الكثير من أهل العراق من يلح في السؤال عن مصير من تعتقلهم الحكومة وتعلن أنهم من الإرهابيين، فقد صارت الأعداد تفوق أعداد الضحايا والشهداء من الأبرياء ومن قوات الجيش والشرطة، ولكن لم نتعرف حتى اليوم على الرؤوس والخيوط التي يعمل هؤلاء من خلالها؟ ولم نتعرف أيضاً على مصادرهم وطرق ادخال البهائم المفخخة الذين أشتهرت أمتنا العربية بهم؟ ولم نتعرف ايضاً على الإرهابي الذي يتم الحكم عليه؟ من هم أهله ومن أين جاء، ولماذا أقدم على أرتكاب جريمة قتل أخوته وأبناء وطنه؟ ولم نتعرف أيضاً فيما أذا تكمن المحقق في التحقيق من أنتزاع اعترافات لهؤلاء الإرهابيين أم أنهم كانوا أذكى من كل محققي العراق، لم يزل العديد من المواطنين يسألون أين انتهوا هؤلاء، ولماذا هذا التعتيم والتستر على حقيقتهم؟ وهل هم أكثر قيمة وقدراً وحقوقاً من الضحايا الأبرياء الذين يزفهم شعبنا يوميا بالعشرات؟ وحين يبزغ صباح جديد في العراق نطالع معه نتائج العمليات الأرهابية التي تقدم عليها عصابات ومجموعات تقتل وتغتال وتفجر وتفخخ وتخطف وتمارس كل اشكال الجريمة في وضح النهار، وفي أكبر مدن العراق ووسط أهم شوارعها، فتقطع الطرق وتمنع الناس وتمارس دور السلطة أمام انظار السلطة نفسها، فمن هي السلطة التي تحكم الناس؟
لم يزل الناس في حيرة من أمرهم أمام حملات القتل الطائفي التي لم نتعرف ولم تعلن الحكومة مسؤولية جهة سياسية ما عنها لتحملها المسؤولية، هل أن القتلة جاءوا الينا من خارج العراق؟ أم أنهم بيننا ومنا وتستطيع السلطة أن تشخصهم ولكن الخجل يمنعها عن ذلك، ونستطيع أن نقرأ تبريراً جديداً يتعكز على الحوار والمصالحة الوطنية.
من يقتل السني على الهوية الطائفية؟ لا احد ولا تستطيع السلطة أن تجيب أو تشخص بجرأة، ومن يقتل الشيعي على الهوية الطائفية؟ لاأحد يستطيع إن يشير الى أحد، ومن يقتل المسيحي والمندائي والأيزيدي؟ بالتأكيد لن تستطيع الحكومة أن تشير الى جهة ما حتى لانخسر المحاصصة أو يقع الحرج في البرلمان !!
أي الغاز يعيشها العراق حين يتم قتل الأطباء؟ وأي سر يحمل معه العراق حي تتم تصفية ضباط القوة الجوية؟ وأي أسرار دفينة وراء قتل العلماء والأكاديميين؟ من وراء كل هذا؟
كيف تقام الأمارات المتطرفة والتابعة لمنظمة القاعدة الأرهابية في العراق دون إن تستطيع السلطة أن تطرد هذا الوباء الجديد الذي حل بأرض الرافدين الطاهرة؟ ولم تزل الناس تسأل الم يحن الوقت لنستطيع أن نؤسس قوة ندافع بها عن أنفسنا بعد مضي اربعة سنوات على سقوط حكم الدكتاتور؟ الم يحن الوقت لنا لنؤسس جيشا نستطيع إن نحمي بت كرامتنا واستقلالنا وحدودنا؟ ألم يحن الوقت بعد لنقول لقوات الاحتلال الأمريكي أن ترحل عن أرضنا فقد صرنا أقوياء وسوف يحاسبنا الزمن والتاريخ إننا ضيعنا الكثير من عمر العراق دون جدوى، فلم تزل الناس تبحث عن عمل تسد به رمقها، ولم تزل ايادي العديد من شيوخ ونساء العراق تمتد متسولة تطلب الطعام والكفاف، ولم تزل الناس تتراكض خلف قنينة الغاز وحصة البنزين، بل لم تزل الناس تحلم بالماء الصافي الصالح للاستهلاك البشري، ولم تزل الناس تحلم بضوء الكهرباء ونحن نعبر الى الألفية الثالثة من القرن الجديد والكهرباء تنير صحارى وقفار بلاد الله.
من يقتل الطبيب يخون العراق، ومن يقتل ضابط الجيش والشرطة الذين لم تتدنس اياديهم بدماء اخوتهم يساهم في خراب العراق، ومن يفجر أنبوب النفط الخام خسيس وخائن لمياه دجله والفرات، وحرام عليه مياه العراق، ومن يمارس القتل على الهوية الطائفية يساهم يدري ام لم يكن يدري في دفع العراق الى حافة الهاوية وخراب البلاد، ومن يساهم في ارتكاب الجريمة بدافع دنيء مقابل اجر أو تنفيذا لرغبة غيره في هذا الظرف العسير الذي تمر بت الناس في العراق مجرم تدينه الشرائع قبل القوانين، ومن يستغل ظروف انفلات الأمن وشيوع ظاهرة الطائفية عليه مراجعة ضميره قبل أن يصطف مع أعداء العراق.
من يستورد الانتحاريين من البهائم المفخخة لن يتوقف عن الاستمرار بالاستيراد وممارسة فعل القتل ألأجرامي حتى لو رحل الاحتلال فممارسة القتل صارت عادة لايستطيع المجرم أن يتخلص منها.
شخصيات تتبرقع بلبوس الدين وأخرى بالوطنية ومال حرام وصفقات واختلاسات وسرقات في وضح النهار ولا أسم احدهم يعلن علينا نحن عباد الله، تهريب وبيع ممتلكات الدولة والاستحواذ على المال العام وممتلكات وعقارات دون رقيب أو حسيب، وليس للمواطن العراقي سوى الله وهو ينتظر قدره.
أسرار وألغاز تنتشر في كل مساحة العراق، وأمارات يؤسسها إرهابيون ويقتطعون مدن يحكمونها باسم الدين وينصبوا أنفسهم أمراء وملوك دون إن تستطيع الدولة أن تتدخل أو تتعدى على تلك المدن، مثلثات ومربعات وزوايا ومحاور تخرج عن سلطة الحكومة دون إن نتعرف على هوية تلك المجموعات التي تقتل وتذبح وتقطع الرؤوس، حتى بعد إن تتحاور تلك الشخصيات مع الحكومة ولاشيء معلن صراحة سوى أن بعض التنظيمات المسلحة حاورت الحكومة.
متى سيكون أعتبار للمواطن العراقي ويستمع الأخوة في البرلمان والحكومة لصوته وأسئلته؟ ومتى نثق حقاً أن العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العقيدة أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب مثلما يقول الدستور ؟ ومتى يكون من حق المواطن العراقي الحق في الحياة؟
من يقتل كل تلك الأعداد الكبيرة التي لم نزل نتباهى إمام العالم بأننا لن نصل الى الحرب الأهلية والرؤوس تتدحرج بين أرجلنا، والجثث تملأ ثلاجات معهد الطب العدلي في بغداد والمحافظات حتى لاتتسع لها، متى نتعرف عن الأسباب الحقيقية لما يحدث لنا ولأهلنا ولعراقنا؟
ومتى نستطيع إن نخلق القوة العراقية التي تستطيع إن تعزز من سيطرة القانون في الحياة العراقية؟ وكيف للإرهابيين أن يغتالوا ويخطفوا وينتشروا وسط شوارع العاصمة ولنا سلطة انتخبناها ومجلس نواب له شرعية أصواتنا؟ وكيف يتم قتل كل تلك الأعداد دون إن يعلق البرلمان والنواب اجتماعاتهم ونقاشاتهم وندواتهم وخلافاتهم حتى يوقفوا الموت الزاحف في مدن العراق؟ وكيف يحدث هذا ونوابنا ووزرائنا لم يزلوا غافين في مناصبهم ومنشغلين بمنح وسلف المصرف العقاري ورواتب عبد الرحمن عارف وعبد الرزاق النايف؟ متى يتم الالتفات الى الفقراء والمعوزين والمتسولين والعاطلين والمنقطعين؟ ومتى نستطيع إن نوقف عمليات الهجرة التي صارت اليوم حلماً عراقياً بعد إن عاد العراق متخلصاً من قبضة الطاغوت؟ متى تتعود سلطاتنا إن تقول لنا الحقيقة مثل كل حكومات الدنيا وتعطي الأسماء والحقائق بدقة وتحترم دماء الشهداء والضحايا؟
أين صارت أعداد المتهمين بالجرائم الأرهابية؟ وأين صار من تم القبض عليه متلبساً والذين تم القبض عليهم شارعين بارتكاب جرائم إرهابية؟ فضحايا العراق تتمزق أوصالها وتنتشر دمائها على الجدران ولم نزل نجد ألاف الأعذار لعدم إيصال حقيقة ما يجري أمام العراقيين.
هل شعب العراق ضحية أمام معركة ألإرهاب والسلطة وقوات الاحتلال؟ هل إن أذناب صدام قرروا قتل كل شعب العراق تنفيذا لرغبة سيدهم القابع وسط قفص اتهام شعب العراق؟هل أن الاغتيالات ليس لها جهة تقم بتنفيذها؟
أسرار وخفايا لم تزل تكتنف الحياة العراقية، وتحول الليل والنهار الى جحيم فوق الجحيم الذي يعيشه أهل العراق منذ انهزام جيش صدام وتحرير الكويت، ويبدو إن العقاب لم يزل مستمرا فوق رأس أهل العراق، في حين إن الطاغية لم يتعذب مثلما تعذب الناس طيلة تلك السنين ولم يزل !
المصيبة إن بعضنا يسأل بعضنا دون إن نجد الجواب، وتتسع أسئلتنا وقلقنا دون إن نجد الحقيقة، ونتناقش ونختلف ونحلل ونزعم أنها أسباب كثيرة غير إن الحقيقة خفية مطمورة لانستطيع التوصل اليها، ويكفي أن أسماء عملاء جهاز المخابرات والأمن العامة الداخلي والخارجي لم تزل جهات حريصة على إن لاتكشفها ولاتفضحها الا وقت حاجتها ورغبتها الخاصة، ويكفي إن العراق حتى اليوم لم يحاسب مديراً للمخابرات ولامديراً للأمن ولامن عناصر الأغتيالات في تلك الأجهزة، ويكفي أن الأسرار لم تزل وستبقى تغلف حياتنا وموتنا دون إن نتعرف على الحقيقة التي ربما لن تستطيع السلطة إن تكشفها خشية وحرصاً فنحن على أعتاب انعقاد مؤتمر المصالحة الجديد، وسيتعانق المسؤولين وسيعرض بعضهم على بعض المناصب والكراسي، وستكون المحاصصة وسيلة وطريقاً من طرق الصلح بين المتخاصمين، ويبقى شعب العراق ينظر الى كل ما يجري بعيون ممتلئة بالدموع وقلوب متقرحة اعياها الحرمان والخوف والظلم، وحتى تنكشف الحقيقة يعطي العراق يوميا أكثر من 150 شهيداً.
- آخر تحديث :
التعليقات