رحب الرئيس العراقي جلال الطالباني يوم أمس بقرار مجلس الأمن الذي دان العمليات الإرهابية في العراق. وفي خطاب وجهه الطالباني إلى المنظمات الدولية الأخرى وفي مقدمتها الجامعة العربية، دعاها فيه إلى إتخاذ موقف مماثل في إدانة الإرهاب في العراق من دون تحفظ. وبحسب وكالة الأنباء الكويتية يوم أمس نقل التلفزيون الجزائري عن السيد باعلي قوله أن الجزائر "على غرار كل الدول الأعضاء في مجلس الأمن لا يسعها إلا أن تدين أعمال التقتيل التي يذهب ضحيتها الأطفال والنساء والدبلوماسيون والصحفيون". وهذا يعني أن الجزائر هي العضو اليتيم في الجامعة الذي دان الإرهاب في العراق من دون تحفظ!
نفهم من هذا السياق أن مجلس الأمن، أعلى سلطة أممية، يشخص العناصر التي تمعن في قتل الأبرياء في العراق، على أنها إرهابية ومجرمة دون لف أو دوران. بينما تخرس ألسنة الأعراب والمسلمين، منظمات ووسائل إعلام وبرلمانات ورجال دين وحكومات، عن قول كلمة الحق الصعبة، وإدانة العمليات الإرهابية التي قضت على حياة الآلاف من أطفال ونساء العراق، دونما ذنب إقترفوه، سوى أنهم عراقيو الهوية. ويطالب العراق اليوم، على لسان رئيسه المنتخب، دول الجوار من العرب والمسلمين، أن تدين الإرهاب في العراق، دون تحفظ، أي بصورة مباشرة وواضحة، ومن دون لف أو دوران، كما قالها مجلس الأمن بالأمس.
ولسنا بصدد ذكر الدوافع والمسوغات العديدة التي تمنع الأنظمة العربية من إدانة الإرهاب عموماً، وفي العراق بوجه خاص. فهي حقاً دوافع معروفة، يأتي في مقدمتها ضعف المنظومة الحاكمة وعدم شرعيتها، وبالتالي فمن كان بيته من زجاج إلخ. أضف إلى ذلك الخوف من غضب الشارع العربي والإسلامي، الذي غدا خلال العقود الأربعة الأخيرة مرتعاً للمجموعات الغوغائية البليدة، التي يحركها الظلاميون، كالروبوت، متما وكيفما يشاؤون. الأمر الذي يجعل الطالباني في مسعاه الأخير، كمن ينتظر الغيث من سماء تموز في بغداد. وأفضل ما سوف يحصل عليه هو صدور بيانات رسمية عن تلك الأنظمة، مليئة بالعبارات المبهمة المغلفة بشرانق الدجل والتضليل والمراوغة، والتي تدين "كل أنواع القتل والترويع الناتجة عن الإحتلال " وتطالب "بإعادة المياه إلى مجاريها الطبيعية في العراق" و "المصالحة الوطنية مع المقاومة المسلحة"، إلخ. وكأن الذي يحدث في العراق هو حرب شريفة، بين مقاومة شرعية مسلحة، تدافع عن حرية الشعب، وبين قوات إحتلال، لا هم لها سوى قتل الأطفال والنساء سوف يتعب الطالباني قبل سماعه من تلك الأطراف، كلمة حق واضحة وصريحة تبين أن الذي يحصل اليوم في العراق هو قتل واضح للأبرياء، وعمليات إرهابية مدانة من قبل الجميع. ولن يغير خطاب الرئيس العراقي المنتخب من واقع الحال شيئاً! وسيظل مبدأ الكيل بمكيالين هو الراجح في منطقة الشرق الأوسط. فيصبح المواطن الفلسطيني أو المصري أو السعودي أو القطري، إذا ُقتِلَ من قبل الإنتحاريين شهيداً، والعملية إرهاباً، بينما يعد آلاف الضحايا الذين يسقطون في العراق بنفس الطريقة، مجرد قتلى، والفاعلون عناصر مسلحة أو مقاومة شريفة. رغم أننا لم نقرأ في كتب الطب العدلي أن دم العراقي هو من تركيبة تختلف عن دماء هؤلاء في فلسطين ومصر والسعودية وقطر. ولا توجد أية موسوعة سياسية تصنف القاتل عينه اليوم إرهابياً وغداً مقاوماً، هنا مجرماً وهناك مجاهداً! أما إذا إنبرى لنا أحدهم وقال أن العراق يخضع إلى سيطرة أجنبية، فنقول له: وما هو حال فلسطين؟ أهي بلد مستقل؟ وهل مصر ذات سيادة حقاً؟ أم السعودية أو سورية أو الأردن أو قطر؟ من كان منكم بلا خطيئة أيها الأعراب؟! والأغرب من ذلك كله هو الفتوى القرضاوية التي صنفت عملية قتل الأمريكي في قطر إرهاباً وتخريباً، وقتل الطفل العراقي الرضيع على ثدي أمه في العراق جهاداً ومقاومة! ألا "رحمة" الله عليك يا أبا لهب؟! ماالعيب فيك يا رجل إذا قورنت بفقهاء هذا الزمن؟! ربنا غفرانك!
من الواضح أن الكتّاب العراقيين أمسوا في كتاباتهم ضد هؤلاء الأفاكين كمن ينطح الجدار بيافوخه. وكأني بهم يحاولون سلق الحصى، أو تسلق عمود الهواء! كفانا حوار الطرشان، أيها الأخوان، فقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي!. ألم نتعلم بعد من دروس الماضي؟ أربعة عقود والأعراب والمسلمون يصفقون ويهللون ويكبرون ويدعون لصدام، جلاد الملايين العراقية. أربعة عقود من الحروب العدوانية وهم يصفون الدكتاتور بحامي البوابة الشرقية. أربعة عقود من المجازر العرقية والطائفية والجلاد يمتطي صهوة جواد بطل التحرير. أما تعلمنا الدرس بعد أيها العراقيون؟ أما كفانا توسلاً باللئماء، وتملقاً للسفلة، وتزلفاً للعبيد، وأملاً في رقة قلوب تحجرت، ونفوس أفسدتها كوبونات النفط الصدامية، وصداقات من خبثاء فقدوا مصالحهم في التاسع من نيسان، وأقسموا اليمين على الإنتقام من 28 مليون عراقي!.
الأحرى بالحكومة المنتخبة أن تفعّل قدرتها، وتمارس صلاحياتها، وتتمتع بثقة الملايين التي تقف وراءها. لا يجدر بالرئيس العراقي، ولا رئيس الوزراء إستجداء بيانات تدين الإرهاب من جهات تساند الإرهاب، وتفتي للقتل، وتفلسف الجريمة! خير للحكومة، بالإستناد إلى ملايين الشعب العراقي من كردستان وحتى صفوان، أن تضع خطة حازمة وشجاعة للحد من الإرهاب، وتجفيفه في مواطنه. أن توقف التعاون التجاري مع الدول التي ترعى الإرهاب أو تسكت عن جرائمه، ولاتدينه علناً وبوضوح و"دون تحفظ"!. نحن لا نحتاج إلى الأعراب بقدر ما يحتاجونا هم. لدينا حدود مع تركيا التي تدين الإرهاب، فيمكننا التجارة عبر حدودنا معها. كذلك الكويت الشقيق. ولدى العراق منفذ آخر هو خليج البصرة، يغنينا عن التوسل بالآخرين لمرور بضائعنا، فلم هذا الخنوع؟. المفروض في الحكومة العراقية صياغة سياسة جادة في منح تأشيرات دخول الأعراب والمسلمين إلى العراق. فكما تمنع معظم دولهم مواطنينا من دخول أراضيها على حكومتنا الكف عن إستقبال الآلاف من سقط المتاع!، ناهيك عن قيام هؤلاء بالعمليات الإرهابية على أرضنا وضد مواطنينا.
عندما كنت صبياً أخبرتني جدتي أن "يد اليهودي مغلولة"، أي أنه لا يرد الإعتداء عليه! واليوم وبعد هذه السنين الطوال، تأكدت أن العراقي وحده، هو صاحب اليد المغلولة! لم أقرأ في كتب التأريخ قط أن شعباً يُقتل منه المئات يومياً، فيتملق القاتل! ويتوسل إليه الكف عن قتله! لقد ضربتم أيها العراقيون رقماً قياسياً في الذل والخنوع و"اليد المغلولة"! فما أشجع عدوكم! وما أجبنكِ أيتها الحكومة المنتخبة؟ أفلا تصدقين أنك منتخبة؟ إذن لم لا تُفعّلون دوركم أيها الحكام العراقيون، في الدفاع عن كرامة الناس الذين خاطروا بحياتهم لينتخبوكم ويوصلوكم إلى المنطقة الخضراء؟ أهي الخشية من فقدانكم الكراسي؟ أم الإستجابة لضغوط الجهات الدولية صانعة القرار؟ أم هو "التناغم" المخفي مع النوايا "الإقليمية" التي باتت مفضوحة؟ لماذا لا يستحي إذن هؤلاء الذين يزودون الزرقاوي بالفتاوى الدينية النتنة، والأموال، والفتيان الجهلة الإنتحاريين، وأخيراً القنابل المتطورة التي يضعونها على أرصفة بغداد والنجف والموصل والبصرة، لقتل أهلها؟ وهل تخشون شيئاً أيها الحكام؟ هل تخشون أحداً أكثر من خشيتكم من غضب السماء والشعب؟ أويخشى المبلل من المطر؟ هل تحابون الإسلاميين والسلفيين وحزب الله حفاظاً على وحدة الدين؟! أما يكفيكم برهاناً على نفاق وبغي حزب الله، حينما تحالف سلفيي القاعدة على ذبح "روافض" العراق؟! لقد بان المستور أيها الأعراب والإسلاميون، فلا شعارات عادت لتنطلي على العراقيين ولا عاد دين يجمعهم وإياكم ولا قومية ولا إنسانية! فلكم دينكم أيها العرب والمسلمون ولنا دين!
فهل لحكومتنا من وقفة شجاعة ولو مرة واحدة بوجه الأعراب، لكي نلقنهم درساً لن ينسوه أبد الدهر. علموهم أن دم العراقي عزيز، وأن أرض النهرين مقدسة، وأن لحم إبن الرافدين مر لن تأكلوه بيسر. قولوها أيها المنتخَبون ولا تخشوا بعد الله والشعب الذي إنتخبكم شيئاً! كونوا بمستوى المسؤولية التي منحتها إياكم الجماهير! أكرموا ذكرى شهدائكم! إرحموا ضحايا الإرهاب، ولا تمرغوا وجههم في تراب الذل! وكفاكم إستجداء السفراء من دول هي أقرب إلى العصابات الإرهابية منها إلى الكيانات العصرية الشفافة! والله لأن الفيتنامي والكوري والمكسيكي أرحم على أطفالنا وعوائلنا من الأعرابي والمسلم! أفلا تفقهون؟
وأخيراً لي عتاب مع منظمي تلك المسيرات المليونية، التي تغطي العراق أثناء المناسبات الدينية، أو عندما يشح النفط أو الماء أو تنقطع الكهرباء. أين ملايينكم الغاضبة من حملة القتل الجماعي التي تستهدفكم؟ أتبكون ضحايا القتل والعدوان السابقة، بينما لا تبالون بآلاف الضحايا الذين يتساقطون أمام أعينكم؟ لم الكيل بمكيالين، أيتها الملايين الغاضبة لكل الأسباب إلا ذبح العراقيين! أليس المذبوحون بالمئات كل يوم في شوارعكم هم أحفاد الحسين والصدر والحكيم؟ فلماذا تسكتون على ذبحهم وهم يقتلون على نفس الهوية؟ وأنتم يا أهل الموصل الحدباء، أليس العشرات من الضحايا في مدينتكم هم أبناءكم المخلصين؟ أليس في دمكم ذرة من الغيرة على إنتهاك أعراضكم، وعلى القتل والذبح اليومي الذي تشهدونه وأنتم صامتون صمت القبور؟ وأنتم يا أبناء تكريت، هل نسيتم إهانة صدام لكم وهتك أعراضكم وقتل أبنائكم؟ لماذا أصبحتم صمّاً كالحجارة إذا سقط أبناؤكم الأبرياء صرعى الإرهاب الوافد؟ وأنتم يا أهل الأنبارالمحافظين على التراث والأخلاق النبيلة، من أبناء حديثة وعنه وراوة وهيت والرمادي، هل نسيتم أنكم أبناء هذا البلد الآمن، لكي تفتحوا بيوتكم على مصراعيها أمام الأعراب القتلة الذين يدنسون أرضكم ودياركم، ويستبيحون أعراضكم كل يوم برضاكم! لم تأتمنون الأعراب الغرباء على نسائكم وحرماتكم؟ هل نسيتم ماكانوا يقولون عن العراقيات اللاتي يزرن الأردن؟

د. أسعد الخفاجي كاتب عراقي يعيش في الفلوجة حاليا
alkhafajisr@hotmail.com