عقدت إيران بالأمس صفقة سياسية رابحة مع الشعب الفلسطيني، بأن اشترت شركة (حركة) حماس بمبلغ زهيد، بمبلغ ربع مليار دولار كما أعلن أثناء زيارة اسماعيل هنية الأخيرة لطهران التي استمرت اربعة أيام.
وقالت الأنباء إن ايران سوف تدفع من هذا المبلغ رواتب المدرسين الفلسطينيين البالغ عددهم مائة ألف مدرس لمدة ستة أشهر، وكذلك ستدفع تعويضات لثلاثة آلاف صياد فلسطيني لمدة ستة أشهر ايضاً، والباقي يوزع على قوات الأمن العام الفلسطيني الحمساوي، والمناصرين والحزبيين، وغيرهم ممن يقفون الى جانب تحرير الأرض من البحر الى النهر وبالعكس.

من تجارة السجاد الى شراء وبيع الحركات
لقد استطاعت ايران بمالها الحلال الزلال الشريف والنظيف - كما يطلق عليه حسن نصر الله - أن تشتري (شركة) حماس المساهمة (المساهمون حماس غزة، وحماس دمشق، سوريا، وإيران) ومعها الشارع الفلسطيني الغزاوي على وجه الخصوص، كما سبق واشترت الجنوب اللبناني وجزءاً من الشارع المسيحي والدرزي والسني والأرمني اللبناني المتحالفين مع حزب الله في لبنان.

فالإيرانيون هم سادة نسيج السجاد في العالم. وهم الذين علّموا العرب السياسة والفن والغناء والحكمة أيضاً. ولهم تراث كبير وعريق في كل هذا. ومعظم علماء المسلمين ولغوييهم وحكمائهم وفلاسفتهم الذين برعوا كانوا من الفرس. ولذا يعتبر الفرس أنفسهم الآن، بأنهم بهذا التاريخ الطويل، وبهذا التراث العريق، وبهذا المال الضخم، وبهذا التقدم العلمي الذي أحرزوه بتقدمهم النووي الحالي، هم أحق من غيرهم في أن يرثوا تركة العالم العربي. فالعالم العربي (الرجل المريض) منذ أن تركه العثمانيون لدول الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى 1918، ومنذ أن تركته فرنسا ثم بريطانيا 1970 بعد خروجها الأخير من الخليج، ظل بدون وريث. ولقد حاول شاه ايران السابق أن يرثه، ولكنه لم يكن على مستوى الوريث القوي. وظل العالم العربي اليتيم الى الآن يبحث عن وريث الى أن دخلته أمريكا من البوابة العراقية 2003، ولكن إيران كانت لها بالمرصاد. وكان رصيد إيران في العالم العربي من خلال سوريا وحزب الله والمتحالفين معه في لبنان أكبر بكثير من الرصيد السياسي الأمريكي، الذي كان لا يملك غير النخب السياسية العراقية، التي أخذت ترضع من الثدي الدافيء المدرار طوال الثلاث سنوات الماضية، وهي في الحضن الأمريكي المرضع، وتنعم بالسرقة، ونهب المال العام، والفساد السياسي والإداري.

ورثة (الرجل المريض) الجدد
إذن، الإيرانيون الآن هم ورثة العالم العربي (الرجل المريض) الجديرون بهذه التركة لعالم عربي يتيم يبحث عمن يقوده، بغض النظر عن جهة هذه القيادة. إنه عالم ضال وتائه وضائع. لقد حاول الأمريكيون قيادته منذ ثلاث سنوات بمباديء الديمقراطية والحرية وخلع الحكام المستبدين. ولكن العالم العربي لا ينقاد إلا بحبال الدين وبعصا الدين. وإيران هي التي تملك هذه العصا الآن. لقد استطاعت هذه العصا أن تنجح بابهار شديد في أكثر قلاع العالم العربي صعوبة وهو لبنان، حيث الديمقراطية الغربية المسيطرة، وحيث 18 طائفة متصارعة، وحيث أكثر الدول العربية عَلمانية، وثقافة غربية، وبعداً عن الدولة الدينية.

وها هي إيران تنجح في أن تجعل من ميشيل عون المسيحي، ومن طلال ارسلان الدرزي، ومن سليمان فرنجية العروبي، ومن حزب البعث اللبناني، ومن الحزب السوري الاجتماعي العلماني، ومن الأرمن المسيحيين حلفاء ومناصرين لها في اقامة الدولة الملالية الدينية، بقيادة حسن نصر الله، والتي سبق وأعلن عنها نعيم قاسم نائبه في كتابه (حزب الله: التجربة والمصير والمستقبل)، بعد أن قبض الجميع الثمن. فمنهم من قبض نقداً، ومنهم من قبض سلاحاً، ومنهم من قبض وعوداً بكراسٍ. وما القنبلة النووية التي قطعت إيران أكثر من نصف الطريق اليها، إلا المهتدي المنتظر في الميثيولوجيا الشيعية، التي ستملأ الأرض (أرض المسلمين بما فيها العالم العربي) بالعدل والخير العميم والسمن والعسل. وهي التي ستمكّن إيران من أن ترث العالم العربي الذي بقي طيلة 35 سنة الماضية بدون وارث، أو مُسيّر، أو قيادة، بعد أن رحل عنه وراثوه القدامى من العثمانيين والغربيين.
كيف ضمنت حماس الانتخابات القادمة؟
هل ابتعدنا قليلاً عن الصفقة الإيرانية ndash; الحمساوية التي تمت قبل أيام؟

بالتأكيد لا. فالكلام السابق هو في صُلب هذه الصفقة، فيما لو علمنا أن الكلام السابق أراد أن يبرز قوة ومقدرة وسيطرة المشتري على البائع المطواع. ونقول المطواع لأن حماس بخطابها السياسي وخطابها الديني وخطابها الاجتماعي والثقافي، لا تخرج أبداً عن المعطيات والمسلمات الملالية الإيرانية. بل هي في صُلب هذه المعطيات وهذه المسلمات. وهي لم تبع فلسطين والشعب الفلسطيني لأحمدي نجاد بربع مليار دولار كما أعلن عن الصفقة بالأمس، وانما هي صادقت فقط لدى كاتب العدل الإيراني على صفقة كانت قائمة منذ زمن وتأخر دفع ثمنها. ورغم ممانعة حماس الشديدة لانتخابات فلسطينية مبكرة - وهي ممانعة النساء- إلا أن حماس ضمنت بهذه الصفقة انتخابات فلسطينية تشريعية أو رئاسية قادمة مبكرة أو متأخرة، حيث ستتلقى المزيد من الأموال الإيرانية. وعندها ستطعم غداً بالمال الإيراني هذه الجموع الجائعة العارية والحافية. وستكتسح حماس الانتخابات من خلال المعدة الفلسطينية وليس من خلال العقل الفلسطيني كما تم في يناير الماضي من عام 2006. فالجياع وحدهم هم الذين سيحملون حماس مرة أخرى الى سدة الحكم. وهم غالبية الشعب الفلسطيني وسواده، عندما ستملأ إيران غداً معداتهم الجائعة بالطعام وجيوبهم الفارغة بالدولارات. وهو ما حصل في مصر مع الإخوان المسلمين.

فالعربي لا ينتخب بعقله، بقدر ما ينتخب بمعدته وجيبه.
وبذا استطاع quot;حلف فلسانquot; (فلسطين ـ سورياـ إيران) أن يفوز حتى الآن فوزاً كاسحاً ومعه حزب الله وحماس وكل القوى في المنطقة التي تسعى لهزيمة quot;قوى الشرquot; في العالم المتمثلة بالاتحاد الأوروبي وأمريكا.
فهنيئاً لهم، وعزاءً لنا. ولكن المعركة لم تنته بعد، وما زلنا في بدايتها.
السلام عليكم.