يبدو أن مصر موعودة مع الحركات، من حركة الأخوان المسلمين إلى حركة الضباط الأحرار إلى حركة كفاية--- فكلها حركات، والملاحظ للمراقب التداخل الواضح بين هذه الحركات من التنسيق والتعاون إلى التنافس الى الصراع وهي مسألة تستحق التأمل.
في هذه المقالة نستعرض بايجاز أهم النقاط ما بين حركة كفاية وحركة الضباط الأحرار والتي يمكن تلخصيها في الآتي:

أولا: جاذبية الأسم، فكلمة الضباط الأحرار كان لها جاذبية فيما يتعلق بالتحرر من الاستعمار والفساد السياسي والاقطاع، ورغم أن النضال الحقيقي ضد الاستعمار قاده الوفد والجماعة الوطنية إلا أن جاذبية الأسم والحماس الثوري المصاحب لهذه الحركة رسخ في الأذهان وكأنها هي التي خلصت مصر من الاستعمار الانجليزي . quot;أسم كفايةquot; أيضا شديد الجاذبية في هذا التوقيت لأنه يعبر عن الضمير الجمعي الذى يحلم بالتغيير ووضع نهاية للاستبداد والفساد والتعصب والجمود والتخبط.

ثانيا: كل من الحركتين جاءت في ظرف دولي دقيق ونقطة تحولات وتغيرات كبري، فحركة الضباط الأحرار جاءت لحظة انتقال ميزان القوي والقيادة في الغرب من انجلترا وفرنسا إلى أمريكا، وما صاحب ذلك من مساندة أمريكا لحق الشعوب في تقرير مصيرها ووضع نهاية لحقبة الاستعمار الأوروبي لكثير من دول العالم ، وحركة quot;كفايةquot; جاءت في لحظة مفصلية في الوضع الدولي وهي بداية لحرب جديدة طويلة هي الحرب على الإرهاب وما صاحب ذلك من الترويج والدفع الأمريكي لنشر الديموقراطية باعتبارها أداة أساسية في محاصرة الإرهاب الدولي.

ثالثا: كلاهما حركة تغيير ثوري وجذري ولكن وفقا لأليات هذا التغيير في عصره، فوقت حركة االضباط الأحرار كأنت أهم أداة للتغيير في دول العالم الثالث هي الانقلابات العسكرية، وهو ما قاموا به بالفعل، أما الآن فأدوات التغيير هي العصيان المدني والثورات الشعبية كما حدث في بعض دول أسيا وأمريكا الجنوبية في السنوات الأخيرة، أو صندق الانتخابات إذا تمت من خلال عملية ديموقراطية سليمة ومتكافئة الفرص. ويبدو أن كفاية تسير في أتجاه العصيان المدني وهي تأمل أن تتحول في النهاية إلى ثورة سلمية تضاف إلى الثورات الملونة التي تتحدث عنها الحكومات الغربية.

رابعا: كلاهما يراهن على الشارع يستمد منه الطاقة والتأييد، ورغم أن حركة يوليو كانت سرية وعسكرية إلا أنه بمحرد نجاحها كان كل همها إمتصاص الشارع في صفها لتنال رضاه، وهو ما حدث بالفعل، نفس الشئ يحدث مع كفاية. ويعود ذلك إلى تشابة الحال في اللحظيتين، فالحاجة الماسة إلى التغيير والحياة السياسية المضطربة والفاسدة والهوة المزعجة بين الأغنياء والفقراء، وتركز الثروة والنفوذ هي قواسم مشتركة لمجتمع ما قبل يوليو والمجتمع المصري الآن، بل أن فساد الحياة السياسية قبل الثورة لا يقارن بما وصل إليه الوضع الآن من تردي.

خامسا: تركيبة حركة الضباط الأحرار كانت خليطا من الضباط والأخوان المسلمين والاشتراكيين، تركيبة حركة كفاية هي خليط من الناصريين والأخوان والاشتراكيين. نفس الخلطة، نفس الشعارات وكأن الزمن قد توقف،او كأننا اضعنا نصف قرن هى سنوات حكم العسكر ونحاول البداية من نقطة الصفر او فى الحقيقة ما قبل الصفر.

سادسا: أحد وجه الشبه أيضا بين حركة كفاية وتنظيم الضباط الأحرار هو استهداف رأس النظام والتجرؤ على الحاكم، فلأول مرة منذ مجئ العسكر إلى الحكم يحدث هجوم شخصي على رئيس الجمهورية وعائلته بشكل حاد، بل أن شعارات حركة كفاية موجهة بالتحديد للرئيس وعائلته، (لا للتمديد، لا للتوريث) . فرغم أن مبارك أعطي بعض الحريات في النقد والتعبير عن الراى، إلا أنه خلال ربع قرن حصرها في مهاجمة أي شخص في النظام والدولة إلا هو وأفراد عائلته حيث كانوا من المحظورات، ويحسب لحركة كفاية أنها خرجت إلى الشارع في تحد علني له ولمحظوراته. وهو مشهد يكرر ما حدث مع حركة الضباط الأحرار تجاه الملك فاروق وحاشيته، فهم كانوا يرون الأزمة في القصر والحل يبدأ بتغيير من في القصر، وكفاية تري أن الأزمة في رأس النظام وتغييره كفيلا بأنهيار هذا الهيكل الضخم من الشللية في الحكم القائم على المصالح والفساد.

سابعا: غياب الرؤية البديلة، فحركة الضباط الأحرار كان هدفها التخلص من النظام بدون وجود رؤية بديلة وظلوا يتخبطون في سلسلة طويلة من التجربة والخطأ كانت نتائجها كارثية على مصر من حيث التقدم والرفاهية والحريات والوضع العسكري والأمني والعلاقات الدولية. لقد ضاعت الأهداف وسط تغول الشعارات الرنانة الفضفاضة وكانت النتائج النهائية مفجعة. لا نعرف إن كانت حركة كفاية استفادت من هذا أم لا، فكما هو ظاهر يبدو الهدف الواضح هو التخلص من النظام أيضا بدون رؤية عصرية بديلة للتقدم، وبدون تجنب الأخطاء. ومما يرجح هذا أنهم يكررون شعارات يوليو ذاتها والتي كانت بمثابة كارثية على المنطقة، وهذا تحدي حقيقي أمام كفاية أن تقدم تصورا شاملا بعيدا عن هذه الشعارات الموروثة المرحلة من زمن التخلف والانكسار والهزائم.

ثامنا: التعاطف العالمي
جذبت حركة الضباط الأحرار تعاطف عالمي حذر معها في البداية وخاصة من طرف أمريكا ،جعلها تمر بدون صعوبات. وفهم الملك وقتها الرسالة الأمريكية، ولكن مع قلة الخبرة وتهور الشباب والعنجاهية الكاذبة إصطدم الضباط الأحرار مع الغرب وأمريكا بعد ذلك، وكانت النتائج كما يعرفها الكل صراع عديم الجدوي كمن ينطح صخرة برآسه. وفي النهاية حاصر الغرب تجربة عبد الناصر وقضوا عليها وتحمل النتائج المحزنة الشعبين المصرى والعربى.
هناك تشجيع أمريكي وغربي حذر لحركة كفاية، جعلها تكتسب حماية دولية فيما يتعلق بحركتها في الشارع، وفهم النظام المصري الرسالة أيضا، بأن قانون الطوارئ ليس نصا مقدسا وحق الشعب في التعبير عن إرادته فوق كل قوانين وخاصة تلك القوانين غير الشرعية والداعمة للإستبداد. والإعلام الأمريكي أيضا ساند كفاية، ويكفي إنه اكثر من مرة كتب كفاية Kifaya وترجمها بالإنجليزية بعد ذلك Enough. فكلمة كفاية أصبحت متداولة في وسائل الأعلام الغربية وأداء حركة كفاية تجاه الغرب هو الذي سيحكم على نتائجها النهائية وهذا يقودنا إلى نقطة أخرى.

تاسعا: الموقف من أمريكا وإسرائيل
لم تتعلم كفاية من تجربة يوليو، والعداء الواضح في شعاراتها تجاه أمريكا وإسرائيل quot;لا للتبعية لا للتطبيعquot; إذا أستمر على هذا النحو سيجعل عمرها قصيرا، ولن تعدو سوي كونها حركة أحتجاج وتنفيس وليست حركة تغيير وثورة شعبية. لقد ورثت كفاية نهايات يوليو في موقفها العدائي تجاه الغرب وأمريكا وإسرائيل، ولم تدرك حتى الان أن هذه الشعارات والمواقف العدائية هى التى أنهت تجربة يوليو. كفاية تسير عكس حركة التاريخ، فالعالم يحكمه الغرب بقيادة أمريكا، والعلاقات مع إسرائيل أصبحت واقعا. والفلسطينيون أنخرطوا في عملية سلام، وأبو مازن ومن معه غير سعداء بعالم الشعارات هذا والذي يقيد حركتهم ويرفع سقف تطلعات الشعب الفلسطيني بدون قوة حقيقة تسند ظهره سوي هذه الشعارات التي لا تجدي.

بوضوح شديد إن لم تغير كفاية رؤيتها تجاه أمريكا وإسرائيل والغرب فلا تتوقع نتائج تذكر لدورها وسيلتف عليها النظام بمعاونة الغرب ويلتهمها.ما ينفعش تتحدى الغرب، تحدى الغرب نوع من الانتحار وسلوك يبعد عن البرجماتية السياسية.
وأخيرا: ما بين كفاية والضباط الأحرار، هو دور الأخوان المسلمين في الحركتين، والصراع يبدأ مكتوما وينتهي بتخلص طرف من الآخر. وفي يوليو فشل الأخوان في إلتهام حركة الضباط ، وإن كانوا طبعوها بتعصبهم وأفكارهم، ولكن الضابط أنتصروا في النهاية. نفس المشهد يتكرر، محاولة الأخوان أحتواء الحركة في البداية والالتفاف عليها، وإذا حدث على سبيل الفرض أنتصارا سيكون هناك صراعا واضحا بين الأخوان وحركة كفاية، في أعتقادي سيحسمه فى النهاية لمن سينحاز العسكر، وهذا أيضا تحذير أخر لحركة كفاية من دور الأخوان المسلمين المخرب، عليهم أن يلتفتوا إليه من البداية قبل أن ينتهي بصراع لا جدوي من ورائه .
السؤال الحقيقي في النهاية هل ما يحدث في مصر الآن سيجرها إلى نصف قرن آخر من الخداع والتخلف والشعارات أم سيخرجها من نفقها المظلم؟؟؟
[email protected]