اللهم لا شماتة.. وسبحانك اللهم تعطي الملك من تشاء، وتنزع الملك عمن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء.. الرسالة المتسربة من داخل السجن التي كتبها رئيس المخابرات العراقية الأسبق والأخ غير الشقيق للرئيس العراقي البائد السابق صدام حسين المدعو برزان إبراهيم حسن التكريتي و التي يتوسل فيها القوم والمعارف وكل من يستطيع المساعدة لإنتشاله من هوة الورطة السحيقة التي وجد نفسه بها بعد عقود طويلة من الهيمنة والتسلط وممارسة السلطة عبر أساليب البلطجة وإحتقار الشعوب، تعيد إلى الأذهان حكايات ونهايات الطغاة المتجددة بإستمرار، وهي النهايات التراجيدية المعروفة حتمياتها للجميع إلا لأولئك النفر من الطغاة الذين نسوا الله لعقود طويلة ثم أنساهم أنفسهم، وبعد تحقق الحتمية التاريخية المحتومة وهي الهزيمة والخزي والعار عادوا ليتصنعون البراءة ويتلمسون الأعذار ويحاولون القفز والنجاة من السفينة الغارقة التي تسببوا هم وحدهم بغرقها!، والتأمل في مصير الفاشية العربية وهي فاشية جبانة ومتخلفة و لا تمتلك النزر اليسير من فروسية المواجهة وشجاعة مواجهة النتائج، يثير في النفس كل معاني التأمل في مصير فراعنة صغار تصوروا ذات يوم بأنهم فوق القانون وفوق المحاسبة وتعاملوا مع الشعوب التي أذلوها معاملة الأسياد للعبيد، فإذا بهم اليوم يظهرون بصورتهم الحقيقية التي نجحت مساحيق السلطة المفرطة وأوهام القوة الغاشمة في تغطيتها لعقود طويلة؟ فمن يتصور أن ذلك الشخص تحديدا وهو المدعو (برزان التكريتي) رجل المنظمة البعثية الإرهابية القوي، والذي حسب نفسه ذات يوم الرئيس المكرر للعراق، والذي تدرج في مصاف سلطة القمع والموت والإرهاب البعثية وتخرج من سراديب الأمن والمخابرات وأجهزة الإعتيال والقمع والغدر، يكون منظره بائسا بمثل ما ظهر به من جزع ولوعة ومذلة ومهانة وإستهانة قبل أيام قلائل في قفص الدجاج الأبيض المخصص لمحاكمته!!؟، من كان يتصور أن الرجل الذي دخل تاريخ الرعب والموت في العراق الحديث بسمعته (العطرة) في القتل الفوري والشامل منذ أيام جهاز (حنين) الإرهابي ثم وصولا لحملة ذبح الرفاق البعثيين في تموز/ يوليو 1979، ثم حملات تصفية المعارضة العراقية وإبادة عناصر حزب الدعوة الإسلامية، وتهجير مئات الآلاف من العراقيين وتغييب أبنائهم مع مسؤوليته عن العديد من ملفات النظام البائد الوسخة، يكون بكل هذا الجبن والهوان ويتوسل القادة العرب الراحلون منهم أو السائدون لمد يد العون له وإنقاذه من عذاب (السجن الأميركي المكيف)!!، ومن لعنة المرض الخبيث، ومن إنقلاب الأيام ودورتها التي لا ترحم؟ هذا الجلاد العريق الذي تحول لدبلوماسي رفيع!! ولحافظة أموال للنظام المخلوع، يظهر اليوم بصورته الحقيقية البائسة المجردة من زهو السلطة ورعبها وهيلمانها! إنه يتفاخر بعلاقاته السابقة مع الملوك والأمراء وأهل الرأي ولكنه للأسف لم يتعلم أن يحاكيهم في حكمتهم أو أن يأخذ ونظامه المفلس البائس من تجاربهم شيئا؟؟ إنه يستنجد بروح المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان! وهم الذين شتموه في آخر أيامهم حينما نصحهم بالرحيل وتجنيب الشعب العراقي مغبة نتائج حرب كان شرها واضحا ومستطيرا إلا للأغبياء من أهل البعث وقادة الحواسم؟؟ إنه يستنجد بروح الملك الراحل الحسن الثاني وهم ذاتهم الذين شتموه وتآمروا على نظامه مطولا وعملوا جاهدين من أجل إسقاط النظام الملكي في المغرب وفرحوا لإنقلابي الصخيرات (1971) !! والطائرة الملكية (1972)!! ورفضوا كل مبادراته وضماناته للإنسحاب من دولة الكويت بعد غزوها وإستباحة شعبها، ثم عادوا بعد عاصفة الصحراء ليحاولوا الإحتماء بعباءة الملك الراحل وبعلاقاته الدبلوماسية الواسعة من أجل إعادة التأهيل الإقليمي والدولي!!، إنه يستنجد بروح الراحل الملك فهد بن عبد العزيز وهم ذاتهم الذين تآمروا على المملكة لعقود ثم حاولوا في صيف الغدر البعثي 1990 طعنها من الخلف وإحتلال أراضيها؟.. وتطول قائمة الرزايا والمصائب التي تسبب بها قادة البعث العراقي المهان المهزوم الذين يواجهون اليوم مصيرهم الأسود الذي كان يمكنهم تجنبه فيما لو إمتلكوا شجاعة الرجال والقادة المهزومين ووضعوا حدا لحياتهم بأيديهم قبل أن يكونوا اليوم فرجة لكل الشعوب والملل والنحل.. وهي الحكمة الإلهية الخالدة في إذلال الطغاة... والعجيب أن برزان ينتخي ويستنجد بالقادة العرب ولكنه لم يراجع ضميره ليعتذر من الشعب الذي حكمه وأذله لعقود بالحديد والنار؟ لم يعتذر أو ينتخي بأهل المقابر الجماعية أو بالآف الأبرياء الذين سحقت رؤوسهم آلته القمعية الرهيبة أيام رئاسته للمخابرات العامة وهي الفترة التي شهدت قمة القوة في دولة الإرهاب والفاشية البعثية خلال الفترة من (1979 وحتى عزله بعد خلاف عائلي حول حسين كامل عام 1983)، كان خلالها هو المهيمن على الشارع العراقي وهو المصدر للإرهاب ولفرق القتل ودول الجوار، وهو الذي يهيمن على كل مناحي الحياة في العراق.
فهل تتذكرون منظر برزان التكريتي الطاغي بذقنه المرعب الذي حاول أن يقلد فيه صورة أحد زعماء مافيا وهو يسحب البعثيين الذين غضب عليهم أخيه الرئيس لأقبية التعذيب ولمقرات المخابرات ليصفيهم بعد عذاب شديد؟ وليملأ حدائق القصر الجمهوري بجثثهم في حملات الإعدام الشامل ضد رفاق المسيرة الواحدة!!؟، هل يتذكر أحد نشوة برزان وهو يثقب بالمثقاب الكهربائي رأس الشهيد محمد باقر الصدر ويغتصب ثم يقتل شقيقته (آمنة الصدر) المعروفة ببنت الهدى !! هو وزمرته من القتلة والأوباش كالمدعو (دحام الحسن التكريتي)!!؟ وقتها صمت العالم وتفرج على المجازر الجارية في أرض العراق؟ وصمتت الشعوب وتظاهراتها المليونية عن تفحص ما كان يتم من قمع؟ وصمتت جامعة الدول العربية (في تونس) وقتها!! وغاب الضمير الدولي بالكامل وكانت سلطة الموت البعثية مشغولة بالكامل في إنجاز مشروعها التدميري الفاشي؟.
وتورط (برزان) في جرائم النظام هو من الأمور البديهية لأنه كان أحد أهم أركان وأساطين وأسس ذلك النظام الدموي الذي ما زال يزرع الرعب والخوف والمرض النفسي في الشارع العراقي، ففي عام 1982 أصدر برزان كتابا سخيفا أسماه: (محاولات إغتيال الرئيس صدام حسين) تم بيعه إجباريا للعراقيين بحجة تمويل الحرب ضد إيران!!؟ وقد شرح فيه برزان دوره في إفشال مخططات الإغتيال التي تمت ضد صدام وهو نفس عام مجزرة الدجيل!!، أي برزان كان متصدرا للمشهدين المخابراتي والإعلامي في عراق الرعب الصدامي حتى تحول للرئيس المكرر مما ساهم في إبعادة وقصقصة أجنحته!! فالأنظمة الفاشية والمافيوزية لها خطوط حمراء لحدود القوة وممارساتها، وصدام كان يشعر بخطر أخيه غير الشقيق بسبب عناصر القوة والقمع التي وضعت تحت تصرفه! ومع تغييب برزان عن المشهد السياسي والأمني المباشر عام 1983 لم يغب شبحه الرهيب عن الصورة الأمنية المرعبة التي بناها رغم أنه بعد حين من السنين وتحديدا منذ عام 1988 إرتدى برزان وهو شبه الأمي والقاتل المحترف بدلة الدبلوماسية ليقفز لطبقة النبلاء في الخارجية العراقية وليكون سفيرا فوق العادة ومندوبا دائما للعراق للمنظمة الدولية في مقرها الأوروبي في جنيف بينما كان عمله الحقيقي هو إعادة ربط شبكات المخابرات العراقية في أوروبا وشمال أفريقيا!! والعجيب والمهزلة الكبرى أنه كان يصول ويجول في مؤتمرات حقوق الإنسان مدافعا عن سجلات نظامه الوسخة!! وكان شرسا كعادته في تلك المهمة وساهم في التخطيط لإغتيالات عديدة ضد العراقيين المعارضين أو المنشقين على جهاز المخابرات العراقية كما حدث في السويد ضد الضابط العراقي (ماجد حسين) وفي الرباط المغربية ضد أحد عناصر السفارة العراقية هناك؟ كما حاول ربط خيوط إتصال ببعض المعارضين العراقيين..؟.
إن قصة برزان التكريتي هي قصة صعود ثم إنهيار الفاشية في العراق، وهي قصة دسمة وحافلة بالملفات والمفاجآت والأسرار لم تستطع للأسف المحاكمات المحدودة الجارية في العراق توظيفها تاريخيا وتوثيقها علميا، فهو كنز حافل بالمعلومات عن أخطر وأدق فترة في تاريخ العراق والعالم العربي؟ رغم أنه يحاكم رسميا عن جريمة واحدة هي جريمة الدجيل لا تشكل قطرة في بحر المصائب التي خاضها ذلك الإرهابي السابق!!.. إنها دعوة لكشف كل الملفات وتعرية الطغاة وتصحيح التاريخ، فتوسل الطغاة بالرحمة مجرد نكتة في منعطف تاريخي حاسم... فالعدالة هي من تقرر مصير القتلة، ودماء الأحرار لن تذهب سفاحا و بالمجان.. إنها لعنة التاريخ التي تطرق على رؤوس الطغاة، ونراهم سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد...
[email protected]
- آخر تحديث :













التعليقات