من المفارقات التي اعتادت عليها، وتتمتع بها مجتمعاتنا العربية والإسلامية. أن ما هو حق هنا، باطل هناك. وما هو وطني في هذا البلد، استعماري في بلد آخر. وما هو شعبي جماهيري في هذه القبيلة، عدو للشعب والجماهير في القبيلة الأخرى.
الأوضاع الفلسطينية والأوضاع اللبنانية متشابهة. بل تكاد تكون متطابقة إلى حد كبير. ولعلها أيضا مترابطة ترابطا شديدا فيما بينها. فما يحدث هنا انعكاس أو نتيجة أو سبب أو تتمة لما يحدث هناك. وقد ينسحب هذا على كل المناطق العربية والإسلامية. خاصة وإن الثقافة واحدة، والمشكلات والتطلعات واحدة، والتربية واحدة، وطريقة التفكير والممارسة واحدة، والمصالح والدوافع التي قد تكون شخصية أحيانا متوفرة وقائمة.
كثيرة هي أوجه التباين والتطابق بين الوضعين الفلسطيني واللبناني الذي يحوي كل منهما حكومة ومعارضة. مع الإشارة إلى أن الحكومة في فلسطين تقودها حماس، والمعارضة في لبنان يقودها حزب الله. وهذين الفصيلين حسب التصنيف الرائج هما قوى ممانعة أو قوى مقاومة، وبينهما التقاء في الفكر وتقاطع في المصالح وتوجهات مشتركة في السياسة والتحالفات. بينما يقود الحكومة في لبنان تيار المستقبل. وتقود المعارضة في فلسطين حركة فتح. وهذين الفصيلين حسب التصنيف إياه يسميان قوى معتدلة. وبينهما أيضا تناغم ومصالح متقاطعة، وربما تحالف وتنسيق. وكل ثنائي من هؤلاء تدعمه قوى عربية وإسلامية وأجنبية تكن أكبر العداء للثنائي الآخر ومن يتحالف معه وينصره.
تتلاقى الحكومتان اللبنانية والفلسطينية (المستقبل- حماس) على عدة عناوين وتحاولان توظيفهما لمصلحتهما وبقائهما. فكلا الحكومتين بسبب مطالب ومواقف المعارضة تخوفان الناس في بلديهما من الحرب الأهلية، بينما المعارضة في البلدين (فتح وحزب الله) تنفيان ذلك وتطمئنان الناس، وتعتبران ذلك خطا أحمر لن يقعا في فخه وشره.
إضافة إلى ذلك فإن كلا الرئيسين المنتخبين دستوريا، في لبنان وفلسطين، يتهمان الحكومة كل في بلده، ويعملان على إسقاطها، ويقفان إلى جانب المعارضة ويدعمانها بكل ما أوتيا من قوة.
وفيما تعتبر المعارضة بقيادة فتح وحزب الله أن حكومتيهما فقدتا شرعيتهما، وتنكرتا لحقوق ومطالب شعبيهما، وأنهكتاه وجوعتاه. مطالبتين بحكومة وحدة وطنية، أو انتخابات تشريعية مبكرة. فإن حكومتي حماس والمستقبل تتهمان المعارضة بإعاقة عمليهما، وتجادلان بالدستور، وتتذرعان بشتى الحجج بشأن حكومة الوحدة الوطنية، وترفضان الانتخابات التشريعية المبكرة، مطالبتين باحترام نتائج الانتخابات الديمقراطية، ومتمسكتين بحقيهما في إتمام ولايتهما.
وكما تنظر حكومة حماس في فلسطين إلى مطالب المعارضة وتضفي عليها الألوان والأصباغ والدوافع والأسباب، كذلك تفعل الحكومة اللبنانية مع معارضيها. وكم سيكون الأمر غريبا لو أن إحدى الحكومتين اللبنانية أو الفلسطينية أعطت الحق للمعارضة ومطالبها في البلد الآخر، وأيدتها ودعمتها. بينما تحجب هذا الحق عن المعارضة في بلدها، وتعتبره ناتجا عن إملاءات خارجية، وغير شرعي وغير دستوري.
لكن المفارقة أن تتحالف قوى المعارضة مع الحكومات خلافا لحركة التاريخ والمجتمع التي تستدعي أن تتحالف قوى المعارضة مع بعضها في وجه الحكومات، وتتحالف الحكومات مع بعضها ضد المعارضة، خاصة في مجتمعاتنا العربية التي تعاني من المشكلات والمآسي ذاتها، وتتطلع شعوبها إلى النهوض، وتُحمل الحكومات سبب هذه المآسي والمشكلات والإعاقات (فقر- جهل- قمع- اضطهاد- تنمية- فساد- سوء توزيع الثروات- ديمقراطية- حقوق إنسان- التمييز ضد المرأة ...الخ).
ومن المفارقات أيضا أن إضعاف الحكومة في أحد البلدين هو تقوية للحكومة في البلد الآخر، وإضعاف لمعارضتها. والعكس بالعكس صحيح. ومن هنا يمكن أن يتبادر لنا أن دعوة الرئيس الفلسطيني لانتخابات مبكرة ضد حكومة حماس، يمكن أن يصب في صالح الحكومة اللبنانية ضد معارضيها.
[email protected]