عام على ثورة الاصبع البنفسجي،عام على عرس الانتخابات،عام على ملحمة الشعب العراقي النبيل التي تحولت الى ُسنةٍ سياسيةٍ حسنةٍ جعلت شعوب المنطقة تحتذي بها وما عاد ذلك ادعاءاً فارغاً او زعماً كاذبا، بل حقيقة ناصعة من نصوع شمس الحرية التي اشرقت على العراقيين والمنطقة في التاسع من نيسان 2003 بسقوط اعتى ديكتاتورية في تاريخ العراق والمنطقة.
انتخابات في لبنان واخرى في الكويت حيث المرأة لاول مرة في تاريخ هذا البلد الكريم تمتلك حق التصويت والترشيح وثالثة في البحرين حيث المعارضة ولاول مرة في تاريخ المملكة الصغيرة تحط رحالها في البرلمان بعد ان كانت تعيش في المنافي او السجون ورابعة في السعودية وان كانت اقتصرت على المجالس البلدية لكنها اول الغيث والقادم اعظم وخامسة في موريتانيا ذلك البلد العربي المنسي وسادسة تجري حاليا في الامارات العربية هذه الدولة الخليجية التي باتت تمثل معجزة اقتصادية التحقت بركب الديمقراطية من خلال ولوجها عالم الانتخابات والذي فتح بابه على مصراعيه يوم فجر العراقيون ثورة الاصبع البنفسجي وكأن دنيا الشرق موعودة دوما مع انجاز عراقي ما،فحضارة وادي الرافدين هي الاولى ومسلة حمورابي التي خطها العراقيون القدامى على ارض بابل ما تزال تمثل ايقونة العصور والدهور كتبوا فيها ان (العين بالعين والسن بالسن والبادئ اظلم) فمضت شريعة تفتخر البشرية بها. هذا غيض من فيض عراقي.
والان دعونا من التفخار بإمجاد الماضي ولنواجه الحاضر والمستقبل بسؤال قد يترقرق على الشفاه وهو اذا كان الاخرون قطفوا ثمار التجربة العراقية الجديدة بانتخابات برلمانية او بلدية محلية انعكست نتائجها على دولهم استقرارا ورفاها فماذا انجزتم انتم ايها العراقيون بعد عام من الانتخابات التي صنعتموها بدمائكم ودموعكم؟ هل هي العودة الى سياسة (العراق خيره لغيره) ام ماذا؟ واذ كان الجواب بلا فأين هي ثمار تلك الانتخابات واين هي الانجازات؟
اسئلة مشروعة باتت حديث الشارع العراقي. عام على الانتخابات التي افرزت برلمان دائم وحكومة دائمة لكن الامن لايزال مفقود والاستقرار امسى حلما يراود الجميع لاسيما في العاصمة بغداد ومدن ثلاث ساخنة. اصبح منظر الدم ورائحة الموت والتفجيرات مشاهد طبيعية في حياة العراقيين واصبح الدم العراقي ارخص من رمال الصحراء او مياه الانهار. عشرات القتلى يتساقطون يوميا في الشوارع والمدارس وفي اماكن العمل وفي دور العبادة، شحة في الخدمات الاجتماعية، ازمة كهرباء مستعصية وازمة وقود اعصى وبطالة لانظير لها حتى في افقر دول العالم وفساد اداري ومالي جعل العراق يتصدر قائمة الدول التي تعاني من الفساد وبإمتياز و محسوبية لم يشهد لها تاريخ العراق مثيل وانانية حزبية وفئوية واسرية قل نظيرها في الدنيا باسرها والاخطر من هذا وذاك غياب الدولة واعني هيبة الدولة. هذا ما تحقق بعد عام من الانتخابات فلماذا حصل كل ذلك واين يكمن الخطأ؟
دعونا قبل الاجابة ان نثبت حقيقة غاية في الاهمية وهي ان الانتخابات في حد ذاتها مثلت انجازا لانها اعطت العراقيين ودول المنطقة اول درس في الديمقراطية وهو امر في حد ذاته عظيم. لكن رغم هذه الحقيقة لم يستطع العراقيون ان يجنوا الثمار والانجازات المرجوة من الانتخابات لانها _ اي الانتخابات_ جرت في ظروف غير طبيعية تلك هي ظروف الاصطفافات الطائفية والعنصرية التي انتجت برلمانا غير كفوء وحكومة قاصرة.
لم يعد سرا ً ان الكثير من اعضاء البرلمان المنتخب جيء به على طريقة (املأ الفراغات) ولم يعد سراً ايضا ان الناخب العراقي لم ينتخب برنامجا سياسيا واقتصاديا وانما انتخب طائفته او قوميته فالشيعي انتخب القائمة التي يشعر انها اكثر تمثيلا للشيعة والسني انتخب القائمة التي يعتقد انها الاكثر تمثيلا للسنة والكرد انتخبوا القائمة الكردية لانها تمثلهم قوميا وهكذا بالنسبة للاخرين، اللهم بأستثناء من انتخب القائمة العراقية على اساس انها قائمة وطنية تمثل كل الوان الطيف العراقي. ورغم حقيقة كون الانتخابات جرت بآلية ديمقراطية لكن نتائجها جاءت عكسية لانها حملت مضمونا سلبيا ذلك هو الاختيار على اساس الانتماء الطائفي والعرقي مما اوصل اشخاصا الى قبة البرلمان جُل بضاعتهم انهم ينتمون الى هذه الطائفة او تلك من دون ان يكون لهم اي كفاءة تذكر. فكيف والحال هذا ان نتوقع برلماناً نشطاً وحيوياً ومنتجا ؟
عام على الانتخابات ولم ينجز البرلمان العراقي المنتخب شيئا ذا قيمة تذكر اللهم باستثناء اقراره قانوني الفيدرالية والاستثمار وكلاهما ظل حبرا على ورق. فاما الاول فقد اقام البعض الدنيا ولم يقعدها من اجله وُشوهت فكرة الفيدرالية وُصورت على انها تقسيم للعراق مما تسبب في الكثير من اللغط حتى اُقر القانون بطريقة لايزال البعض يطعن بقانونيتها فما كان من دعاة الفيدرالية الا تأجيل تنفيذ العمل بها الى عام ونصف من لحظة اقرار قانونها. واما قانون الاستثمار فقد ولد ميتا لا لشئ يذكر الا لان الاستثمار يحتاج الى بيئة ومناخ آمن ومستقر وحيث كلا الامرين مفقود الآن في العراق فقد رُحل العمل بهذا القانون الى حين توفير الامن والاستقرار والله وحده العالم متى يتحقق ذلك اذا ما استمر حال البرلمان والحكومة على ما عليه واذا ما استمرت دول الجوار الاقليمي بالتدخل السلبي واثارة النعرات الطائفية والعنصرية في العراق وآخر تلك التدخلات وليس بأخيرها (مؤتمر اسطنبول) الذي كان بمثابة صب الزيت على النار، واذا ما استمرت القوات الامريكية في هيمنتها على الملف الامني وارتكابها للمزيد من الاخطاء والتي لم يعد السكوت عنها امراً ممكناً لانها تزيد المشهد السياسي العراقي تعقيداً وارباكا.
هذا اهم ما انجزه البرلمان اذا اعتبرناه انجازا. هناك قاعدة منطقية تقول ان فاقد الشئ لا يعطيه واجدني لا ابالغ اذا ما قلت ان هذه القاعدة تنطبق بحذافيرها على نسبة كبيرة من اعضاء برلماننا العتيد وحكومتنا الموقرة. كيف نتوقع من وزير تحصيله الاكاديمي هو الثالث متوسط ان يعطي وهو المفتقر اصلا للعطاء علما انه مرشح قائمة تنبذ المحاصصة الطائفية وتدعو الى اعتماد معيار الكفاءة عند الاختيار؟ وكيف نتوقع من برلماني لايملك من امره شروى نقير ان يكون عنصرا فعالا ومنتجا في البرلمان وهو الذي لايستطيع ان يخالف امر زعيمه الحزبي او الطائفي او العرقي الذي جاء به لا لشئ سوى ليزيد به السواد عند التصويت على (المشاريع) المقدمة ؟
من يصدق ان مائة وستة وسبعين عضوا من اعضاء البرلمان العراقي البالغ عدده مائتان وخمسة وسبعون سيغادرون العراق هذه الايام لحج بيت الله الحرام رغم الفتوى الصادرة من احد المراجع بحرمة مثل هذا العمل لان البلد يمر في ظروف استثنائية؟ بالله عليكم ايهما اهم الطواف حول الكعبة ام وقف نزيف الدم اليومي في العراق؟ هل هذا السلوك يعبر عن ادنى شعور بالمسؤولية تجاه الوطن والمواطنيين الذين جادوا بانفسهم في سبيل الانتخابات؟ والانكى من كل ذلك هي حالة الغياب والتغيب التي باتت تشكل ظاهرة في البرلمان العراقي فاكثر زعماء الكتل البرلمانية لايحضرون جلسات البرلمان لانهم في سفر دائم ورحلات مكوكية فاقت رحلة ابن بطوطة ! واما جلسات البرلمان فقد تحولت الى ميدان لصراع الديكة بين عمة بيضاء وسدارة سوداء تتبادل بها التهم والشتائم والتي سرعان ما تتحول الى رصاص يحصد الابرياء في الشوارع ويدفع ثمنه الفقراء من المواطنيين الذين لاناقة لهم بالامر ولا جمل سوى انهم ينتمون الى نفس الطوائف التي تنحدر منها الديكة المتصارعة تحت قبة البرلمان.
هذا هو حال برلماننا المنتخب والذي عولت عليه الجماهير التي انتخبته كثيرا. واذا ما علمنا ان هذا البرلمان بتناقضاته وهذه الحكومة القاصرة هما اهم نتائج الانتخابات ادركنا عند ذلك السبب في عدم تحقيق الانتخابات العراقية بعد عام على حصولها لاي انجاز ذي قيمة تذكر. لكن ذلك لايعني نهاية المطاف فما تزال الفرصة قائمة امام العراقيين لتصحيح هذا الوضع الخاطئ من خلال اجراء تغيير حكومي شامل يتجاوز حالة المحاصصة الطائفية والقومية وليس تغييرا طفيفا كما يريده بعض المستفيدين من اجواء المحاصصة المقيتة والتي على ما يبدو ان لا مستقبل لهم بدونها. لابد من تغيير وزاري جذري ووزارة كفوءة تنقاد كليا الى رئيسها المالكي،يقدم اعضائها مصلحة العراق قبل كل مصلحة ليردوا بذلك الجميل للشعب العراقي الصابر والذي بات على وشك الانفجار لكثرة الضغوط عليه والحكمة تقول (اتق صولة الحليم اذا غضب).
التعليقات