من يراقب الوضع الفلسطيني الداخلي، يعرف تماماً، أن ثمة مخاوف حقيقية جدية، تعترض هذه الانتخابات. وأهم المخاوف، وجود الكثير من الميليشيات المسلحة، التي تنظر للمسألة برمتها، على أنها شيء لا لزوم له. فهي إما دينية، لا تؤمن بالانتخابات أصلاً، أو مافيوية، تخاف على امتيازاتها ومصالحها، من استقرار الوضع، ومن انبثاق أمل ما على الساحة. والمراقب للوضع، يعرف أيضاً، أن لا ضمانات لنزاهة الانتخابات القادمة. لأن هذه الميليشيات، هي الفاعل الحقيقي على الأرض، وهي من تقرر، وتنفذ، في ظل غياب السلطة، أمنياً، واجتماعياً. لقد جرت عدة حوادث، لا تشي بالخير. وحتى الآن، لم يحرك أحد ساكناً، لا السلطة الرسمية ولا التنظيمات. وعليه، فما الذي يضمن قيام هذه الانتخابات ونزاهتها ؟ إنه سؤال الجميع المؤجل، والجواب الوحيد عليه، هو تعاون السلطة ممثلة في أجهزة أمنها، مع الأذرعة العسكرية للتنظيمات، لضمان سير العملية بنجاح، مع ما في هذا الحل من مفارقة. معلش، ليكن! فهيك بلد بدها هيك حلّ. وما لم نفعل ذلك، فإن مستقبلنا كله معلق في مهب الريح. إذ باستطاعة أربعة مسلحين مراهقين أن يُفسدوا الانتخابات في مدينة كاملة. والناس، قرفانة أصلاً، ولا ينقصها تعريض نفسها لخطر السلاح الداخلي. لذلك، على الجميع، سلطة وتنظيمات، أن يبتكروا حلولاً عملية، قابلة للتطبيق الفعلي والميداني، كي نضمن سلامة المُنتخِب، وعودته إلى بيته، سالماً، لا [ شهيداً ] على جري العادة الفلسطينية الحديثة، في اعتبار كل من يموت، شهيداً، حتى ولو مات في حادث طُرق! إن من حق الناس أن تخاف، وخصوصاً، وهي ترى، كل يوم، ما يحدث من مهازل وفوضى، لا تحدث عادةً حتى في أعتى جمهوريات الموز. لقد تكلّم الإعلام الرسمي الفلسطيني، كثيراً، عن المعيقات الإسرائيلية للانتخابات، وأثبت مرورُ عدة أيام فقط، أن كلامهم هذا، ما هو إلا هراء، ومن قبيل ذرّ الرماد في العيون. فها هي إسرائيل تسمح لفلسطينيي القدس بالمشاركة، وها هي توافق على أن الانتخابات، شأن فلسطيني داخلي. فماذا بقيت من حجج لهذا الإعلام، كي يتذرع بإسرائيل، ويهرب من مواجهة مصائبه الداخلية؟
ليس من قبيل التخمين، القول بأن ثمة تواطؤاً، مسكوتاً عنه، بين عدة جهات فلسطينية، لتخريب العملية الانتخابية من أساسها. فثمة مؤشرات كثيرة تصبّ في هذا الاتجاه. وثمة قوى فاعلة ومدعومة داخلياً وخارجياً، تجاهد لتحويل مشروعنا الوطني، إلى صومال جديدة. وبعض هذه القوى موجود داخل السلطة نفسها، وبالذات فئة المهمّشين منهم، والمناضلين الذين ضحوا بالكثير، ولم يظفروا بنصيب من الكعكة، فيما غيرهم، لم يضح ولم يتعب، وحاز على النصيب الأكبر. إن جو الفساد المستشري غير المسبوق، هو ما يفتح حاضنة مؤاتية، لبعض هذه القوى. فنحن حتى اللحظة، لم نحاسب لصاً، على ما سرق، ولم نحاكم فاسداً على ما نهب. بمعنى أننا، لم نصل بعد، إلى زمن الشفافية. رغم كل ما يُقال، عن الرغبة في اللحاق بهذا النهج الحضاري. فالمفسدون في الأرض، لا زالوا في أماكنهم، أصحابَ نفوذ وقرار. ولا زالوا يستغلون نفوذهم، لمراكمة ملايين جديدة إلى ملايينهم القديمة. فكيف نطالب، بعد ذلك، مسلحاً فقيراً بلا حد أدنى من الحياة الكريمة، أن يلتزم بالقانون والنظام ؟ إن حال بعض شبابنا المسلح، هو: إما أن يُطبق القانون على الجميع، أو أنا ومن بعدي الطوفان! والحقيقة أن ذلك الآن كذلك. فالطوفان، هو السيد، وهو المستقبل، ما دام لا أحد يحرك ساكناً.
نقطة أخرى بخصوص الانتخابات، تخص أعضاء المجلس التشريعي الحالي، ممن فازوا في الدورة الأولى، عام 1996. فهؤلاء الأعضاء، اقترفوا جريمة بحق الشعب الفلسطيني، ولا يجب أن يفوز أي واحد منهم، في الانتخابات القادمة، عقاباً لهم على تلك الجريمة. أما الجريمة فهي عدم موافقتهم على إجراء الانتخابات كاملةً بالطريقة النسبية. إذ لحسابات ضيقة وتافهة، أجازوا أن تتم الانتخابات القادمة، على شكلين: نصف الأعضاء عبر القائمة النسبية الوطنية، والنصف الآخر، عبر نظام الدوائر. وفي هذا، ما يعزز روح المناطقية والعشائرية، بين صفوف الشعب الفلسطيني. إنه نظام انتخابي فلسطيني مجحف وفاشل. وسوف يلحق العديد من الأضرار، بالعديد من القوى الفلسطينية، وخصوصاً قوى المجتمع المدني، واليسار الليبرالي، والمستقلين: أي قوى المستقبل. ثم إن نظام الاقتراع بالدوائر، سوف يفاقم مشكلاتنا، وسوف يفتح الطريق واسعاً، لممارسات اجتماعية رثة، كشراء أصوات الناخبين بالدولارات، وغير ذلك. الأمر الذي يساهم في تأخير وتأبيد تأخير المجتمع، بدلاً من التقدم به خطوات وخطوات، نحو فضاء التعددية والديموقراطية والمستقبل المشرق. ولذا، فلا بد من طرح هذا الموضوع الجوهري والاستراتيجي، في المجلس القادم. فيكفينا ما بنا من أمراض إجتماعية وسياسية. ويكفينا ما عانينا ونعاني، من وجوه قديمة كالحة، سرقت الأخضر واليابس. ولنتعلّم من تجارب غيرنا، ولا بأس من أخذ العبرة من جارنا أو عدونا القريب. ففي إسرائيل، لا يوجد شيء أسمهُ تمثيل دوائر ومناطق. بل يجري الإنتخاب على مستوى الكيان بكامله. ما يعزز الرؤية الوطنية ويُمتّنها. وقد آن الأوان أن نفعل مثلهم. أو أن نفعل مثل أية دولة أخرى في أوروبا. لقد قطعنا نصف الطريق، نحو نظام برلماني وانتخابي معقول، وعلينا، في الدورة القادمة للمجلس التشريعي، أن نُكمل النصف الآخر: أي أن يُقرّ المجلس نظام التمثيل النسبي كاملاً. ليس الأمر بهذه السهولة طبعاً، لكنه ليس مستحيلاً أيضاً. فالشعب الفلسطيني، الذي عانى وضحّى، يستحق من ممثليه القادمين، أم يكونوا على مستوى اللحظة والتاريخ، وأن يضعوا كل متغيرات عالمنا الإيجابية في الحسبان. كي لا يكون مستقبل فلسطين العزيزة، هو حاضر الصومال الآن!!
التعليقات