تجري محاولات واضحة وجادة لتطويق التيار الصدري في العراق، فمنذ أن أعلن وزير الدولة للحوار الوطني اكرم الحكيم بأن هناك حاجة ما سة لتشكيل كتلة برلمانية صلدة أو صلبة تحت قبة البرلمان، أستقرا بعضهم بأن مستقبلا مظلما ينتظر التيار الصدري في العراق، وبالفعل فقد أعلن عن هذا التكتل الصلب حسب تصريح وزير الحوار الوطني،وكان يضم المجلس الاعلى للثورة الإسلامية و الحزبين الكرديين، والحزب الإسلامي، حيث تشير التشكيلة إلى خروج فاضح للمجلس الأعلى على تكتله البرلماني بتكل حزبي خارج البرلمان، وتشير بشكل ضمني إن هذا التكتل جاء ردا على التيار الصدري، فإن هذا التيار ليس على وفاق مع هذه الوجودات، خاصة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية،كما أن له خلافات حادة مع الأكراد ــ وبنود الخلاف ليست غائبة على المحللين، بل هي علنية سافرة على لسان الطرفين ــ ومن ثم، يمتلك قاعدة شعبية عريضة، ومؤثرة، حتى بات تعاطف الشارع الشيعي في العراق مع هذا التيار وليس مع حكومة المالكي بـ (شقها الشيعي) ، ويقف حزب الدعوة حائرا من المشروع ــ وحزب الدعوة دائما حائر وينبغي أن يكون حائرا ــ وآخيرا وليس آخرا يُعتبر التيار الصدري في منظور مكونات هذا التكتل مليشيا عسكرية، ولذا كان أول شعار طرحته العناصر المكونة لهذا التكتل هو نزع سلاح المليشيات وحصره في الدولة. ليس هناك برائة في السياسة، تلك هي بعض خلفيات التكتل الجديد، الذي قد لا يكتب له النجاح.

حكومة المالكي في تصوري قد تكون مرتاحة لهذا التكتل من دون الدخول في التفاصيل، وذلك أن التيار كثيرا ما يحرجها ويربك عملها، فقد يشغل أو يضعف هذا التكتل قوة التيار الشعبية، ويكسر شوكته، ثم أن أصعب مهمة تواجه هذه الحكومة هي مشكلة المليشيات، وفي المقدمة منها مليشيا التيار الصدري كما يقول محسوبون على المالكي بالذات، فقد يشكل هذا التكتل ضغطا شعبيا ولو في مساحةِ ما للتجاوب مع مشروع الحكومة في نزع سلاح التيار الصدري، وقد أثبتت التجارب أن حكومة المالكي تقف حيادية أمام هجمات القوات المتعددة الجنسيات على مدينة الثورة / الصدر، الامر الذي يفسره بعض رموز التيار بأنه تواطئ صامت بين حكومة السيد المالكي وهذه القوات، خاصة وإن الجيش العراقي يشارك في كثير من الاحيان بهذه الهجمات. وبالتالي، يكون هذا التيار قد تمت محاصرته في دائرتين، الأولى دائرة صارخة، أي دائرة التكتل الجديد، والثانية دائرة صامتة، أي صمت حكومة المالكي تجاه ما تقوم به القوات الأمريكية والعراقية أحيانا من مداهمة ومحاصرة وإعتقال لمناطق ورموز التيار الصدري.

السيد المالكي تلفه حيرة شديدة في كيفية التعامل مع ا ليتار الصدري، فهذا التيار فضلا عن كونه يتمتع بقاعدة شعبية واسعة، يرى فيه كثير من الشيعة ــ كما تتناقل أحاديث الشارع العراقي ـ حماية لهم من الآخر، مهما كان هذا الآخر، وهي الحماية التي لم توفرها حكومة المالكي، ومن ثم، المالكي محسوب على الشيعة شاء أم أبى، وعليه ، أي موقف للمالكي تجاه هذا التيار ذي مستحقات دموية قد تسبب للمالكي إحراجا شيعيا، ليس الآن وحسب، بل تاريخيا، أي يتحول إلى سبة على لسان الشيعة، حيث سيقولون : المالكي قتل شيعته!!! في حين مطلوب من المالكي أن يكون رجل دولة، وهذا يستوجب عليه أن يتعامل مع المليشيات بما فيها مليشيا الصدر بلغة الدولة والحزم، فكيف يوفق بين هذين القضيتين المتناقضتين؟ ثم لا ننسى أن المالكي أعلن أنه صديق أ مريكا ، وهو مدعوم أمريكا وبريطانيا، وهؤلاء يريدون حصصهم، بل لهم ستراتيجيتهم، ومن ضمن هذه الإستراتيجية هي إيقاف اليتار الصدري، إن لم يكن تصفيته، مما يزيد في حيرة السيد المالكي، فهو محاصر أ كثر من التيار الصدري.
والسؤال : ماذا لو أ ن التيار الصدري لم يستجب لمشروع نزع السلاح؟
كيف سوف يتصرف السيد المالكي؟
ليس من شك أن المالكي من واجبه كرجل دولة أن يصفي إشكالية المليشيات، هذا مما لا شك فيه، ولكن ليس من شك في الوقت ذاته، أن الحوار هو آلية هذه المعالجة، ومن هنا ينبغي للمالكي أن يعتمد هذه الآلية قبل غيرها، ولكن هنا يأتي سؤال محرج للغاية، ترى وإن ينفع الحوار مع التيار الصدري مثلا، ترى ماذا يجب عليه أ ن يفعل؟
قبل أن يتورط المالكي لينضم عمليا إلى دائرتي الحصار السابقتين، أنصحه أن تنجز حكومته مشاريع أمنية كبرى، من شأنها تجعل الناس مطمئنين إلى سلامة أرواحهم وممتلكاتهم تحت حماية الدولة، وليس تحت حماية المليشيات، فإن الناس خاصة ممن يجدون حماية لدى التيار الصدري سوف يرفضون أي عملية تصفية أو نزع لسلاح هذا التيار فيما لو تقدم حكومة المالكي براهين ساطعة على كونها حكومة حقا، وإنها هي الحامي، وليس التيار الصدري أو غير ه، سواء كان هذا التيار سنيا أو شيعيا، أو هوية أخرى.

إن نمو التيار سعة التيار الصدري دليل على إخفاق وضعف حكومة المالكي، وأنها لا تملك ستراتيجية جيدة لأن تبرهن على أنها حكومة بالمعني الحقيقي.
يبدو أن المالكي متحمس جدا لأن يبرهن على أنه رجل الدولة، ولكن ليعلم جيدا أن ذلك ليس بالصدام الدموي مع تيار الصدر و مليشياه ــ خاصة وإن من تصورات حكومة المالكي وجوب التفرقة بين الملشيات والإرهابيين وهي فكرة صائبة ومحمودة ــ بل بقدرته على ان يكون البديل الحقيقي لتيار الصدر وغيره، أي تيار...
وإلا سيقول التاريخ كلمة قاسية!
لا أكتب هذا دفاعا عن تيار معين، بل كنت من أول الذين دعوا المالكي إلى التعامل مع زعامات هذه التيارات ليس بصفتهم الروحية، بل بصفتهم السياسية، كي يجردهم من أهم قناع يتسترون به، ولكن كل ذلك يجب أن يكون بأقل خسائر ممكنة، وليس بأكثر خسائر ممكنة.
سيقى التيار الصدري وغيره قوي حاسم، معرقل، فاصل، جماهيري، شارعي، حتى تثبت حكومة المالكي أنها حكومة بالمعنى الحقيقي...
فهل سيبرهن المالكي أنه رجل دولة ولكن بمقاييس العبقرية السياسية والأدارية وليس بمقاييس القوة الغاشمة؟
وإذا اضطر المالكي لاستخدام القوة، فهل سيحقق رضا الناس، وتعاطفهم مع هذا الأسلوب؟
نعم!
إذا قدمت حكومته نفسها للناس بأنها منتجة!