رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وفي رد على سؤال أحد الصحفيين الأتراك، عشية زيارته الرابعة للولايات المتحدة الأميركية، منذ تسلم حزبه السلطة في تركيا، قال معلقاً على الهدنة الجديدة التي اعلنها حزب العمال الكردستانيquot; كنا نريد قراراً بالتخلي عن السلاح، لكننا سوف ننظر في هذه الخطوة، ومدى جديتها(...). إذا لم يكن ثمة داع للقيام بعمليات عسكرية من جانب قواتنا في المستقبل، فإننا سوف لن نقوم بها بالتأكيدquot;. كلام أردوغان هذا جاء بعد إجتماعه برئيس هيئة أركان الجيش التركي جنرال الحرب المتشدد يشار بويوكانيت.
وكان حزب العمال الكردستاني قد اعلن في بيان له من قواعده في جبال قنديل الأستجابة لنداء زعيمه عبدالله اوجلان ووقف إطلاق النار مطلع شهر أكتوبر. هذا وكان أوجلان قد دعى حزب العمال الكردستاني لإعلان وقف أحادي الجانب لإطلاق النار مع قوات الجيش التركي، وأعتبرّ ذلك quot; فرصة أخيرة للسلام على الدولة التركية إقتناصهاquot; مشيراً إلى quot;إمكانية تدهور الأوضاع وإنتشار العنف والمواجهات وخروج الأمور من تحت السيطرةquot; بما في ذلك quot;رفض حزب العمال الكردستاني أي نداء بوقف القتال يطلبه هو نفسه في المستقبلquot;. وتابع أوجلان الذي حمّل رؤاه لمحاميه أثناء زيارة هؤلاء له في سجن جزيرة إيمرالي المعزول وسط بحر مرمرة، حيث يٌعتقل هناك منذ عام 1999 بعيد المؤامرة الدولية التي إستهدفته وإنتهت بإختطافه وتسلميه للدولة التركية، إنه على الجميع أن يعلمواquot; بأن قرار وقف إطلاق النار لم يأت من موقع ضعف كما يحلو للبعض تفسيره، ولكنه متأت من الحس بالمسؤولية والرغبة في السلام وحل القضية الكردية بالطرق الديمقراطيةquot;. واضاف أوجلان quot;إنه في حال نجاح هذه الخطوة فإن جل مشاكل البلاد سوف تجد طريقها للحل، وإن تركيا سوف تصبح الإنموذج الديمقراطي المشهود له في المنطقةquot;.
كما دعى الزعيم الكرديquot; كل الأحزاب السياسية والمؤسسات المعنية والقوى الديمقراطية وقوى المجتمع المدني والصحفيين والأعلاميين في البلاد والمنطقة، لتفعيل دورهم من اجل إنجاح مساعي السلام والحل الديمقراطيquot;. وقال quot;أن البلاد بحاجة للسلام وحل القضية الكردية، وإن الكرد جادون في مساعيهم من أجل حل هذه القضية والعمل على تطوير الدولة وتقدمها على كافة الصعد وذلك بعد الأقرار بحقوقهم القومية المشروعةquot;. ودعى اوجلان القوى السياسية في جنوبي كردستان والإتحاد الأوروبي لدعم هذه الخطوة والعمل على إنجاحها بكل ما اوتوا من قوة.
وجاءت هذه الخطوة بعد النداء الذي وجهه حزب المجتمع الديمقراطي (الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني) للحزب لإعلان وقف أحادي لإطلاق النار، وكذلك بعد الدعوات التي وجهتها كل من حكومة إقليم كردستان وبعض الأطراف الدولية للحزب، لتهيئة أرضية مناسبة للتوسط من اجل حل القضية الكردية في تركيا.
كما جاءت الخطوة تلبية لوساطة قام بها الرئيس العراقي جلال الطالباني، والذي أرسل أحد قياديي حزبه إلى قواعد العمال الكردستاني في جبال قنديل بغية اقناع قادة الحزب بإعلان وقف لإطلاق النار، وكان الطالباني قد كشفّ عن مساعيه في دفع حزب العمال الكردستاني لوقف إطلاق النار أثناء تواجده في واشنطن، وتنبأ بقبول الحزب إقتراحه ووقفه لإطلاق النار.
والأرجح أن خطوة الطالباني هذه لم تأت بمعزل عن التنسيق مع كل من واشنطن وأنقرة. حيث رحبّ المبعوث الأميركي الخاص في اللجنة الثلاثية المكلفة بمتابعة ملف حزب العمال الكردستاني الجنرال السابق جوزيف رالسون بخطوة العمال الكردستاني هذه، ووصفها بالإيجابية، في الحين الذي كشفّ فيه ممثل الإتحاد الوطني الكردستاني( حزب الرئيس الطالباني) في العاصمة التركية أنقرة بأن إتصالاتهم الأخيرة مع قادة حزب العمال الكردستاني قد جاءت بتشجيع وطلب من أنقرة ذاتها. وقال بهروز جلالي ممثل الإتحاد الوطني الكردستاني في تركيا أن الأتصالات مع العمال الكردستاني تمت كلها بعلم أنقرة، ووفقاً لطلب من الحكومة التركية نفسها.
والحال، ان مشاورات واتصالات مكثفة تجري بين كافة الأطراف بغية الوصول لحل للقضية الكردية في تركيا، وتسوية الملف الكردي هناك، بعد رفض متكرر من الجانب الأميركي لطالبات أنقرة بالقيام بعملية عسكرية ضد مقرات حزب العمال الكردستاني في كردستان الجنوبية، والموقف القوي من لدن حكومة إقليم كردستان الرافض للحل العسكري والرافض للمشاركة في أية عمليات عسكرية ضد الطرف الكردي في كردستان الشمالية، والمشجع للحوار مع الحركة التحررية الكردستانية في كردستان الشمالية. وقد تبدى ذلك الموقف في ترسيم كل من القائدين الكرديين مسعود البارزاني رئيس اقليم كردستان وجلال الطالباني رئيس الجمهورية العراقية، لسياسة متزنة إزاء حركة التحرر الكردستانية، والمساعي التي بذلوها لدى الطرف الأميركي، بغية الضغط على أنقرة ودفعها لحل القضية الكردية لديها بالحوار والتفاوض.
جاء ذلك كله في حين أثبت فيه حزب العمال الكردستاني حنكة سياسية وقدرة مدهشة على التأقلم مع التغييرات السياسية في المنطقة، وأظهر مرونة واضحة إزاء كل واقع جديد طرأ على المنطقة، منذ دخول الولايات المتحدة للعراق، وتحريرها البلد من نظام صدام حسين ورهطه المجرم. كما كان لجماهيرية الحزب وزعيمه أوجلان، وسيطرته الطاغية على مجمل المشهد السياسي( وغير السياسي..) في كردستان الشمالية، وإمساكه بمجمل خيوط القضية الكردية هناك، في وجه سياسة الدولة التركية الإنكارية ومؤسساتها، الأثر الأكبر في إتخاذ الأطراف المختلفة موقفاً حذراً ومتردداً منه، في شأن المشاركة في تصفية قواته. ومن ثم الميل المتدرج للحوار معه والضغط على أنقرة لقبوله ممثلاً عن الشعب الكردي وقضيته في تركيا.
لإتحاد الأوروبي بدوره أبدى مرونة واضحة في الأونة الأخيرة فيما يخص دعوات العمال الكردستاني الصادقة للحوار والسلام، بغية حل القضية الكردية. وكان البرلمان الأوروبي قد قبل في وقت سابق تسلّم نتائج الأستفتاء الشعبي العام في اعتبار الزعيم الكردي عبدالله أوجلان quot;ممثلاً عن الإرادة السياسية الحرة للشعب الكردستانيquot;، والذي أجري في كافة أجزاء كردستان وتركيا، وأستقطب ثلاثة ملايين
وربع المليون من الأصوات المؤيدة، من الذين عبروا عن أوجلان قائداً لهم. وكانت هيئة أوروبية حقوقية قد تلقت في الأيام القليلة الماضية طلب إستئناف تقدم به مؤتمر الشعب الكردستاني( الجناح السياسي للعمال الكردستاني) للطعن في القرار الأوروبي في اعتبار الحزب منظمة إرهابية وإخراج إسمه من لائحة المنظمات الإرهابية المعتمدة لدى الإتحاد.
كما إستقبل كل من رئيس البرلمان الأوروبي جوزيف بوريل والمسؤول الأوروبي عن ملف توسيع الإتحاد اولي راين كل من رئيس حزب المجتمع الديمقراطي أحمد ترك، ونائبته آيسيل توكلوك (محامية أوجلان السابقة)، وجاء اللقاء على هامش دعوة حزب المجتمع الديمقراطي للعمال الكردستاني بوقف إطلاق النار، حيث طالب ترك وتوكلوك المسئولين الأوروبيين الكبيرين بالضغط على أنقرة بغية دفعها للحوار مع العمال الكردستاني لحل القضية الكردية ووقف العنف في المناطق الكردية. وكان الإتحاد الأوروبي قد انتقد أنقرة بشدة فيما يخص الموقف من الشعب الكردي وحقوقه. وقال مراقبون بأن النقد الأوروبي وتسليط الأضواء على القضية الكردية كان ملفتاً هذه المرة، وأستحوذ على مساحة جيدة من التقرير الأوروبي بخصوص عضوية تركيا، أكثر بكثير من المرات السابقة، والتي اعتاد الإتحاد فيها على توجيه إنتقادات للحكومة التركية في مجال الحريات، وحقوق الإنسان، أوما إصطلحت بروكسيل على تسميته بquot;حقوق الأقلياتquot;، دون التركيز كثيراً على الموضوع الكردي...
ثمّة ضغوط أوروبية حقيقية على أنقرة، وهناك حديث في ردهات مؤسسات صنع القرار الأوروبية بأن الإتحاد قرر عدم التساهل مع أية خروقات تركية للمعايير الأوروبية الملزمة في قضية الإنضمام للأتحاد. بل أن الرئيس الفرنسي جاك شيراك ذهب إلى أبعد من ذلك حينما طالب الأتراك علانيّة، ولأول مرة، بالأعتراف بالمسؤولية التاريخية عن المجازر التي وقعت بحق الشعب الأرمني في بداية القرن الماضي، قبل التفكير في الأنضمام للأتحاد الأوروبي...
بيان حزب العمال الكردستاني الذي نشره حين الأعلان عن وقف إطلاق النارquot; إستجابة لنداء القائد اوجلان وحزب المجتمع الديمقراطي، وحكومة جنوب كردستان والإتحاد الأوروبي وبقية القوى الديمقراطية والحقوقية والمثقفينquot; تحدث عن الفرصة المتوفرة لإرساء السلام وحل القضية الكردية، وقال بأن الكرة أصبحت الأن في الملعب التركي، والذي طالبته quot;بالأعتراف الدستوري بالشعب الكردي وبلغته القومية، ورفع كافة الأجراءات الأستثنائية بحقه، كشرط أولي للسير في طريق السلام الدائمquot;. كما طالب الحزب quot; كل الجهات والفصائل الغير مرتبطة بحركة التحرر الكردستانية، ولكن التي تتخذ من القائد أوجلان زعيماً ومنهجاً لها، بالألتزام بهذه الهدنة، وعدم خرقهاquot; لأن ذلكquot; سوف يؤدي إلى التأثير على هذا القرار بشكل سلبيquot; مما سوف يستدعيquot; ردة فعل قوية من جانب حركة التحرر الكردستانية، والتي سوف تحاسب كل من يخرق قرار الهدنة هذاquot;. ويبدو أن المقصود في هذا القول هو تنظيمquot; صقور حرية كردستانquot;، وهو التنظيم الذي أعلن عن نفسه العام الماضي، وهاجم عدة أهداف سياحية في داخل تركيا، مما أسفر عن مقتل العديد من السياح الأجانب والأتراك.
قرار حزب العمال الكردستاني الأخير بوقف إطلاق النار، جاء صائباً و في وقت غاية في الحساسية، وهناك بعض المرونة في التعامل الدولي مع الحزب، بعد سلسلة التفجيرات والإضطرابات الأخيرة، في العامين الماضيين، التي شهدتها تركيا، والتي أسفرت عن مواجهات وأدت لمقتل المئات معظمهم من أبناء الشعب الكردي( المواجهات مع المقاتلين الكرد، حادثة شمزينان 9/10/2005، وإنتفاضة دياربكر31/3/2006 والهجوم الإرهابي ضد المدنيين الكرد في دياربكر 12/9/2006)، وباتت هناك قناعة لدى جميع الأطراف الدولية بأن القضية لن تحل عن طريق الحملات العسكرية والقتل، وأن حزب العمال الكردستاني مازال هو القابض بزمام الحياة السياسية في المناطق الكردية، رغم حملات التضييق عليه تركياً وأوروبياً وأميركياً، بغية تصفيته وإنهاء وجوده وإخراجه من المعادلة السياسية في تركيا، وفي الشرق الأوسط أيضاً...
ثمة فرصة الأن أمام حزب العمال الكردستاني، وعن طريق القوى الكردية في كردستان الجنوبية (كردستان العراق) لتحسين علاقاته مع الولايات المتحدة. عن طريق إقامة حوار جدي ومثمر بين قادة الحزب والمسؤولين الأميركيين يستطيع العمال الكردستاني اقناع الجانب الأميركي بمطالبه ومدى توافق هذه المطالب والأهداف مع المساعي الأميركية لدمقرطة منطقة الشرق الأوسط، ومحاولة تطويق الحركات الإرهابية ذات القاعدة الدينية، ومحاربة موجة الكراهية ضد أميركا، والتي توصف تركيا بأنها على رأس القائمة في المنطقة، حيث تعتبر تركيا من أكثر البلدان التي يكره مواطنوها الولايات المتحدة، بتشجيع رسمي من الدولة ومؤسساتها الإعلامية الموجهة...
المسؤولون الكرد في كردستان الجنوبية يلوحون مراراً وعند كل خرق من جانب الحكومة المركزية في بغداد لبنود الدستور العراقي (سيما في موضوعة الفيدرالية وكركوك) بالانفصال وإعلان دولة كردستان. وهذه الدولة قادرة على الحياة والنهوض حتى في هذه المنطقة، في ظل وجود تنظيم وحركة سياسية وعسكرية قادرة و مؤيدة لدى الكرد في تركيا، وحتى في ظل وجود دول جارة معادية، وذلك لأن المنطقة تقف أمام تغييرات حقيقية، قد تؤدي لسقوط النظامين السوري والإيراني في غضون السنوات القليلة القادمة. وأي تغيير في دمشق وطهران، يعني مشاركة الكرد فيه وتحولهم لجزء من القرار السياسي هناك، وبالتالي عدم قبولهم لأي حصار أو حالة عداء ضد الدولة الكردية الناشئة. هذا مالم يتم تفكيك إيران وإستقلال شرقي كردستان( 8 مليون كردي) أو حصول هذا الأقليم على حكم ذاتي موسع...
في الحين الذي يبقى فيه موضوع تأسيس قواعد أميركية دائمة في كردستان الجنوبية (وهو الأمرالذي لمحّ إليه الطالباني صراحة في واشنطن) مسألة مهمة جداً لضمان أمن هذه الدولة، وتقوية المطالب الكردية التحررية في بقية أجزاء كردستان. وهو مايعني بكلام آخر، نقل واشنطن لقواعدها في quot;أنجرليكquot; التركية إلى كردستان، والتخلي تدريجياً عن أنقرة ومشاكلها....
التعليقات