الفضائح.. ولا شيء سوى الفضائح.. والمزيد من الفضائح.. تلك هي الوصفة الجاهزة التي إلتصقت بأنظمة الموت والفاشية والدمار في العالم العربي والتي عبر عنها خير تعبير نظام البعث العراقي البائد والتي يسير على طريقها وصفتها ونهجها وحتى في طريقة نهايتها نظام الباقي من الرفاق في دمشق الذي بات اليوم يسابق الزمن سباقا مستميتا من أجل الإفلات من المصير المحسوم دون جدوى!، فتراكم مصائب ومشاكل الرفاق قد أدى في النتيجة لفضائح مدوية لم يكن يعلم عنها في خارج دائرة السلطة الشيء الكثير، فطبيعة النظام المافيوزية المغلقة لا تسمح أساسا بتسرب كثير من الحقائق بسهولة وهو الأمر المعروف في كل الأنظمة المشابهة في الشكل والتكوين، ففي نظام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر (وهو عراب أنظمة الإستبداد العربية) ورائد أصيل من رواد (الهزيمة العربية)!! كانت الصورة الخارجية للعلاقات بين الضباط زاهية ولا يبدو عليها أي خلاف! إلا أن الحقيقة كانت مروعة ومختلفة وغير تلك الصورة بالمرة، فكان القائد العام (المشير عبد الحكيم عامر) لا يطيق توجهات ولا تعليمات ولا أساليب القائد الأعلى (جمال عبد الناصر)!! وكان القائد العام يريد تحويل الجيش لعزبة أو عشيرة خاصة تدين بالولاء لشخصه، بينما كان القائد الأعلى يخاف من مؤسسته العسكرية وإنقلاباتها المحتملة فعين غير الأكفاء في القيادة من أجل ضمان الولاء وليس الأداء! فليس المهم حماية الشعب والوطن وكرامته وأرضه ودماء أبنائه بل ما هو مهم للغاية وجود النظام وإستمراريته! وعندما إشتعل الخلاف بين الرجلين (جمال وعبد الحكيم) كان مضحكا وطريفا للغاية أن يستعين (عبد الحكيم) بورقة الديمقراطية التي أشهرها في وجه (جمال)! رغم أنه لم يتذكر تلك الديمقراطية المزعومة حين كان يباشر وجماعته مهامهم النضالية والإنسانية في (السجن الحربي) و(سجن الواحات)! وبقية المعتقلات! ولم يتذكر الديمقراطية وهو يساهم في تشجيع الإنقلابات العسكرية والمؤامرات السياسية في العالم العربي، وقد إنتهت فضائح الخلافات بين رجلي قيادة (حركة يوليو) بهزيمة الخامس من حزيران/ يونيو 1967 التي أنهت عامر وجماعته وأنجبت قيادة أخرى من العسكريين الطموحين صفاهم المرحوم أنور السادات في 15 مايو 1971 فيما عرف وقتها بقضية (مراكز القوى) مع بعض الرتوش الفضائحية مثل قضية التسجيلات ضد الرئاسة أو محاولة القفز على السلطة أو تحويل الدولة والمجتمع لمعسكر مخابراتي كبير، أما أهل النظام البعثي في القطرين العربيين المنكوبين فإن فضائح الخلافات الداخلية المستعرة كانت تدور وسط ماكنة الموت وحصد الرؤوس الدائرة على قدم وساق وبهمة لا تعرف الكلل ولا الملل، فالبعث العراقي في عام 1963 إنشغل بفضائحه الكثيرة في القتل والنهب والإغتصاب ليطرد من السلطة بعد تسعة شهور فقط من تسلطه على العالمين قبل أن يعود في المؤامرة الدولية المعروفة عام 1968، أما البعث السوري فإن حكايته مع الفضائح حكاية طويلة ومتجذرة فهو لم يفلت السيطرة على السلطة في سوريه منذ آذار/ مارس 1963، بل كان بارعا في التصفيات الداخلية وفي الحروب الباطنية وفي الإستفادة من مختلف الظروف الإقليمية والدولية، وتمكن ببراعة وذكاء من عبور الكثير من المحن والأزمات الكيانية، وبسبب الهزيمة الفضائحية والمخجلة في الجولان عام 1967 إستمرت عمليات التصفية بين الرفاق وبرزت تيارات على حساب أخرى، وتمكن الشقاة و (البلطجية) من عسكريي العشيرة والطائفة الذهبية في الهيمنة على الأمور من خلال القمع الشامل وغير المحدود، وتمكنوا من قمع قوى الشعب بمختلف الوسائل الترهيبية والترغيبية وتفننوا في إختراع (الأحزاب الرديفة) والواجهات السياسية الكارتونية ليشكلوا معها تحالفات جبهوية مضحكة لم تزل مستمرة حتى اليوم! لا بل أنهم جعلوا من الديمقراطية والتمثيل البرلماني مسرحية رخيصة وبائسة ليقيموا برلمانا لا هم ولا وظيفة له سوى (حمل سيارة الرئيس) على الأكتاف!! وهي المهمة التي لم يقدم عليها حتى أتباع النازية الهتلرية..! فهم لم يكونوا يحملون سيارة (الفوهرر)! بينما فعلها البعثيون السوريون وما زالوا يفعلون!! وهم يحملون على أوزارهم وأكتافهم فضائح نظام قد أدمن الفضائح حتى لم يعد مكترثا بها؟ فالصراع على السلطة في الشام قد تفجر علنا منذ أن سن حافظ الأسد سنة (التوريث) في الحزب والدولة ليتحول حزب البعث بقرار جمهوري لفرع من فروع المذهب العلوي الباطني؟ ولتصاغ الأمور بسرية و (تقية) في مزج غريب و مضحك بين عالمي السياسة والفانتازيا الدينية والمذهبية؟ وليتحول الوريث لرمز مقدس لا يمسه الباطل لا من الخلف ولا من الأمام؟ وليذهب الشعب كل الشعب فداءا للتقاتل على السلطة بين العم الرابض في القلاع الأندلسية!! أو بقية المتحفزين والرافضين من الحرس القديم أو الجديد والذي كان آخرهم النائب الرفيق عبد الحليم خدام أحد كبار الباقين من قيادة البعث السوري التاريخية والتي تشكل فضائح ممارسات وملفات الإحتلال السوري للبنان حصيلته الأساسية والمركزية في بحر الفضائح الذي أغرق النظام الغريق أساسا؟ والتي بها ذاتها يهدد أركان النظام؟ ويبدو أن دماء الشهيد رفيق الحريري ورفاقه والذين تبعوه من شهداء الحرية اللبنانية قد أهاجت (تسونامي) الفضائح البعثية السورية!، لقد أصبحت حرب الفضائح بمثابة المسمار الأخير في نعش الفاشية البعثية، كما أنها النكتة السوداء الأخيرة في تاريخ ومسيرة حزب ونظام لم يجلب للشعب والوطن السوري سوى الذل والمهانة والعذاب.. وسبحان مالك الملك، لقد أمدهم في غيهم حتى تحولوا بدورهم لنكتة تاريخية... وما على الأحرار إلا التفرج على مصارع الطغاة.

[email protected]