كنت اتمنى كمواطن عربي متحمس ان اهلل مع المهللين للمشروع النووي المصري الذي اعلن عنه مؤخرا السيد جمال مبارك رئيس لجنة السياسات في الحزب الوطني الحاكم في مصر (والعقل المفكر للحكومة والسلطة في مصر) لولا ان داهمتني بعض المؤشرات السلبية التي احاطت بالمشروع ووسمته بالشبهات قبل ان يبدأ فقررت بدلا من التهليل ان اكتب هواجسي لعل احدا يمكن ان يفندها فارتاح ومعي عشرات الملايين من العرب البسطاء الذي يحلمون بالانضمام الى النادي النووي حتى وان كان سلميا او ان تؤكد مخاوفي فنعيد النظر الى المشروع وفقا لحقائقه لا وفقا لما اراد السيد جمال منا ان ننظر اليه.
اول هذه الهواجس ان طرح المشروع جاء في اعقاب عودة جمال مبارك من زيارته الميمونة الى واشنطن وهي الزيارة التي نال فيها مباركة زعيم القوة الاكبر في العالم المهيمنة على مقادير شعوب المنطقة سواء بالتدخل العسكري والاقتصادي المباشر او بتعاون بعض الحكام لمشروع وراثته لحكم مصر فيما يبدو حسبما وضح في اشادة بوش (وهو نادرا ما يشيد بمسؤول عربي) بعبقرية جمال ومعه رشيد محمد رشيد وزير التجارة الخارجية والصناعة وما يمثلانه من جيل جديد يستطيع قيادة بلاده بجدارة.
ثانيا فان اقدام جمال مبارك على تبني المشروع عقب عودته وبصرف النظر عن دلالة ذلك في مسلسل تهيئة المصريين لتوريث الحكم يعني في رأيي شيئا واحدا هو ان الامر كله عرض على الادارة الاميركية وحصل على ضوء اخضر منها خصوصا ان البيت الابيض الذي يعترض على عدد مرات دخول العرب الى بيت الراحة لم يعلق على المشروع المصري ولم يشجبه بعكس ما فعله ليس فقط مع ايران ومن قبلها العراق وانما مع مصر نفسها منذ بدأ الحلم النووي المصري عام 1956 حيث كان حريصا في كل مرة على اجهاض أي توجه مصري لدخول النادي النووي حرصا على امن اسرائيل اولا وعلى الخضوع الكامل لمصر الى الارادة الاميركية بدليل ان اكثر فترات الازدهار في العلاقات المصرية الاميركية وهي التي شهدها النصف الثاني من حكم الرئيس الراحل انور السادات ارتبطت بموت المشروع النووي المصري (كان قبلها قد دخل الثلاجة وتحديدا منذ نكسة 67 حيث توالت الضربات المجهضة له من ناحية وفضلت السلطة وقتها توجيه كل الجهور الى تعبئة الجيش للرد على الهزيمة المروعة في 67)، كما كانت واشنطن صاحبة فضل كبير في الضغط على مصر للتوقيع على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية سنة 1981رغم عدم تصديق إسرائيل عليها. ثم في الضغط مرة ثانية في ديسمبر عام 1996 للتوقيع على اتفاقية الحظر الشامل للتجارب النووية.
والمرة الوحيدة التي وافقت اميركا لمصر على بدء تجارب نووية كانت قبل بداية المشروع المصري عام 1955 حين عرضت اميركا على حكومة عبد الناصر مساعدتها في اقامة مفاعل نووي مقابل السماح لاسرائيل بمفاعل مماثل. كما ان ادارة نيكسون وافقت عام 743 على التعاون النووي مع مصر الا انه سقوط نيكسون نفسه اطاح بالمشروع.
اذن فالمسألة حسبما اظن متفق عليها مع الادارة الاميركية التي قرات في وكالة الانباء الايرانية خبرا عن انها اشترطت على مصر رهن احتياطيات الغاز المصري والبترول ودخل قناه السويس مقابل تمويلها للبرنامج النووي المصري وضمان تمريره دوليا وهي ان تمت ستكون كارثة الكوارث لعهد مبارك.
رابعا فان هناك ضرورة للاجابة عن سؤالين مهمين هما لماذا المشروع النووي الان ولماذا اختار مبارك ان يترك نجله يطرح المشروع ويتبناه وهو المعروف بحبه الشديد للاستئثار بمثل هذه الاشياء التي يمكن ان تكسبه شعبية؟
الاجابة في ظني تتمثل في ان جمال اراد بالمشروع ليس فقط كسب مشروعية التواجد كرئيس مطروح بقوة لخلافة والده وانما جعل وراثته للسلطة حتمية اذا اراد المصريون المضي في حلم عمرهم وهو الانضمام للنادي النووي اذ ان المشروع سيجري الانتهاء منه بين عامي 2017 و 2020 ما يعني ضرورة استمرار جمال في السلطة لضمان تنفيذ المشروع كما ان التكلفة العالية للمشروع والتي تتراوح حسب التقديرات الاولية بين 3 الى 12مليار دولار ستحرر الحزب الوطني من وعود مبارك الانتخابية الاخيرة التي لم يتحقق منها حرف واحد حسب علمي حيث لم يوفر مليوني وظيفة ولا رفع الرواتب مئة في المئة لكن اذا اقر المشروع النووي فلن يسأل احد عن الفقر المتزايد ولا السرقة المتفشية ولا الفساد.
والسؤال عن مغزى التوقيت مهم جدا في فهم الموضوع برمته خصوصا ان مبارك كان حريصا منذ ايامه الاولى في السلطة وطوال خمسة وعشرين سنة هي مدة بقائه فيها على الالتزام الكامل بأي اتفاقيات دولية لمنع التجارب النووية حتى دون ان تلتزم بها الدول الاخرى ويتذكر المصريون جيدا حملة ابراهيم سعدة في اخبار اليوم عام 99 والتي حملت عنوان رغيف العيش ام السلاح النووي لامتصاص الاحتقان الشعبي بعد اعلان الهند وباكستان دولتان نوويتان وهما اللتان بدأتا مشروعهما بعد سنوات طويلة جدا من البداية المصرية.
واذا صدقت هذه الهواجس ( واتمنى الا تصدق) فسيكون كل الاطراف المشاركة في التمثيلية النووية مستفيدة فالاميركييون سوف يستفيدون مزيد من الهيمنة والتواجد في ثنايا السلطة المصرية (وهو ما يعني بالطبع مصاحبتهم للاسرائيليين) وجمال سوف يستفيد بتأكيد بقائه على الكرسي الذي غالبا سيتحول الى مطلب شعبي مع بداية المشروع لتحقيق حلم قديم فشلت مصر طوال خمسين عاما في تحقيقه لكن سيكون الخاسر الوحيد ولمرة جديدة هو للاسف الشعب المصري.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات