ترى هل سبق للصحراء
أن روت ظمأ َ ظامئ ٍ!
إلى حسن سفاح..

إزاء كل هذا العجز الذي يحيط بنا وحيث البقاء للأقوى وفي ظل بروز المنفعة، تتعالى أصوات النشاز التي أخذت عاتقها تسيير التكلس / التحجر / التراكم / الاختناق، فحين تقدم على مهمة الإخراج المسرحي عليك أن تطرح مشروعك الفني لأن الإبداع يعني التجاوز ولا شيء غير التجاوز، ويجب أن تكون كل الأشياء متحركة حين نبدع. وفي منفانا وفي مدينة (ديربورن) تحديداً إن الانتاج المسرحي يمر برتابة وسكون وأن جميع العروض المسرحية التي قدمت عزفت على وتر واحد، نغمٌاً مكروراً باهتاً بدليل أن جميع التجارب التي قدمت هنا كانت قد قدمت وتم تناولها سابقاً أن كان عرضاً عراقياً أم عربياً، وحيث نتناول تجارب (حسن سفاح) الملقب حسن حامد خضر الذي صال وجال في إخراج العديد من (الإسكيجات) وهو الذي يصفها بالعروض المسرحية ويدافع عنها بوصفها نتاجا فنيا، في حين أن أي عمل متكامل يتحد فيه الفكر والعاطفة إتحاداً رائعاً ليتسنى لنا إستخلاص قيمته عندها يمكن لنا أن نتلمس أنه عمل مدروس ومخطط له من قبل كل العاملين فيه إبتداءً من المخرج والمؤلف ومروراً بالممثلين والفنيين، والتربية الجمالية تستهدف تربية (تلاميذها)
على معرفة القيم الجمالية في الواقع الحياتي وفي الفن! ولو رجعنا قليلاً إلى الوراء لرأينا أن (أوسكار وايلد) تبنى حركة أنصار(علم الجمال) بل ونصب نفسه رسولاً لها وهي حركة تهدف إلى الخروج عما ألف الناس عليه من أساليب العيش وقوالب الفن والشعر والأدب وتدعو إلى التحليق بالفن والإجادة فيه وعدم إبتذاله في مطالب العيش أو إسفاف الحياة اليومية، ولكوننا نحن معشر المهتمين والمتعاطين بالفن والإبداع نتبنى إرشاد الناس إلى شجرةالمعرفة والتذوق من ثمرها، نجد أن هناك الكثير من المبدعين تركوا بصماتهم واضحة على خريطة الإبداع لأنهم لم يكونوا مزيفين أو زاحفين من أجل شهرة أو نجومية أو جمع الأموال، وهم على وعي حقيقي بالتاريخ وحركة تطوره وهذا أعطاهم التفوق الذهني والوعي الفكري، أما في مسرحية (صرخة ضد الطغيان) وكما هي بدت للمشاهد (إسكيج) من تأليف سعدي العبيدي وإخراج حسن سفاح، وتمثيل نخبة من الممثلين من أبناء الجالية وهم بعيدون كل البعد عن هذا الفن الراقي، لأن المسرح له تأثير واضح في حياتنا، وأنه يمثل إحدى أنجع الأدوات وأكثرها تعبيراً في مجال ثقافة الأمة، وفكرة المسرحية منقولة بحذافيرها من واقعة الطف فكربلاء بدمائها ومعاناتها ووعيها العملاق أعطت الدرس البليغ للناس جميعاً ووضعت الحياة الإسلامية على المحك فلا مجال للهزيمة والتبريرات والحيل النفسية كما يسميها ا الشيخ طالب السنجري أنه الدور المرسوم لحركة المسلم في كل زمان ومكان، فمن هذه النقطة انطلق سعدي العبيدي ليجسد لنا (السبايا) في (سكيجه) المسرحي هذا وما لحقهن بعد مقتل الإمام الحسين (ع) ليظهر لنا الجهاد المرير لأطهر وأنبل إمرأة عرفتها الأرض وباركتها السماء زينب بنت علي ومن لحقها من النساء اللواتي رافقن حركة الحسين في كربلائه والمتتبع لهذه الكربلائية والقارئ لفصولها يجد المؤلف أنه وقع في العديد من الأخطاء وخاصة عند شخصية الإمام زين العابدين (ع) وهنا لانريد الغوص في العمل من الناحية التاريخية والفكرية لهذه الموقعة الأليمة، فنحن مؤمنون بالحسين قضية وهدفاً، ولكن حديثي ينصب على صياغة خطاب العرض المسرحي الذي قام به الفنان الحاصل على دبلوم الفنون المسرحية وهو (حسن سفاح) الملقب حسن حامد خضر، فجاءت أدواته الاخراجية ضعيفة ولم يظهر لها أدنى تجلٍ على مستوى الشكل أو المضمون بل يمكن أن نضع ما قدمه بالأمس في خانة (التشابيه) التي أعتدنا على رؤيتها في العراق وبعض البلدان المجاوره له في شهر محرم، حيث تنشط الفعاليات العاشورائية في الباحات والفضاءات العامة، وما يدعو للتساؤل في هذا السياق أن المخرج المذكور عمد السنتين الأخيرتين تحديداً على تقديم هذا النمط من (السكيجات) المسرحية في المناسبات الدينية والسياسية الخاصة ببعض الأحزاب الدينية العراقية التي لها موطأ قدم في ديترويت، في حين أنه وكما هو معروف أن الفن خطاب إنساني وغير مرتبط بأي تقنين سياسي أو ديني وقد يستقي المبدع شيئاً من هذين العالمين ولكن يبقى الفن في ديناميكية خطابه صياغة جمالية تحمل مدلولاتها الفكرية، وفيما يتعلق في التاريخ فإنه من الجيد أن نبحث بين ثناياه عن مفردات جديدة تحمل هامشاً يمكن أن نطرح من خلاله تساؤلات اللحظة الراهنة إنطلاقاً من وعاء التاريخ، وعلى سبيل المثال تظل واقعة الطف أليمة بالنسبة لجميع المسلمين في العالم والآن وبعد مرور ردحاً طويلاً من الزمن على حدوثها كيف يمكن أن نقدمها في خطاب فني معاصر فيه من الجودة والحداثة والجمال ما يجعل المتلقي حيال قراءة جديدة لها، ولعل الاشتغال عليها في هذه الأيام بالذات له شيء من القدسية في قلوب المشتغلين، وبوصفه رمزاً تاريخياً وإنسانياً مهماً فإن قضية الامام الحسين (ع) تظل أرضاً خصبة لكل المشتغلين في فضاء الإبداع الفني والأدبي، ولكن هنا يجب التفريق بين من يقدم طقسية دينية تخلو من إشتراطات العمل الفني وقيمه الجمالية وبين من يؤسس خطاباً جمالياً يستقي مفرداته من التاريخ ليحاكي قضايا اليوم وما حدث في عمل (صرخة ضد الطغيان) أن العرض كان فاقداً لكافة مقوماته من نص وعرض فالأول لم يكن نصاً بمعايير النص الدرامي الذي ينطوي على العناصر المعروفة للنص الدرامي المسرحي والعرض لم يكن سوى طقساً عاشورائياً محضاً خلا من أي فعل درامي أو شكل فني، ويبقى المطلب قائماً عن إمكانية تطوير العناصر الهاوية للمسرح من أبناء الجالية فحبهم للمسرح لا يكفي لتقديم عرض مسرحي متكامل مالم يرتبط بسلسلة من الخطوات العملية التي تبتدأ بالتثقيف بالفن المسرحي ولا تنتهي بالتمرين وتأهيل للأدوات الفنية للممثل أو المخرج لأن رحلة البحث عن الجمال تتطلب دوماً الإستمرار في التذوق والبحث والتمرين والتجريب الفني.

[email protected]