في الوقت الذي نثمن انجاز اللجنة المكلفة بأعداد مسودة الدستور عملها المناط بها وفق امكانياتها وتصوراتها، نتمنى على المدققين أعادة صياغة بعض فقرات النصوص وفق الصياغة المتماسكة والقانونية المختزلة والوافية والواضحة، حيث كانت العديد من الجمل والتعابير خالية من فن الصياغة القانونية، مما يستوجب أن يتدخل المعنيين في رسم تلك النصوص بمنهجية وأختصار واف وواضح.
ومن يقرأ الديباجة يشعر انها خطاب سياسي لمرحلة مؤقتة يشرح معاناة العراقيين من نظام صدام وكأن صدام سيبقى في الذهنية العراقية مع الدستور الدائم، متناسين أن هذا الدستور لفترة زمنية طويلة وللأجيال القادمة، دستور للمستقبل العراقي، وأن هذه الديباجة ستبقى تتقدم على نصوص الدستور، ولايعقل ان يبقى صدام وماجره من ويلات على شعبنا مع الأجيال القادمة في دستورها الدائم .
ان أصرار المسودة في المادة ( 2 ) على ان يكون الديـــن الأسلامي دين الدولــــة ( الرسمي ) يتعارض مع المنطق والواقع، فالدولة شخص معنوي أعتباري وهمي لاوجود له، وقد أخترعه فقهاء القانون لتسهيل امور كثيرة، ولايمكن للشخص الوهمي ان يكون له دين، مثلما لايمكن لهذا الشخص الالتزام بموجبات الديانة الأسلامية، وهذا الأمر لايعدو الا تكرار لمقولة أوردتها الدساتير المؤقتة السابقة دون أي معنى، وأبقاء الدين الأسلامي دينا رسميا للدولة خدعة دأبت السلطات البائدة على تمريرها في دساتيرها المؤقتة على ابناء شعبنا، فلم تكن الحكومات السابقة مطلقة تدين بدين أو تلتزم بعقائد دينية، وأحترام الدين الأسلامي وأعتبار ثوابته الأساسية مرتكزات أمراً لايختلف عليه أحد، وأن هذا الأمر لايمس بأي شكل من الأشكال بالديــن الأسلامي أو بأعتقاد الغالبية الكبيرة من العراقيين به والتزامهم باسسه وشريعته.
كما ان الالتزام بثوابت الدين الأسلامي امراً مفروغاً منه ومتفق عليه، ولكن التسليم بعدم سن قوانين تتعارض مع احكام الأسلام يسحب الأمر الى تطبيقات الشريعة والأحكام المختلف عليها مذهبياً، اذ لايغب عن البال كون الأجتهادات الفقهية بمثابة الأحكام الخاصة بكل مذهب، والعراق اضافة الى كونه بلد متعدد الاديان، فانه متعدد المذاهب، ولذا فأن جعل الأمر في سن القوانين الوضعية تحت سلطة المذاهب ووفقاً لأحكامها أمر يكاد ان يكون مستحيل وغاية في الصعوبة، أذ أن المذاهب نفسها تختلف في العديد من الأحكام والأجتهادات، وهذا أحد اسباب كونها مذاهب تتبع مدارس مختلفة، ولايمكن أن تتفق على قضايا متعددة مما يجعل الاحكام متشعبة ومختلفة وتضع المواطن تحت رحمة هذا التشعب والاختلاف ، بينما تتفق تلك المذاهب على الثوابت الأساسية للدين الأسلامي، كما ان اعتبار الأسلام أحد المصدر الأساسية من مصادر التشريع يجعل النص متطوراً ومنسجماً مع تطوير النصوص القانونية، بالأضافة الى أعتماد عدة مصادر مساندة للتشريع تجعله واسعاً ومنسجماً مع التعددية الدينية والمذهبية والفكرية مع الواقع الأنساني بدلاً من جعله نصاً منفرداً وموجبا دون غيره.
أن ماورد في الفقرة ثالثا من المادة ( 2 ) يكرر نظرة السلطات السابقة للاديان العراقية حيث كررت العبارة الواردة في نصوص الدساتير المؤقتة، كون العراق يتكون من الأسلام والمسيحية و( الأديان الأخرى ) ، في حين ورد نص العبارة غامضاً كون الدستور يضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية، كمحاولة للأبتعاد عن الأقرار بحقيقة الأديان التي يعتقد بها اهل العراق فعلاً والموجودة في الحياة العراقية.
مع أن الأمر يتطلب أن يكون الدستور صريحاًوواضحاً وأمينا على مايعتقد به اهل العراق من الأديان التوحيدية التي تنسجم مع الأسلام في توحيدها الله وهي المسيحية واليهودية والمندائية والأيزيدية، ودون أن يرد ذكر تلك الديانات التي يجب ان تكون المسودة تحمل من الجرأة ماتشير الى أعتراف الدستور بوجود هذه الأديان في العراق وكون الدستور يقر بها بكل ما في معاني الكلمة من أقرار وصراحة دون مواربة.
أن اختزال كل الأديان العراقية من غير الأسلام بعبارة ضمان حقوق الديانات والممارسة الدينية عبارة توحي بنص خجول من كشف الحقيقة، وتلك النظرة التي سادت العقل المتطرف البعيد عن المنطق والواقع، ونشعر اننا بحاجة ماسة للكشف عن مكونات الجسد العراقي في وجود الأيزيديين والمندائيين والمسيحيين واليهود الموسويين معنا جنباً الى جنب الأسلاميين بكل مذاهبهم ومدارسهم الفكرية، اليس هذا ماكنا نحلم وبه ونطمح اليه؟
ونجد في ان كل التعابير التي يراد بها لي الحقيقة وايجاد بدائل لايعني سوى تكريس التجاهل والتهميش الذي كانت تعاني منه الاديان العراقية الاخرى وهي طريقة لاتخدم المستقبل العراقي ولاتنصف الأديان والشرائح العراقية .
ماورد في المادة 3 كون العراق بلد متعدد القوميات والشعب العربي فيه جزء لايتجزأ من الأمة العربية يستوجب أن يذكر القومية الأخرى، حيث أن الكرد هم أيضاً جزء لايتجزأ من الأمة الكردية، ونرى أن الأوفق ان يرد ذكر القوميات الأساسية المكونة للشعب العراقي من العرب والكرد والتركمان والكلدان والاشوريين والأرمن، والنص بهذا الشكل يوحي بأن العرب جزء من أمة بينما بقية المكونات مجرد توابع. وهذا الأمريتناقض مع الغاية والهدف الذي يراد به من الدستور،حيث ان المنطق والحقيقة العراقية تقتضي ذكر المكونات الاساسية للعراق من العرب والكرد والتركمان والكلدان والاشوريين.
واذا دققنا مليا في النصوص نجد التجاهل المتعمد في نصوص الدستور لشريحة الشبك والكرد الفيلية، وهما من الشرائح التي لها خصوصية عراقية ولها اشكالاتها وتضحياتها، مما يوجب ان لايتم تجاهلهما مطلقاً تحت اية ذريعة وازاء اي سبب ، ونجد أن تغييب شرائح عراقية لايفيد الأستقرار ولايجعل نصوص الدستور من الثوابت التي يتفق عليها العراقيين، ولايجعل من هذا الدستور قاسماً مشتركاً للحياة العراقية القادمة.
ان ورود عبارة العراق بلد متعدد الاديان الواردة في المادة 3، وهو جزء من العالم الاسلامي لاتنسجم، فتقسيم المسودة العالم الى اسلامي وغير اسلامي دون ان نجد الضوابط التي تشرح ذلك لامبر له اطلاقاً ، ولم يحدد النص اسباب انضواء الاديان المسيحية واليهودية والمندائية والايزيدية تحت عباءة النص الذي يجعل العراق دزء من العالم الأسلامي الذي خصصته العبارة.
ماورد في الفقرة رابعاً من المادة ( 4) يتعارض مع المنطق حيث تكون اللغة التركمانية واللغة السريانية لغتان رسميتان ( في المناطق التي يتواجدون فيها )، وهذا التواجد غير محدد في مناطق عراقية خاصة بهم، أذ لايعقل ان تكون اللغة التركمانية على سبيل المثال لغة رسمية للتركماني اذا كان يقيم في البصرة، علما أن حرية السكن لاتلزمه بالسكن في منطقة معينة من العراق، فالتواجد لوحده لايكفي أذ يمكن ابدال الكلمة ( في المناطق التي يقيمون بها ويحددها القانون ).
كما ان نص المادة التاسعة يتضمن شرحاً زائداً يمكن ان يفي بالغرض المطلوب ضمن نصوص قانون هيئة اجتثاث البعث، ويحكم الأمر قانون التعددية السياسية الذي يصدر اعتماداً على المباديء العامة لهذا القانون، وتحميل نص دستوري نريده ان يكون مناراً للأجيال القادمة لايمكن ان يعالج حالة طارئة او مؤقتة يمر بها العراق متخلصاً من أرث الدكتاتورية والطغيان ، ومما لايختلف عليه اهل العراق الخطورة الأجرامية التي ترجمها الفكر البعثي من خلال استلامه السلطة مرتين في العراق، وماخلفه من دمار ورعب وقتل وتخلف للعراق، مما يستوجب حقاً حماية الاجيال العراقية القادمة من هذا النهج المدمر والشوفيني العقيم. ولكن لانريد لهذا النص ان يلازم الحياة العراقية بشكل دائم مادامت الجملة السابقة واسعة يمكن لنصوص قانون التعددية السياسية الاستناد عليها في تعامله مع التنظيمات والتجمعات والاحزاب السياسية.
كما ان النص الوارد ضمن المادة 10 لم يحدد الأسس والضوابط المعتبرة في أعتبار العتبات المقدسة والمراقد الدينية، ففي العراق مراقد وأضرحة ومقامات لاحصر لها ويمكن ان ينظم العمل فيها وصيانتها قانون يتم الأشارة اليه ، كما يتطلب الأمر أعادة تقييم وتدقيق هذه الأضرحة والمزارات والمقامات ومطابقتها تاريخيا ودينيا مع الواقع.
كما اهمل الدستور مسألة غاية في الأهمية تتعلق في علاقة المواطن بالحقوق والحريات ومايتعلق بالعمل القضائي، وهي قضية التعويض للمتهم الذي تثبت برائته من التهمة المسندة اليه، والذي تضر ماديا ومعنويا من جراء توقيفه وأتهامه.
واوردت الفقرة 11 من المادة 19 ألزام المحكمة أنتداب محام للدفاع عن المتهم لمن ليس له محام وتتحمل الخزينة اتعابه، وكان على النص أن يذكر في دوري التحقيق والمحاكمة.
أما الجملة ( ا ) من الفقرة 12 من المادة ( 19 ) فقد اوردت ( حظر الحجز ) بشكل مطلق مما يخل بقواعد العدالة أذ ينبغي ان يلحق بجملة ( الا وفقاً لقرار قضائي من جهة قضائية مختصة ) لأن النص يعيق العمل القضائي ويتعارض مع مباديء العدالة والقانون .
اما الفقررة 13 من المادة 19 فانها من المواد التي عالجها قانون اصول المحاكمات الجزائية ولامبرر لايرادها في متن الدستور الذي يستوجب الامر ان يتضمن المباديء العامة دون الدخول في التفصيلات التي ستوردها القوانين المختصة.
في المادة 25 من الفصل الاول تكفل الدولة أصلاح الأقتصاد، ان عملية الأصلاح هي عملية مرحلية مفترضة وهذا النص دستوري ثابت لمرحلة مستقبلية، مما يوجب أن يكون النص على اساس ان تضع الدولة الخطط العلمية والعملية المتناسبة مع الواقع العراقي وفقاً للأسس الأقتصادية الحديثة والثابتة التي تؤمن الحياة الكريمة للمواطن العراقي المتناسبة مع واردات العراق ، حيث ان عملية الأصلاح تنتهي ضمن مرحلة زمنية معينة ولايعقل ان تبقى الدولة تقوم بأصلاح الأقتصاد الذي هدمته السلطات المتخلفة والتي رحلت الى الابد عن العراق.
الفقرة ثالثا من المادة 29 أوردت النص كالتالي ( يحظر الأستغلال الأقتصادي للأطفال بصورة كافة، وتتخذ الدولة الاجراءت الكفيلة بحمايتهم )، والاكثر وضوحاً أن يكـــون
( يحظر الأستغلال الأقتصادي للأطفال بكافة الصور، وتتخذ الأجراءات الكفيلة لحمايتهم ).
الفقرة ثالثا من المادة 34 ورد خطأ مطبعي فحلت كلمة ( السليمة ) بدلاً من ( السلمية ).
يفهم من نص المادة 39 أن الدستور منح لكل دين من الأديان العراقية والمذاهب الحرية في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب الديانة والمذهب حيث يصار الألتزام في الأحوال الشخصية حسب ( المعتقد ) أو ( الأختيار ) وينظم ذلك بقانون.
أن الأمر ليس بالبساطة التي يوردها النص خصوصا فيما يتعلق بالمذاهب الأسلامية، فالعراقي لم يسبق له وان تم تسجيل مذهبه في السجلات الرسمية، والعراق بالأضافة الى كون المسلمين فيه مذاهب متعددة، فأن المسيحيين أيضاً كنائس متعددة، وهذا الأمر يلزم الدولة أن تسجل المذهب لكل عراقي أزاء ديانته، ومن ثم تلزم الدولة بأقامة محاكم للأحوال الشخصية والمواد الشخصية بعدد المذاهب في كل مدينة وناحية وقضاء، كما أن هذا النص نكوص عن الألتزام بنصوص قانون الأحوال الشخصية الذي يراد الغاء نصوصه بالنظر لأجماع العراقيين بمذاهبهم على نصوصه، وبالنظر لما يحقق من مكانة وحماية نسبية للمرأة العراقية يراد الغائها تحت عباءة الطائفية التي يريدها النص بزعم الحرية، أن خطورة النص المذكور تعاكس مبدأ الحرية وتدعو للأنفلات والتعسف في الأختيار، وأعتقد أن قضاة الأحوال الشخصية في العراق يشعرون بذلك مثلما تشعر به منظمات الدفاع عن حقوق المراة والمجتمع المدني في العراق، وأذا كانت الغاية أن يتم تمزيق كل ديانة بأسم المذهبية فأن هذا النص جاهز وفاعل، وبديل عن قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 المعدل،وهذا النص لايقل خطورة عن القرار المرقم 137 الذي اصدره مجلس الحكم الأنتقالي القاضي بالغاء قانون الأحوال الشخصية ، والذي واجهته الجماهير العراقية بأمتعاض وأستنكار مما دفع المجلس للتراجع عن قراره البعيد عن الواقعية. وأن ألغاء قانون يجمع كل المذاهب بدلاً من تشتيتها وتفريقها حالــة من السلبية لاتفيد العراقيين ولاتعزز مستقبلهم الأنساني.
على ان لايغب عن البال وجود مذاهب وطوائف لم تتم معالجتها ويمكن لها ان تستند على هذا النص في ايجاد قوانين تحكمها مثل الكاكائية واهل الحق والصارلية والبهائية في العراق.
أن الحرية التي يتحدث عنها النص سائبة غير مقيدة والقانون الذي سيصدر سيثبت الطائفية ويكرس العمل بها مستقبلاً ويدفع بأتجاه التشظي والأنفلات القانوني .
كما ان أتباع كل دين أو مذهب أحرار في ممارسة الشعائر الدينية الواردة في المادة 40 لايمكن ان تكون الا اذا كانت لاتخالف النظام العام والأداب، فالمطلق يجري على اطلاقة كما يقول فقهاء القانون فأطلاق الكلمات جزافاً يمنح الحرية الدستورية لأي شكل من أشكال الممارسات تحت الغطاء المذهبي أو الديني، وعليه ينبغي ان تكون الطقوس بما لايتعارض مع القيم العراقية والأعراف والنظام العام والأداب، والدستور العراقي حين يمنح الحرية للأديان والمذاهب فأنه يمنحها كعقائد ومدارس وديانات، قبل ان يمنحها كطقوس وممارسات لأن العبرة بالمعاني الروحية لهذه الديانات والمذاهب، ونجد ان المسودة التي خجلت عن ذكر الأديان العراقية في نصوصها بشكل واضح وصريح، تعود لتؤكد على ممارسة الشعائر الحسينية دون التأكيد على المعاني الأساسية والقيم التي ارادتها هذه الشعائر مما يوحي بأن كاتب النص من مؤيدي الممارسات التي تؤديها مجموعة من العراقيين اختلف الحكماء والفقهاء والمراجع في صحة الممارســـة بين تحريمها وأعتبارها من حريات وتعبيرات الأفراد ، ونعني بها قضية التطبير وضرب الزنجيل في ايام عاشوراء، مما سيجعلالنص يساند ويعطي الا أفضليةلمن يريد تكريس هذه الممارسات على من لايوافق على هذه الممارسة بنص دستوري ملزم.
ان الفقرة ثانيا من المادة نفسها التي تضمن ( كفالة الدولة لحرية العبادة وحمايته لأماكن العبادة )، فالحماية وحدها لاتكفي مالم تقترن بالصيانة والمساهمة بأظهارها بالمظهر اللائق وفقاً لقانون يصدر بذلك. بالاضافة الى حماية من يمارس العبادة في نصوص قانونية تستمد قوتها من الدستور.
في المادة 44 منح النص لجميع الافراد التمتع بكل الحقـــوق الواردة في ( المعاهدات ) و ( الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الأنسان ) التي صادق عليها العراق، فهل يعقل ان تكون هذه النصوص الواردة ضمن حقوق الانسان والواردة في المعاهدات والاتفاقيات الدولية والتي اقترنت بمصادقة وموافقة العراق عليها، واصبحت ملزمة له قانونا وعرفاً، ان تكون تلك النصوص تتنافى مع مباديء واحكام الدستور؟ ما الحكمة في توقيع العراق عليها والموافقة على الالتزام بها، ان هذا النص بحاجة الى مراجعة وتدقيق.
في المادة 101 ورد خطأ مطبعي حيث وردت الكلمة ( الأقاوف ) والصحيح انها الأوقاف.
ورد في المادة 109 ان النفــط والغاز هما ملك كل الشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات، فهل يعني هذا أن بقية الثروات المعدنية كالكبريت مثلاً ليست ملكاً للعراقيين.
النص الوارد ضمن المادة 110 من المسودة يوزع الثروات بنسب محددة على اساس مؤقت
وقد جنحت المسودة الى اتباع الطريقة المرنة في الفقرة اولا من المادة 136 حيث منحت الحق ( لرئيس الجمهورية ) و ( لرئيس الوزراء ) و ( لخمس أعضاء مجلس النواب ) أقتراح التعديل، وأعتمدت الطريقة الصلبة في تعديل الدستور في الفقرة ثانيا من المادة 136 من الفصل الاول – الاحكام الختامية تعديل المباديء الاساسية الواردة في الباب الاول من الدستور حيث لم تجوز التعديل الا بعد ( دورتين انتخابيتين ) متعاقبتين وبموافقة ثلثي اعضاء الجمعية وموافقة الشعب بالاستفتاء العام ومصادقة رئيس الجمهورية.
في حين جاءت الفقرة ثالثا بالنسبة ( للمواد الاخرى ) بامكان التعديل بنفس الطريقة باسثناء الدورات الانتخابية المتعاقبة .
وأجد من المفيد أن ادرج رأي الدكتور جواد الهنداوي عميد المعهد الدبلوماسي والسفير بوزارة الخارجية العراقية بالنظر لأهميته في الموضوع حيث يقول :
((بموجب نصوص الباب الثالث (السلطات الاتحادية) سيتمّ إنشاء نظام سياسي في العراق أقرب إلى البرلماني تحكمه الجمعية الوطنية (دون الدخول في التفاصيل). المهم أن يكون الدستور وخاصة في الباب المقصود (السلطات الاتحادية) قادراً على خلق حكومة قوية ومستقرة وقادرة على أداء عملها في عراق خرب مهدّد. العراق الآن ولمدة خمس سنوات قادمة بحاجة إلى سلطة تشريعية مختصة ومهتمّة ليس فقط في الأحزاب والسياسة وإنما بتشريع القوانين ومراقبة أداء الجهاز التنفيذي (الحكومة). يجب التفكير من الآن بأن يكو ن أعضاء الجمعية الوطنية القادمة من القدرة والكفاءة والاختصاص بحيث تجعلهم مؤهلين لأداء المهمة التشريعية والرقابة.
العراق بحاجة أيضاً إلى سلطة تنفيذية قوية وتعمل بثقة وبمساندة من الجمعية الوطنية دون الشعور بالخوف من سحب الثقة، ولكن تحت الرقابة البرلمانية. ولغرض التوازن في عمل السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية وخلق العلاقة الإيجابية بينهما ينبغي الانتباه إلى آلية تشكيل الحكومة وحلها من قبل البرلمان وآلية الضغط على البرلمان من قبل الحكومة. أي بعبارة أخرى النصوص المختصة بطرح الثقة في الحكومة وسحب الثقة من الحكومة.
أرى بأنّ النص الحالي في الدستور (باب السلطات الاتحادية) لا يخلق هذا التوازن بل يجعل الحكومة تحت رحمة الجمعية الوطنية، وكأن رئيس الوزراء موظفاً معيناً من قبل الجمعية الوطنية.. لماذا؟ لأنّ الجمعية الوطنية قادرة على سحب الثقة منه، وهذا ليس خطأ، ولكن الخطأ بأن لا يكون لرئيس الوزراء وسيلة ضغط على الجمعية الوطنية. فهو لا يستطع حل الجمعية الوطنية، بل وليس له الحق بأن يطلب منها مرة أخرى طرح الثقة فيه.
للإشارة فقط القول بأنّ رئيس الحكومة في بريطانيا العظمى له الحق في حلّ البرلمان دون ضرورة الحصول على موافقة الملكة، وكما تعلمون بريطانيا هي المملكة التي خلقت النظام البرلماني، في ألمانيا (نظام برلماني اتحادي) رئيس الدولة يقوم بإعلان حلّ البرلمان وبطلب من رئيس الوزراء وكذلك في إسرائيل.
إنّ إعطاء الحق لرئيس الوزراء بأن يطلب منح الثقة مرة أخرى من الجمعية الوطنية أو يقوم بحلها ليس إضعافاً للجمعية الوطنية بقدر ما هو ضرورة تقتضيها الموازنة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والاستقرار السياسي وأداء الجهاز التنفيذي.
لذا، وبناءاً على ما تقدم، أقترح بأن يتضمن باب السلطات الاتحادية وخاصة فصل الجمعية الوطنية نصاً يخوّل فيه رئيس الحكومة بطلب الجمعية الوطنية بمنحه الثقة ليس فقط في حال تشكيله للحكومة، ولكن في أيّ وقت يراه مناسباً لذلك. إن هذا الطلب وهذا الإجراء قد يلجأ إليه رئيس الوزراء من أجل تدعيم موقفه كلما شعر بضعف ما أو تستلزمه الظروف السياسية، طلب الثقة مناسبة له وللجمعية الوطنية بتجديد البيعة وتوثيق العلاقة، وفي حالة عدم منحه الثقة من قبل الجمعية الوطنية يجب أن يمنح له الحق في حل البرلمان أوالطلب إلى رئيس الجمهورية بإعلان حل البرلمان، مع الاحتفاظ بطبيعة الحال بحقّ البرلمان بإمكانية سحب الثقة من رئيس الوزراء. أي يجب أن يكون هناك نصوص في الدستور تسمح بسحب الثقة من رئيس الوزراء، وأخرى تسمح لهذا الأخير بإمكانية حل البرلمان.
وقد تكون الآلية المتبعة في الدستور الألماني ملائمة مع بعض التعديلات وهي كما يلي:
للجمعية الوطنية حق طرح سحب الثقة عن رئيس مجلس الوزراء بناءاً على طلب 1/5 من أعضاء الجمعية أو رئيس الجمهورية. عند التصويت على سحب الثقة وبالأغلبية المطلقة لمجموع عدد أعضائها يتعيّن على الجمعية انتخاب مرشحاً لرئاسة الوزراء وخلال مدة (7) أيام كي تصدر قراراً بسحب الثقة، وعند فشلها في انتخاب مرشح خلال المدة المذكورة، يستمر رئيس الوزراء في عمله ولمدة ثلاثة أشهر، في نهاية هذه المدة يطلب رئيس الوزراء من الجمعية الوطنية طرح الثقة به، وعند عدم حصوله على الثقة وفي الأغلبية المطلقة لعدد أعضائها هنالك احتمالين:
إمّا أن تقوم الجمعية الوطنية بانتخاب مرشحاً وبالأغلبية المطلقة لعدد أعضائها، وعند فشلها في ذلك يطلب رئيس الوزراء من رئيس الجمهورية إعلان حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة.
بموجب تطبيق هذه الآلية التي أساسها القانون الألماني مع بعض التعديلات يتحقق هدفين أساسيين:
الهدف الأول: خلق موازنة وتكافؤ بين السلطة التشريعية (الجمعية الوطنية) والسلطة
تعسف السلطة الأخرى، أي الجمعية لها الحق في سحب الثقة من رئيس الوزراء ولكن بثمن ألا وهو أن تجد بديلاً له كي لاتترك السلطة التنفيذية بدون ممارسة لمدة طويلة وتحاول ذلك بعد ثلاثة أشهر في فشلها. من الحق والعدالة أن يقوم رئيس الوزراء بحلّ الجمعية الوطنية التي أعلنت عدم ثقتها به مرتين وغير مستعدة للتعاون معه، وحلّه للجمعية الوطنية هي دعوته أيضاً إلى الشعب في انتخاب السلطة التشريعية، أي سوف لا يقوم هو بممارستها وبالتالي نحافظ على تطبيق مبدأ فصل السلطات والشرعية في ممارسة السلطة.
الهدف الثاني: هو عدم ترك البلاد دون سلطة تنفيذية لإدارة جهاز الدولة كما هو حال إيطاليا التي تعاني وعانت من تغيّر الحكومات وتبدّلها باستمرار نتيجة السهولة التي يتمتع بها البرلمان الإيطالي في سحب ثقة رئيس الوزراء. ))
اوردت الفقرة خامسا من المادة 116 ان يتـم تاسيس ( مكاتب ) لكل من ( الأقاليم ) و ( المحافظات ) في السفارات والبعثات التابعة للحكومة العراقية لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والتنمية المحلية، وبالتأكيد فأن هذا المكتب سيضم ممثل للأقليم وممثل للمحافظة وسيتداخل مع عمل الملحقيات الثقافية بالنظر لأزدواجية الأختصاص، وأذا كان هذا الأمر يدخل ضمن نطاق مصالح الأقاليم والمحافظات، يمكن ان يتم تنظيم الأمر من قبل وزارة الخارجية في قانونها الخاص بدلاً من نص دستوري يلزم العمل على تأسيس مثل هذه المكاتب في كل سفارة في وقت يشكو العراق من نقص في السفراء والسفارات والتمثيل الدبلوماسي.
لقد كانت مسودة الدستور أمينة وحريصة أن لاتذكر اللائحة الأنسانية لحقوق الأنسان والتي يلتزم بها العراق، وقد التزمت المسودة الأبتعاد عن ورود ذكرها أو الأشارة اليها.
نأمل من الجمعية العامة أن تقرأ نصوص المسودة التي لم تكن بمستوى الطموح العراقي ولاترتقي للمستقبل العراقي ولاتنصف الشرائح والأديان والقوميات العراقية، وأن تقرر قراراً يليق بمسودة مستقبلية لمنهج الحياة الديمقراطية في العراق.
- آخر تحديث :
التعليقات