سيفاس الدراما المنسية

صالح حسن فارس- من أمستردام: كيف تحول ملتقى فني وثقافي إلى مسرح لجريمة إرهابية مروعة؟ إنها دراما حقيقية حدثت بالفعل أثناء مهرجان بير سلطان عبد الله في مدينة سيفاس التركية عام 1993. بعد 13 عاماً تستعاد المأساة بكل تفاصيلها على خشبة المسرح، لئلا يطويها النسيان. وإن كانت الاستعادة ليست في تركيا، ولا في الشرق بل في هولندا. هذا ما فعله الفنان المسرحي التركي quot;شعبان اولquot; المقيم في هولندا بالتعاون مع الكاتب البلجيكي quot;باول بورفورquot; مستلهمين الحادثة الاليمة لتنهض من جديد بثوب مسرحي في محاولة منهما لتقديم مادة فنية تدين الارهاب والتطرف في كل مكان بالعالم.
(دراما سيفاس) هو عنوان العمل المسرحي الذي قدمته فرقة quot;راسquot; المسرحية باللغة الهولندية على مسرح quot;فرسكاتيquot; بمدينة أمستردام الاسبوع الماضي.مثل فيها مجموعة من الفنانين ذوي الأصول التركية بالاشتراك مع ممثل هولندي.
تدور أحداث العمل حول جريمة إحراق فندق المهرجان الفني والثقافي في مدينة quot;سيفاسquot; التركية عام 1993 الذي كان يقيم فيه ضيوف المهرجان ومن بينهم الشاعر التركي (عزيز يسنين) على خلفية ترجمته لمقاطع من كتابquot;ايات شيطانيةquot; للكاتب البريطاني المثير للجدل quot;سلمان رشديquot;. ويعتبر مهرجان quot;بير سلطان عبد الله من اهم المهرجانات التي ترتبط بفولكلور وتراث الطائفة العلوية في تركيا، وقد تحول هذا المهرجان عبر التاريخ إلى مناسبة لتأكيد الهوية العلوية، كما صار منذ السبعينات ملتقى سنوياً للثقافة اليسارية المعارضة في تركيا.
أدى الحريق إلى مصرع أربعين شخصاً بينهم ثلاثة وثلاثون فناناً وأديباً تركياً وجرح أكثر من ستين شخصاً. اراد المخرج التركي الاصل أن يسلط الضوء على تلك الحادثة الإرهابية الفريدة من نوعها في تركيا. وأصر أن يخوض مغامرة جديدة ليصور لنا المجزرة البشرية التى راح ضحيتها عدد كبير من الفنانين والناس الابرياء.

اختار المخرج مدخلاً ذكياً لمقاربة الحكاية، حيث اختار أن يكون الراوي رجلاً أوربياً الممثل (ايرك كونكس بيرخر) بجسده النحيل وملابسه البسيطة الانيقة. يذهب البطل إلى تركيا لزيارة حبيبته التركية الممثلة (لاله فريه) وتصادف زيارته الذكرى الثالثة عشر لواقعة إحراق الفندق من قبل جماعة ارهابية متطرفة. يضعنا المخرج أمام اشكالية الصراع بين الشرق والغرب وحيرة الزائر الأوربي أمام تعقيدات الواقع الشرقي الإسلامي .
وحسب ماقاله المخرج بعد نهاية العرض لـ (إيلاف): أنه يصور الاحداث الدرامية الدامية في الشرق الإسلامي وكانت فترة التدريبات قياسية وهذا العمل عبارة عن رسالة احتجاج نرسلها إلى كل من يمارس العنف ضد البشرية في كل مكان. وكذلك هو نقد حاد ولاذع ورد فعل ضد الارهاب وضد العنف في العالم.
تبدأ المسرحي بمشهد للراوي وهو جالس على هيكل حديدي (الذي يستخدم في تسليح الاسمنت) وضع في مقدمة المسرح كاشارة الى الخراب الذي حلّ بالفندق. يصف لنا الممثل في حوار طويل مظاهرة إحياء الذكرى، بينما تسرد حبيبته الاحداث التي كانت شاهداً حياً عليها، وكيف ماتت اختها في حريق الفندق.في سرد مفصل وطويل للتظاهرة التي كان زمنها موازياً لزمن الحادثة الأصلية: من الساعة الواحدة ظهراً (بعد صلاة الظهر) حتى الخامسة عصراً (لحظة الإحراق) ينقلنا الراوي إلى أجواء المدينة وكيف يلتقي الناس ويرى ويسمع النزاعات السياسية والدينية بين الفرق الدينية الشيعية والسنية والعلوية، الماركسية اللينينية وحزب العمال الكردي. يمضي العمل في وصف ماحدث من كارثة وقد أغراه السرد مما جعله يسهب في سرد الأحداث متناسيا أن المسرح يتناول الحكاية بالتكثيف والاقتصاد في أظهار التجربة الانسانية بحس درامي.
وظف المخرج هذه الاحداث بطريقة سردية واقعية اذ غلب عليها السرد الطويل الممل. بالرغم مما يرويه بطل المسرحية بطريقة ساخرة لاذعة وممتعة.
أختار المخرج مساحة الخشبة لتكون ساحة السرد والمعركة ومكانا للمتظاهرين التي هي عبارة عن باحة الفندق ومحيطه. كما أعتمد على ثلاثة هياكل حديدية وضعها على أرضية المسرح كأنها تُشير إلى الخراب الهائل الذي لحق بالناس والفندق. الديكور كان تجريديا، أعتمد على الرموز كمفردات جمالية مختزلة.
يفتح مشهد اخر على الحبيبين وهما يتحاوران في فضاء مفتوح وسط المدينة بجانب الفندق المحروق. ونرى مجموعة الممثلين (الكورس) يجسدون الانتفاضة ضد المهرجان في مشهد واقعي ضعيف غير مدروس، يظهرون على شكل مجاميع ترتدي زيا رمادي اللون- ربما هو اللون المحايد- تستمر راوية الحكاية بطريقة مشوقة مما أدى ذلك إلى تفاعل الجمهور معها. بالرغم من غياب المشهد البصري الذي لم ينتبه له المخرج.
الشاشة الخلفية للعمل تعرض لنا الطبيعة الخلابة لتركيا دون أن يتوضح لنا جدواها الفنية. وظف المخرج شخصية كوميدية لتضيف الى العمل مزحة هزلية تكسر الجانب الماساوي للحادث.