خلال الأشهر الأخيرة عموماً والأسابيع والأيام الأخيرة خصوصاً، يسعى النظام الإيراني وبصورة ملفتة للنظر إلى إظهار عزمه وحرصه الکاملين، کما أکد ويؤکد على لسان وزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، على الحوار والتعاون مع بلدان الجوار والمنطقة، لاسيما أنَّ عبداللهيان قد شدد في تصريح لوكالة "إرنا" الرسمية للأنباء علي أن "سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية القائمة على الحوار والتعاون مع بلدان الجوار والمنطقة، استطاعت تحقيق نتائج لافتة في مجال بناء الثقة وتثبيت التوجهات الشاملة وإرساء الإنجازات الحقيقية والملموسة والشفافة مع الدول الإسلامية والعربية بما فيها السعودية ومصر".
هذا العزم والحرص الذي صار يتجاوز الحدود المألوفة، وحتى يمکن اعتباره بمثابة تغيير غير مسبوق (وإن کان في الأغلب ظاهرياً کما سنبين لاحقاً)، ذلك أن النظام الإيراني کان يجنح إلى إتباع سياسة تميل إلى توثيق العلاقات مع تنظيمات وأحزاب معارضة لبلدان المنطقة (لا نقصد بلدان الجوار هنا)، ولکن يبدو واضحاً جداً أن النظام، وإن يظهر في العلن سعيه من أجل توثيق العلاقات مع بلدان المنطقة، وبشكل خاص البلدان الخليجية ومصر، فإنَّ ذلك لا يعني أبداً أنه قد تخلى عن الأحزاب والتنظيمات المعارضة، وخصوصاً الطارئة منها لهذه البلدان وإنما يحرص على المزيد من إضفاء طابع التکتم والسرية على علاقاته معها.
ليس غريباً أو حتى طارئاً على النظام الإيراني أن يظهر أمراً معيناً في العلن ويقوم بالنقيض منه في السر، فهذا دأبه، ولعل ما قد قام ويقوم به بخصوص برنامجه النووي وبرامجه الصاروخية وحتى تدخلاته في بلدان المنطقة، نماذج حية ودامغة من الواقع تثبت ما نشير إليه بهذا الصدد.
عبداللهيان عندما يٶکد في تصريحه سارد الذکر أن "سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية القائمة على الحوار والتعاون مع بلدان الجوار والمنطقة"، فإن السؤال الذي لا بد من طرحه هنا هو: ما وجه الحوار والتعاون الذي قام ويقوم به هذا النظام مع بلدان الجوار ولا سيما العراق، وکذلك سوريا ولبنان واليمن؟ هل کان نمط وأسلوب هذا الحوار والتعاون مبنياً على أساس حر يمنح الطرفين نفس القوة على طاولة المفاوضات أو الاتفاقيات المبرمة بينهما؟ لا ريب في أن ليس من السهل على عبداللهيان أن يقول إن الحوار والتعاون مع البلدان التي أشرنا إليها کان ولا يزال إيجابياً من حيث جعل کل طرف يتصرف وفق مصالحه واعتباراته الخاصة به، حيث أن الذي لفت النظر وبکل وضوح لبلدان العالم عموماً والمنطقة خصوصاً، أن الحوار والتعاون بين الدول الأربع التي ذکرناها وبين النظام الإيراني کان ولا يزال يميل لصالح الأخير، وبصورة لا تحتاج إلى شرح أو تعليق.
الملاحظة المهمة هنا هي أن أساس وجوهر المشکلة بين النظام الإيراني وبين دول المنطقة وبشکل خاص الخليجية ومصر أيضاً، تستند على النشاط والدور المريب لهذا النظام في دول في المنطقة وتدخلاته فيها وفرضه نمطاً وأسلوباً من الهيمنة المشبوهة التي قد تغير من الطابع الديموغرافي لهذه الدول بصورة تؤثر على التوازن الاجتماعي الإيجابي فيها وتجعله سلبياً.
لکن ومع أهمية وحساسية الملاحظة التي بيناها، فإنَّ أمراً آخر يجب أن نشير إليه أيضاً، وهو هل أن النظام الإيراني ينطلق من دعوته للحوار والتعاون على أساس استراتيجي أم إنه مجرد تکتيك لمرحلة معينة؟ لا يمکن أن يفوت أي مراقب أو محلل سياسي ضليع بالسياسات الخارجية للنظام الإيراني، ولا سيما على الصعيد الإقليمي، من إنها تبنى على أساس من خدمة نهجه والتماشي معه وليس على العکس من ذلك، ولأن نهج هذا النظام ولا سيما فيما يتعلق بالمنطقة يواجه الکثير من المشاکل والمنغصات ناهيك عن أوضاعه الداخلية المتأزمة القابلة للاشتعال في أي لحظة، فإنه بحاجة ماسة لاستراحة "تکتيکية" حتى يعمل على کل ما من شأنه المحافظة على "الجمل بما حمل"، وبعدها لکل مقام مقال!
التعليقات