لم يعد الكثير من القادة السياسيين والمعنيين بحقوق الأنسان ومنظمات المجتنمع المدني في العراق تعير أنتباهاً لمعسكر (بوكا) الواقع جنوب أم قصر على الحدود الرملية الشاسعة مع دولة الكويت.
هذا السجن الأمريكي يضم 6000 معتقل عراقي دون تحقيق أو تهمة أو أدانة، وهذا العدد من العراقيين تحت حراسة وسلطة الولايات المتحدة الأمريكية، دون أن يتعرف أحد على الأسباب الحقيقية لذلك.
لم نعد نسأل عن المدة التي قضاها المحتجزين في هذا المعسكر البعيد عن المدن العراقية، كما لم نعد نسأل عن الأتهامات التي تنسب لكل معتقل في هذا المعسكر، ومادامت الملفات الخاصة بهؤلاء المحتجزين سرية وتحرص القوات الأمريكية على الأحتفاظ بها، يبقى سر احتجازهم يكمن في هذه الملفات مع الأسباب الحقيقية لبقاء الملفات وأصحابها محتجزين لدى الولايات المتحدة الأمريكية ، ولكن اللافت للنظر كون هذه المجاميع المحتجزة لم يجر التحقيق معها ولم يتم تقديم من تتوفر الأدلة على احالته الى المحكمة المختصة لينال جزاءه العادل.
لاننكر أن من بين هؤلاء من توفرت تهمة في ارتكابه عملاً أرهابياً ما ضد الشعب العراقي أو ضد القوات الأمريكية، ومهما كان حجم الأتهام ، فأن بين هؤلاء أيضاً من الأبرياء الذين سيثبت التحقيق عدم قيامهم بأي فعل معادي للعراق أو للقوات الأمريكية وعدم اشتراكهم بأعمال أرهابية، ومضت أيام طويلة اقتطعتها القوات الأمريكية من أعمارهم ومن أستقرار حياتهم وعوائلهم، لم يجد هؤلاء من يطالب بهم أو يوصل صوتهم أو يدافع عنهم، او يرفع مظلمتهم.
وتمضي سنوات ولامن خبر عنهم، ولامن لجنة (عراقية) تأخذ على عاتقها أنجاز التحقيقات معهم ليشعروا بأنسانيتهم وأنتمائهم للعراق، ولامن سلطة تطالب بهم وتقف بوجه القوات الأمريكية لتخبرهم أن المتهمين مواطنين عراقيين، فأن ثبتت اتهاماتهم فستحكم عليهم المحاكم العراقية ولايمكن بأي حال من الأحوال ان تتم محاكمتهم من قبل القوات الأمريكية، وأن نطاق تطبيق قانون العقوبات العراقي نافذ من حيث المكان وفقاً للأختصاص الأقليمي على جميع الجرائم التي ترتكب في العراق ويشمل الاختصاص الأقليمي الأرض وكل مكان يخضع للسيادة العراقية والمياه الاقليمية والفضاء الجوي والسفن والطائرات العراقية أينما وجدت.

وسبق ان طالبنا ضمن مقالة (آبوكا والأيام الطويلة) بوضع حل انساني لهذه المجموعات وسحب المسؤولية من يد القوات الأمريكية، كما سبق وأن طالبنا وطالب معنا العديد من الأخوة البحث في مصير القاص محسن الخفاجي المعتقل منذ سنتين في هذا المعتقل كمثال على المثقفين الموجودين في المعتقل ، ويبدو اننا نصرخ في الفضاء ولم يعد احد يسمع أي قضية بشأن هذا المعسكر.
نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرا كشفت فيه عن قيام نحو 600 سجين في معتقل بوكا الذي يقع جنوبي العراق على حدودها مع الكويت وتشرف علية القوات الأميركية بحفر نفق طوله أكثر من 357 قدما بهدف الفرار على غرار فيلم الهروب الكبير.
وذكرت الصحيفة في تقريرها أن المعتقلين كانوا يعدون العدة للهرب في 24 مارس /آذار الماضي غير أن أحد المرشدين العراقيين الذين تم تجنيدهم في المعتقل أفشى سر النفق بزعم أنه خشي من حمامات الدم التي كان من الممكن أن تسيل في حالة تنفيذ المعتقلين للخطة ومطاردة القوات الأميركية لهم.
ويحتوي معتقل بوكا الذي يقع بالقرب من الحدود العراقية الكويتية على أكثر من ستة ألآف سجين يقيمون في 12 مجمعا من الخيام التي خصصت أجزاء منها للشيعة وأخرى للسنة.
ويقول مسؤلو المعتقل الذين عاصروا أحداث الشغب فيه إن المعتقلين استخدموا اجزاء الحجارة التي اقتطعوها من أرضية الخيام وقاموا بتخزينها في احد الغرف التي اتخذوها مسجدا حظر على الحراس الأميركيين دخوله. كما انهم استخدموا قفازات اليد المطاطية كمقاليع لقذف الأحجار والألواح الخشبية التي اقتلعت من الأرضيات واتخذوا بعضها دروعا.
وقام المعتقلون باستخدام الجوارب لملئها بالمخلفات والمواد القابلة للاشتعال التي توفرت في المعتقل للتطهير كقنابل لمهاجمة حراس المعتقل. ويؤكد المسؤولون على أن المعتقلين كانوا يلقون تلك الاحجار بدقة وقوة مذهلة كما لو كانوا يحاربون بتلك الطريقة لمئات السنين على حد تعبيرهم.
وذكر مسؤولون في الجيش الأميركي ان السلطات المشرفة على المعتقل كانت قد لاحظت في الآوانه السابقة لانكشاف امر النفق بعض الظواهر الغريبة، منها على سبيل المثال استهلاك الماء السريع في المعتقل بالاضافة إلى انسداد نظام الصرف الصحي والمياة نتيجة التراب والرمال المستخرجة من النفق، من دون ان تتمكن من تحديد الاسباب.
وقال المسؤولون إن الصور التي التقطتها الاقمار الصناعية لموقع المعتقل اظهرت تغير لون ارضيته مما زاد من الشكوك التي ساورت السلطات المسؤولة حول ما يجري من وراء ظهورهم.
فأذا كانت الأقمار الصناعية تستطيع ان تتعرف على متغيرات الأرض في سجن أبوكا، فأين كانت عن تحرك الأرهابيين ودخولهم الى الأراضي العراقية من دول الجوار ؟ وأين كانت من معسكرات الأرهاب وأحتلال المدن في المنطقة الغربية من العراق ؟ وأين كانت هذه الأقمار الصناعية عند قطع الطرق وقتل الأبرياء في الطرق العامة التي تمتد عبر حدود العراق والمدن المتآخمة له. أين كانت الأقمار الصناعية عن السيارات المفخخة التي تخرج من مكامنها ومعاملها ومواقعها التي تعرف القوات الأمريكية حقاً اين تكون من انحاء العراق ؟
ويشير أحد نزلاء المعتقل من السنة الذين تم إطلاق سراحهم مؤخرا إلى أن المعتقلين شرعوا في بناء النفق في يناير كانون ثاني الماضي أسفل احد خيام المعتقل، وانه بنهاية شهر مارس/ آذار كان النفق يتسع لهروب سجين واحد زاحفا. ويضيف أن المعتقلين قاموا كذلك بحفر أجزاء للتهوية داخل النفق. ويؤكد أنه في وقت الذروة شارك أكثر من ثلث المعتقلين في الخيمة الذين بلغ عددهم 600 معتقل في حفر النفق. ويؤكد أن العمل لم يكن يستأنف سوى ليلا وتحديدا من الساعة الواحدة صباحا إلى صلاة الفجر.
ويضيف انه لم يكن يتم السماح باستخراج أكثر من ثلاثة أقدام من التراب في النفق في المرة الواحدة، وان واحدا من المشاركين في الحفر لم يكن يواصل العمل لأكثر من خمسة دقائق مستخدما قواعد الخيام والقفازات المصنوعة من أقمشتها.
وعمد السجناء الموجودون في مدخل النفق بسحب وعاء تبلغ سعته خمسة غالونات خصص لاستخراج التراب من داخل النفق الى الخارج حيث يتولى معتقل أخر منهم توزيع التراب على أرض المعتقل دون أن يلحظه أحد.
وبناء على المعلومات التي قدمها المرشد عن الخيمة التي حفر اسفلها النفق، قامت السلطات المسؤولة بمحاصرتها بالبلدوزارات وحفرت حولها بعد نقل المعتقلين المقيمين داخلها لموقع آخر.
وعلى الرغم من ذلك لم توفق في العثور عليه الا بعد ليلة طويلة من البحث والعناء.
ومرة اخرى نعيد التذكيربضرورة ان يكتمل التحقيـــــق مع المحتجزين من قبل محققين (عراقيين)، وان تسارع السلطات المختصة وأجهزة الأدعاء العام الى أنجاز هذه المهمة التي طالت والتي لم تجد الأهتمام والالتفات الكافي لها، وبما يشعر حقا الأبرياء من هؤلاء انهم ليسوا في طي النسيان، ويبقى هذا السجن علامة أستفهام كبيرة على الحكومة والأحزاب العراقية والشخصيات الوطنية والمرجعيات الدينية أن تطالب بأن تحل بأقصى سرعة وبزمن يختصر المحنة.