في عالم المرأة

ركن المرأة، مساحة من مطبوعة ما، خصصت للمرأة، تعريف لا بأس به.
تختلف تسميات هذه المساحة، باختلاف وتنوع وتعدد المطبوعات، فقد تكون صفحة المرأة، ملحق المرأة، المرأة، المرأة اليوم، نسائيات، وأوقحها عالم أو دنيا المرأة.
تلتقي هذه التسميات مع تركين المرأة (وضع المرأة في الركن) من حيث كيفيتها ومحتواها.
فهذه المطبوعات تفرد باقي مساحاتها، للأمور الأخرى، والتي ليست بحال من الأحوال من مشاغل المرأة التي أريد لها أن تحشر في ذلك الركن من المطبوعة، ومن الأسرة، ومن العالم. وأيضا يتم التعامل مع الموضوعات في (ركن المرأة) على أنها من شؤون المرأة والمرأة فقط، وإن إشتملت على ما يهم الأسرة (وهو أمر نادر)، الوحدة الأساس للمجتمع، فركن المرأة معني بالعادة بجلد المرأة، وكيفية تسويق منتجات تحولها لدمية مستهلكة(بكسر اللام) ومستهلكة (بفتح اللام)،لا بهمومها وهموم عائلتها.
لنتبين حقيقة الأمر، نستعرض بعض العناوين التي نجدها في (العالم الركن، الدنيا الزاوية، للمرأة):
صحن اليم، وهو في العادة نوع من الطعام قد تفوق كلفة الصحن الواحد منه، الميزانية الأسبوعية أو الشهرية لعائلة كاملة، عدا عن الوقت الذي يتطلبه إعداده!! عالم الأزياء " فعلا عالم، عالم آخر " دنيا المجوهرات وأحدث التصاميم، كيف تظهرين قوة زوجك ومكانته عبر قرطيك، أنقصي وزنك وانقذي زواجك، شخصيتك في شكل فمك، بشرتك والشمس، بشرتك والغيم، كريم النهار، كريم المساء، كريم ما بعد منتصف العصر، طريقك لقلب الرجل يمر عبر رف جواربه، أنت والمرأة الأخرى،زوجك طفل، زوجك فحل، زوجك أبو زيد الهيلالي، لا تهملي أصبع قدميك، الحذاء دليلك للشخصية، أهمية الأكواع في حياتك الجمالية، الأبراج ومستقبل أولادك، حافظي على بريق الكريستال بإضافة القليل من مستخلص الغدة اللمفاوية للحوت الأبيض في ماء التلميع،اللون الأخضر لون الأثاث لهذا الصيف، اللون الأحمر لون الأثاث الشتوي، المحار غذاء جيد للأظافر، أطراف الشعر والإجازات، آن لك أن تنفضي المنزل وتغييري ديكوره كي تتجدد نفسيتك، الصواني الفضة موضة قديمة / الذهبية تتصدر مائدة الـ 2005، الأحجار الكريمة ووظائفها النفسية، كم يجب أن يبلغ طول تنورتك هذا الخريف، الفريز غني بالفيتامينات التي تغذي أهدابك، عالم الكمبيوتر في خدمة تسريحتك، دليلك في التسوق عن طريق الإنترنت، علمي إبنتك الإيتيكيت فتصبح زوجة صالون، زيني مائدتك بزهور الأوركيد وأثيري حسد ضيفاتك............ وعلى هذا المنوال.

وإلى من سيتهمني بالمبالغة (بالاستفاضة، أعترف)، فقد إحتفظت بالمادة (الفكرية) لبعض المواضيع التي أوردت بعضا من عناوينها، وما عليه أو عليها سوى تصفح مطبوعة ما، موجهة للمرأة، أو مطبوعة موجهة للعالم، ولكن باتجاه ركن المرأة، وهو عادة مركون في الصفحات الأخيرة منها، ليتلاءم مع طبيعته، أو في منتصفها كي تتسع الصورة الملونة لإحدى " النجمات " الجميلات، فغير الجميلات لا مكان لهن هنا، وضعت هذه الصورة، حتى يمتعوا إخواننا الذكور نظرهم بهذا الجمال، وليحفز قارئاتنا، فيتمثلن الصورة، ويسعين عبر الأسواق والبضائع، لمقاربتها.

لا يفوتنا ملاحظة أن أغلب هذه المواد هي مواد مترجمة، وإن كانت عدوى إبداع مثل هذه الأفكار النيرة، قد انتقلت إلينا والحمد لله، والمنافسة شديدة، والمواضيع متشابهة حد الملل بين ما هو مستورد وما هو (محلي)، فالسوق مليئة بالبضائع وإعلااناتها الملونة، والفرق معدوم بين ما يصب علينا من الخارج والداخل، في كيفية تهيئة السوق والمستهلك / المستهلكة، الكم هائل، ولا نضطر معه إلى إبداع عناويننا الخاصة، ولن نهتم بصفحة تخص حقيقة واقع نسائنا، والله يخلي لنا الإنترنت، وإبداعنا في توظيفه في هذا المجال الحيوي من حياتنا، فللغرب بضائعه الكثيرة، وها نحن نقوم بواجب التسويق لها.

من هي هذه المرأة التي تخاطب على هذا النحو؟؟ هل هي موجودة فعلا ً، كيف صنعت لتصبح حقيقة واقعية تتآمر على نفسها ووتواطأ مع من يسلّعها ويستغلها؟ ما هي نسبتها من نسائنا؟؟ بل من مجموع نساء العالم؟ إذا كانت قليلة؟ فما مصلحتنا نحن في زيادتها؟ من المستفيد؟ لماذا نعمل على تحويل نسائنا إلى قارئات وبالتالي مستهلكات لمثل هذه الصورة المتخيلة وتفاصيلها، والتي لا تمت للواقع بصلة؟؟
لن أدخل في متاهات الإحصائيات والأرقام، والدراسات والأبحاث، النساء المتفرغات لعرض ثروات الزوج والأب بعد أن فرّغن من محتواهن الإنساني لقاء قبول إجتماعي مزيف،، وأعداد النساء العاملات، والنساء المرهونات للعمل المنزلي بكل تفاصيله، واللواتي لا تتناولهن صفحات هذه المطبوعات، ولا غيرها إلا في النادر، ربما لأنها تفاصيل تفتقر للأناقة.
ولن أبحث في الأوضاع الإقتصادية لأغلب العائلات، ولا في حصتهم من صحن اليوم من الغذاء العالمي، ولن أبحث في سوء التغذية لجسم وعقل " وليس أطراف شعر " أفراد مجتمعاتنا ذكورا وإناثا، ولا في حصتهم من حقهم في التعليم و التطعيم والعلاج و...، فهذه معلومات لا تغيب عنكم عند قراءتكم في الصفحات الأخرى للمطبوعات " أو ربما قد تغيب عن المطبوعة وعنكم "، الصفحات الأخرى، تخلو من الألوان والأشكال المترفة، الصفحات التي تتناول الواقع، والتي تعزل المرأة عنه، لتحشر في الركن الضيق، الملون والخالي من اللون، الأكثر تخمة احلاما لا يمكن تحقيقها ((بل يجب عدم السعي لتحقيقها لبلاهتها)) الركن الذي تضيق به أية أنثى، عندما تعي زيفه وسطحيته.