بلادي فان جارت عليّ كريهة قومي فان شحوّا عليّ لئامُ

لم اتوقع ذات يوم ان يدور بمخيلتي او تنتابني افكار سوداوية في الكتابة عن معاناة شعوبنا بهذه الطريقة التي تزدحم فيها عبارات الاسى والتآسي تلك التي تتراءى من خلالها ابشع صور الجريمة والاحباط الذي خيّم على طريقة تفكير الكثير من النخب المثقفة التي لم يكن لها متسع في ادراك رسم صورة عن الديمقراطية البائسة التي جنى ثمارها شعبنا في تفجير كيانه ..واعني بالكيان.. الناس رجالا ونساء واعني ايضا بالكيان التكوين الاثني على وفق ماذا يجب ان يكون وكيف يحترم واي موقع يرتقي وماهي مساحة الديمقراطية التي يتمتع بها اسوة ببقية ابناء الشعب واعني بالكيان كذلك بنية تحتية وصولا الى تنمية مستدامة وديمقراطية الايمان بالاخر وثقافة الحوار والتسامح والتعايش الديني والمذهبي والقومي والفكري والفلسفي واخيرا اعني بالكيان اجتماعية العيش المشترك واستثمار ما صنعته الطبيعة بموضوعية قوانينها التي فيها من التغيير والتنوير ما يفوق كل اسباب التخلف والتراجع التي صنعتها قوى الردة بما فيها تأشيرها باصابع الاتهام لبناة الحياة وعوامل بنائهم بالهدم. وهذا وحده كافيا لان يخلق اقوى معاول التفتيت والتسطيح بما يمكّنها من خلق بيئة التشرذم والتشرنق والشروع بصناعة ثقافة هدم المجتمعات التي اسوآ مافيها التشكيك بقدرات الاخرين وسوء الضن بمشاريعهم التنموية وتثقيف المجتمعات بذلك وهنا الطامة الكبرى ... صحيح ان ذلك المسير قد شكل خط التوازي عبر طول المسيرة التي امتد بها الزمن في تحديد مسارات الصراع وبلورته اقتصاديا وتبيان ملامح صيرورة تكوين الطبقات اجتماعيا لان تاخذ ابعادها في التناحر قبل ظهور المتفلسفين بعوامل تكوينها وبلورة انساق تعبئة قدراتها بعد تحديد مسار المضطهدين وتثوير مطاليبهم ومن ثم الارتقاء بهم الى استلام الدولة بعد تبلور السلطة وبروز مقومات تكاملها وبلورة الصراع التاريخي وحساب اولويات النضال السياسي عبر الاف السنين من التعسف والامتهان اللاانسانيين ..
وبعد كل ذلك يحق لنا القول ان تعجيل البناء صار حقيقة مطلقة بعد ان خلق له معينا لايقبل التراجع بل يمتلك من مقومات الهجوم بما لايسمح للتخلف والمنتفعين من بيئة التسطيح بالمقاومة والاستحواذ على مكاسب الجماهير التي كان شأوها بناء مجد واهرامات لمن لا شأو له.
وهنا اقتضى منا التوقف لمعرفة ماهية الحركة الجديدة للمجتمع.
كي نقرر هل ان الاحباط مقرر ومخطط له ام جاء بطريقة الصدفة؟
وهل سيبقى ازليا سرمديا ام سينكفئ بعد زوال اسبابه...؟
ولتوضيح ذلك ..نقول ان العلاقة الجدلية بين التخلف وصانعيه من جهة وبين موضوعية التطور واسبابه من جهة اخرى تقتضي منا قراءة صحيحة للتاريخ.
وهنا لااريد الغوص في ماضي الزمن السحيق بل نجتزء من حقبته اقل من مئة عام خلت لنطل من نافذة حركته الدؤوبة اسباب الطفرة السريعة في حقليّ الاقتصاد والجغرافية كي نصل الى واقع متغير وسريع بمعجلاته الجديدة وعلى الشكل التالي..
1-بعد احتدام الصراع السياسي والاقتصادي ابان الحرب الباردة بين النظامين الاشتراكي والرأسمالي وبعد تسليم الراية في قيادة النظام الراسمالي من بريطانيا العظمى الى الولايات المتحدة وقبل وصول الراسمالية الى مرحلة الامبريالية التي افضت الى نظام ما بعد المجتمع الصناعي الاب الشرعي للعولمة كرست اميركا كل جهودها لزرع الجنوب بكل اسباب التخلف والغام حقوله المعرفية بثقافة العنف مدعوما بكل القدرات والامكانات المالية والعسكرية وتعبئة جماهيره من خلال حكامه سياسيا لمواجهة النظام الاشتراكي وجعلت منه (العالم الثالث) نابعا رخيصا في وقت كان الاتحاد السوفيتي يعوّل على كونه القوى الاحتياطية له في مواجهة الامبريالية التي عملت وجندت كل قدراتها لاحتوائه من خلال فتح قنوات الرشاوي بعد ان اتت بزعماء هذا العالم ونصبتهم وحولتهم الى دمى يتحركون على نغمات رغباتها ويرقصون على معزوفات مآسي الشعوب التي ابتليت بهم طبقا لما تريده وترغب فيه القوى الامبريالية .الانكى من ذلك ..ان الاتحاد السوفيتي الذي اعمت بصيرته سياسية الحزب الواحد والرأي الواحد والعقيدة الواحدة قد غفى وطال سباته على الولاءات الكاذبة من هذه الدمى التي استنزفت منه المال والدعم العسكري والسياسي في ضرب الشعوب وتاخير تقدمها والتي حولت مواردها لبناء ترسانات عسكرية ازيلت بلحظة رعب قاتلة وبناء دور عبادة لتعزيز ثقافة الهدم والتقتيل والتسطيح وبناء السجون والمعتقلات التي زاد عددها على عدد بنايات الايتام ودور العجزة وتحولت الجامعات العلمية الى بؤر وسموم لبث افكار التخلف والتناحر بعد ان افرغت من محتواها العلمي الاكاديمي وهروب جل اساتذة العلم والمعرفة مما ساهم في تخرج اجيال من الامية الثقافية والعلمية لاتعلم عن مستقبلها الا امجاد فارغة فتعطلت التنمية الاقتصادية والبشرية وبدأ النظام الرأسمالي يشرّع ويؤسس لانظمة اجتماعية في مواطن بلاده تخدم الانسان وتؤكد على احترام حريته وتتنافس في برامج اقتصادية وتربوية علمية وثقافية تؤكد على بناء مؤسسات مجتمع مدني وحقوق انسان وصولا لبناء التنمية المستدامة واخيرا قيادة الشركات متعددة الجنسيات لآهم مقومات التقانة العالية وتدفق رؤوس الاموال بعد ان كانت بنوكها خزائن لودائع دول البترودولار وغيرها من بعض دول عالم الجنوب التي استوطنت فيها ثقافة العنف وجراثيم بيئة التخلف الفكري والصحي والاجتماعي بعد ان ادمنت شعوبها على العيش تحت خط الفقر وتمازجت في ثقافتها الافكار الاصولية والقومية التي تحولت الى وباء ليس في تدمير القوى الديمقراطية والعلمانية بل في تحطيم مصادر ومؤسسات ضروع من غذتها بحليبها الفاسد . وهاهي اليوم موزعة في تناقضات وتناحرات ليس لها من حدود في تدمير بعضها البعض وتوظيف مسميات التحرر بما ليس فيه من واقع لمحاصرته ومضايقة اسباب من اتى بهم لان يكونوا شرورا في نيرانهم لالتهام اخضر الشعوب ويابسها....
2-لقد اتضحت وبشكل جلي للمراقب الحصين نكرة التخطيط للتباين البيئي جغرافيا وبدى واضحا فرق التباين البيئي على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي تجسد ذلك في النمو الاقتصادي والتنمية واستثمار الثروات وتوظيف رؤوس الاموال في جغرافية الشمال المتطور وخلق الهوة السحيقة في تعميق التخلف والتسطيح في جغرافية الجنوب مما عجل في زيادة التشرذم المذهبي وتوجيه اسلحة البعض ممن لا يختلفون في اصولهم الدينيه قيد انملة اذا ما تمحصنا مصادر الاصول الحقيقية واهداف التنزيل التي كان الغرض منها احترام الانسان والسمو بتربيته وهذا لم يؤخذ به اصلا .لم يكن هذا السلوك عشوائيا بل كان بتاثير تخطيط محكم الصنعة في خلق اسباب الاحباط في عالم الجنوب بعد ان توفرت وتمازجت مجموعة عوامل القومية منها والاصولية في تناحرها ولا غرابة ان تلتقي في حالات معينة مع نهجها التخريبي بعض المصالح العرقية قوامها غموض وعداء سافرللشفافية في زمن صارت فيه التحولات الاجتماعية سمة للعصر وعلامة بارزة للتحضر. المؤلم والمحبط في ذلك افراغ التحرر من محتواه الديمقراطي ومحاربته باسمه وهذا لم يدرج بحسابات النخبة التي ضحت كثيرا في عالم الجنوب كون ذلك لم يكن محض صدفة بل نتيجة مدروسة من معاهد متخصصة فكريا وسياسيا وحضاريا ومتفننة في دراسة نفسيات وبيئات وثقافات الشعوب ومعرفة كيفية التاثير عليها سلبا بما يضر بمصالح الجنوب وينفع تطلعات الشركات في عالم الشمال وهذا ما توقعناه اما ان يبقى هذا المخطط ازليا وترزح تحت وطئته شعوب جغرافية الجنوب بعد ان تحول العالم الى قرية صغيرة والاقتصاد الى رموز واشارات تتحدد في بنايات البورصات وثقافة المعلومات فهذا ما يتطلب منا ان ننفرد به بكل ما له وعليه لما له من ثقل كبير ومهم على مسيرة شعوبنا التي تحولت الى ضحايا لا تميز بين جلاديها ممن حكموها باسمها بعد ان اوهموها كذبا ومن ضحى من اجلها فعلا وهنا الطامة الكبرى .

باحث اقتصادي