أثار كلام للزعيم الدرزي وليد جنبلاط ورد خلال مقابلة تلفزيونية اجرتها معه محطة LBC واعتبر فيه ان quot;شعب حزب الله لا يفكرquot;، غضبا وسخطا عارم لدى سماحة السيد حسن نصر الله. وفي سياق الخطاب الذي القاه السيد حسن بمناسبة مهرجان الاحتفال quot;بالنصر الالهيquot;، وبعد ان طالب جنبلاط بالاعتذار الضروري والزامي، اكد ان حزب الله ليس حزبا شموليا، بمعنى انه لا يتدخل ولا يملي على محازبيه نمطا معينا في التفكير او في التصرف. ولم يتاخر في نهاية توجهه بالكلام الى النائب وليد جنبلاط عن تذكيره بانه اي حسن نصر الله ليس quot;بيكquot;ً ولا ابن quot;بيكquot; ولن يكون ابنه كذلك، غامزا من اللوثة الوراثية لزعامة جنبلاط.
وقبل البحث في صحة وصوابية كلام جنبلاط او عدمها، لا بد من التوقف اولا عند موضوع عدم شمولية الحزب، وعلاقة ذلك، او ربطه بظاهرة الزحف الشعبي اللافت لمحازبي حزب الله للمشاركة في مهرجان quot;النصر الالهيquot; في الضاحية الجنوبية. والحقيقة ان حجة عدم شمولية الحزب تبدو ضعيفة، بل غير كافية لتفسير هذا الطوفان البشري، ولا بد من البحث عن اسباب اخرى لهذه الظاهرة.
ومن غير المستبعد ان تكون شخصية السيد حسن نصر الله هي بالذات في مقدمة هذه الاسباب، من ناحية اختزانها لهذا الكم من الكاريزما، ولهذه القدرة على الجذب الفاعليين بالوجدان والعاطفة الشعبيين. ان الشعب الماخوذ بشخص القائد ليس بالضرورة غبيا، او غير قادر على التفكير. ولكن الواقع يبدو وكانه كذلك، اي كان هذا الشعب غائب عن الوعي، او مسلوب الارادة، وغير قادر على استيعاب ما اصابه من مآس نتيجة الحرب الاخيرة. وغير كاف تفسير البعض لهذه الظاهرة بتدني المستوى الثقافي او العلمي. فالقدرة على ادراك الحاجات الحياتية الاساسية، كالماكل والملبس والمأوى، ومن ثم ادراك مسببات فقدانها لا تتطلب مستوى عاليا من الفهم او الثقافة والعلم. بل الفجوة تكمن في عدم القدرة على انتقاد القائد عن طريق تحميله اي مسؤولية في اي موضوع كان.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف ننتظر من شعب شبه مسحور وتحت تاثير جذب القائد الالهي وخطابه الالهي، ونصره الالهي، ومقاومته الالهية،موقفا نقديا او مجرد مراجعة ومساءلة في مواضيع حياتية ارضية بحتة? وحال هذا الشعب كحال العاشق الولهان، الذي يعمى عن رؤية اخطاء وعيوب معشوقته، ولا يرى فيها سوى قمة المحاسن والجمال، والكمال المطلق.
يبقى ان التاليه والشخصنة ليسا بالامور المستجدة او المستغربة، كونهما ملازمين لتاريخ المجتمعات البشرية قاطبة، وبغض النظر عن اختلاف هذه المجتمعات وتباينها. فكل تجمع بشري بحاجة الى سلطة ما ويفتش ويبحث عن القائد. والمجتمع البشري يكره غياب القائد كما تكره الطبيعة الفراغ. والقائد العتيد والطامح الى مركز القيادة، هو بالمقابل بحاجة الى حاجة المجتمع هذه، حتى يصل الى مبتغاه. وهو اذ يلتزم بتحقيق كل ما يصبو اليه المجتمع من عدل ومساواة، وامن، وتطور ونهضة، قد يصل به طموحه في بعض الحالات الى التهور والتطرف فالديكتاتورية الاحادية، عن طريق ادعاء تجسيد وتقمس احلام وطموحات شعبه من دون سواه من البشر، وعن طريق اعتباره ان اختيار الشعب له وتجديده لهذا الاختيار، انما هو نابع من قرار حر وبدافع القناعة المجردة وبعيدا عن اي تاثير او ضغط او اكراه.
لذا يمكنك ان تنتقد القائد في كل المواضيع، الا فيما يخص مسالة مبايعة الشعب له. كما لا يمكنك انتقاد ماهية هذا الشعب، دون المس بصورة القائد مباشرة، وبكل الجهود المبذولة من اجل تحويل هذه الصورة الى رمز وهذا القائد الى شبه اله.
والى ان يستفيق العاشق والولهان من غيبوبته، كما وشعب quot;حزب اللهquot;من انجذابه وسحره قد quot; تمر مياه كثيرة تحت الجسورquot; كما يقول المثل الفرنسي الشهير.

كاتبة وباحثة سياسية لبنانية
[email protected]