية quot;الجمجمةquot; للمخرج المسرحي التدريسي في الكلية (عباس عبد الغني)، بدا العرض بصافرة انذار كنذير للشؤم القادم من بعيد، وما ان انتهت الصافرة الى ان وجدت نفسي في مكان مهجور قد اكل الدهر عليه وشرب واذ بي ابصر طفلا يلد في بقعة حمراء يتدرج هذا الطفل بمراحل عمرية متعدده، مرة هو طفل لايقوى على الحراك ثم مرة اخرى تراه يتحرك ثم يمشي ويتطور في عملية النمو الى ان يصبح شابا ينخرط في صفوف العسكر ليدافع عن ارض الوطن وبرقصات درامية وايمائية يجسد هذه المراحل المتتابعة.
تأتي صافرة الأنذار مرة ثانية لتقطع المشهد وهنا نجد الشاب قد هرع من الخوف ليجد مكانا يحتمي فيه فلا يجد الا quot;الجمجمةquot; التي يكونها باجزاء ها الأثنين على الخشبة متخذا اياها ملجأً يحتمي فيه ويدرء عن نفسه خطر الحرب القادم وما ان ينتهي هذا القصف الى ان يخرج من الجمجمة فيُسمع بكاء الطفل يولد من داخل (الجمجمة)، يحاول الشاب اسكات الطفل جاهدا بكل وسائل اللهو واللعب لكن لا مناص من جهوده ويحول بحركاته الأيمائية الراقصة (الجمجمة )الى (راديو) يبث اذاعات واغاني متعددة، فمرةً اغنية (لمايكل جاكسون)، مرة ل(الفيس بريسلي)، لكن لاجدوى فالطفل لا يسكت ولا يستجيب ل(مايكل ولا ل الفيس)، لكن الراديو يستجيب للطفل في دلالة رمزية اخرى حملها العرض ويبث له صوتا لدبكة عربية فما يلبث ان يسمعها الطفل حتى يسكت تماما ويستغرق في النوم مرمزا بذ لك ان الطفل عربي وان المشكلة التي المت بالناس هي مشكلة عربية، وينتقل بنا العرض الى صورة اخرى تجسدت في عرض للشاشة السينمائية التي استخدم فيها المخرج السلايدات السينمائية والمشاهد السينمائية التي صورها لممثل العرض رابطا بين المشهد المسرحي والسينمائي في روح واحدة جعلت الفكرة تبدو واضحة للعيان عبر فلسفة رمزية ابتعدت عن المباشرة المجة، هذا المشهد السينمائي وضح الآلام التي تعرض لها الشعب العراقي وان المصاب هو مصاب عراقي مس كل العراقيين ولم يفرق بين اعراقهم وانتمائاتهم المختلفة، وينتقل العرض الى نهايته في المشهد الأخير الذي تجسد بولادة ادم وحواء الذين يبدآن برقصة درامية جسدت الولادة والحياة والأمل ويشخصان سبب الآلام التي مرا بها وكانت سببا في مأساتهم ان السلاح الذي كان سببا في كل ما اصابهم وبهذا يتخلصان منه ليعم السلام والمحبة للعالم وليبينا ان العراقي ينبذ العنف ويرغب بالسلام.
شكل الممثل المسرحي في quot;الجمجمةquot; ركيزة اساسية في العرض فبدونه لاتتكون الشخصية الدرامية التي تتصارع وتتألم وتفكر وتقرر وتفعل، وعلى الرغم من انه تم الأستغناء عن معظم العناصر التي تشكل العرض في التأريخ المسرحي مثل الكلام في المسرح الا ان الممثل ظل محافظا على وجوده ودوره رغم التجارب التي استبدلته بالدمى، وان معظم التجارب والأتجاهات التي ظهرت في المسرح افردت للممثل تنظيرات هامة تتعلق بفنه ودوره وتقنياته الخاصة ووضعه حجراًً أاساسا في نظرياتها وعروضها كمسرح القسوة، والمسرح الفقير، ومسرح موسكو الفني والمسرح الملحمي، فظهرت ضرورة البحث والكشف عن الخواص السيميائية وامكانية الكشف عنها وعن خواصها في مسرحية quot;الجمجمةquot;، استطاع المخرج(عباس عبد الغني) ان يحدد البعد السيميوطيقي لعلاقة الممثل في هذه المسرحية،حيث جعل الممثل يحدد المعاني ودلالاتها الباطنة والمستترة وهو الذي يحدد المكان الذي يتحرك فيه ويعطيه معنى علامات بثها الى المتلقي، كما استطاع ان يؤكد العلامات المرسلة من مصادر اخر، والتي تشيء الشخصية وتجعلا لحما ودم،وهنا يمكن ان يتشظى اداء الممثل في هذه المسرحية الى منظومتين سيميائيتين كل منهما تحمل مدلولات :الأولى هي الجسد،، تشمل (الحركة الداخله في الأطار البصري)، والمنظومة الثانية، السينوغرافيا بتقنياته المتعدده ومن ضمنها الصوت -(الموسيقى)-، موظفا هاتين التقنيتين في اطار سمعبصري،
لقد برمج (عباس عبد الغني) عزل المنظومتين عن بعضهما البعض موظفا المنظومة الأولى من جسد وحركة جاعلا اياها اهم مصدر يرسل الأشارات الى المتلقي،، كما تمكن من ان يوظف الشكل الجميل للسيميولوجيا المسرحية التي حللها تحليلا كاملا عبر سينوغرافيا العرض، منتظمة في شكل معبر (عبر برمجة الممثل مع الموسيقى المنطلقة من السبيكر) ومن النقاط التي تحسب لصالح العرض والمخرج هو الأنتظام الدقيق للشكل مشيرة الى الموضوعة المهمة التي مثلت المشكل الموحد للعراقيين،
كما وظف ((عبد الغني)) المصطلح الذي ابتكره والموسوم بـquot;مسرح السينمسرحquot; عبر العرض quot;هذا المصطلح الذي يضم تحت لواءه مكونات عدة تتشظى الى مديات متناثرة تأتلف على خشبة المسرح باحثة في فضائه المتألق المحلق في اتموسفير الأبداع لتلتحم مع المشكل الأنساني ولتكون معادلة متزنة الأطراف)quot; *.
ان عرض مسرحية quot;الجمجمةquot; لمؤلفه (حسين رحيم) ومخرجه (عباس عبد الغني) هو بصمة فنية مبدعة لهذا المخرج تستحق الثناء وبدون مجاملة،كما ان هذا العرض يستحق كذالك الوقوف عنده بما فيه من رؤى وابداع فلا ننسى التمثيل الواعي للممثل الشاب (توخيب) والممثلة (رنا) الذي كان حضورهما حضور الفنان المحترف، فعلا ان (توخيب) هو فنان محترف بلغة الجسد (البانتومايم). كما لعبت الموسيقى الدور البالغ في ايصال المكنون الدرامي للعرض التي كانت من ابداع (ايدن فصيح) الذي حصل على جائزة افضل موسيقى في المهرجان من هذا العرض.
اخيرا اتمنى ومن كل قلبي التوفيق والنجاح لمخرج هذا العمل وكادره من ممثلين ونتمنى لهذا العمل ان يمثل الموصل خير تمثيل في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي القادم باذن الله، ونقول ل (عباس عبد الغني) نريد منك المزيد من الأعمال المتميزه والناجحة وبالتوفيق ان شاء الله.

* عبد الغني،عباس،مسرح السينمسرح البيان الأول،مجلة مناهل جامعية،السنة الأولى،2006،ص45.