نشرت صحيفة الوسط التونسية بتاريخ 5 ديسمبر الماضي مقالاً للدكتور خالد شوكات بعنوان quot;تونس... لا تغيير إلا من رحم النظامquot; (www.tunisalwasat.com). يرى الكاتب أن التغيير القادم على رأس السلطة في تونس سيكون من داخل الحزب الحاكم نفسه، نتيجة ضعف المعارضة، فالإسلاميون quot;أنهكتهم حملات الاستئصال التي شنت ضدهم... كما أنهكهم تمسك حركتهم الرئيسي بنظام الزعامة مدى الحياة، وبشكل حزب شمولي أقرب إلى شكل الأحزاب الشيوعية اللينينية والتسالينية أو الطوائف الدينية والطرق الصوفيةquot;، بالإضافة لضعف قوى المعارضة الأخرى نتيجة quot;عدم نضجها الأخلاقي وانغماس العديد من زعمائها ونشطائها في خصومات ومؤامرات صغيرةquot;.

هكذا تغيير حسب د. خالد شوكات ليس فقط هو الأرجح، بل هو المأمول أيضاً، على اعتباره quot;شرط عدم جر البلاد إلى حالة فوضى وفتنة ... لأن حزب الحركة الوطنية سيظل قوة الوسط السياسي الرئيسية والحائل دون تطرفها يميناً أو يساراً quot;، وهو في تقديري الحائل أيضا دون وقوع البلاد في الفوضى على الطريقة الإيرانية، أو السودانية -التي تسبب فيها الشيخ حسن الترابي اثر وصوله للسلطة عن طريق الانقلاب في 1989-، أو الجزائرية، أو الطالبانية في أفغانستان.

والحقيقة أن أول من تطرق لهذه المسالة المصيرية لمستقبل تونس هو العفيف الأخضر في مقاله القيم quot; الحداثة التونسية في عيدها الخمسين quot; ( موقع إيلاف، 20 مارس 2006)، حيث نبه إلى تسارع التاريخ مما يجعل quot; مقترح رئيس الدولة التونسية منذ 15سنة لانقسام الحزب الحاكم إلى حزبين، واحد ليبرالي وآخر اشتراكي ديمقراطي، بعد 30 سنة، ضرورة في الوقت الراهن quot;. ودلل العفيف الخضر على ذلك بالخطر الضعيف لكنه قائم لاستحواذ حركة النهضة الأصولية على الحكم، وهي quot; الطالبانية حقيقة لا مجازاً quot; كما شهد بذلك المؤرخ الإسلامي الأستاذ محمد الطالبي في حوار له مع مجلة quot; جونافريك quot;، اذ نبه إلى حقيقة أن مشروع راشد الغنوشي للحكم هو مشروع quot;طالباني لا غبار عليهquot;.
وفي تقديري الشخصي على الأقل، إن للحزب الحر الدستوري الجديد الكثير مما يفخر به. فمنذ تأسيسه على يد الزعيم الحبيب بورقيبة عام 1934، تمكن من تهميش القوى التقليدية المتخلفة، مما سمح له بالتفاوض بحرية مع فرنسا وانتزاع الاستقلال بأقل التكاليف. كما حقق بعد ذلك إصلاحات لا مثيل لها في الدول العربية، خصوصا في مجالات حقوق المرأة والتعليم، مما انعكس على نسبة نمو اقتصادي سنوي خلال العقود الخمسة الماضية في حدود 5%، وهي أعلى نسبة في الدول النامية باستثناء النمور الآسيوية. وحتى عندما أخطأت القيادة - كما حصل في تجربة التعاونيات الزراعية عام 1965 -، تم إصلاح الخطأ بسرعة. وعندما حدث تغيير على رأس الدولة عام 1987، تواصلت الإصلاحات الاقتصادية بوتائر أسرع، بل كانت تونس سباقة إلى المصادقة على اتفاقية التجارة الحرة مع دول الاتحاد الأوروبي عام 1995، والتي حصدت من خلالها البلاد دعماً أوروبياً لا يقدر بثمن، وتمكنت من تحديث أكثر من 2300 مؤسسة تصديرية -منذ بداية البرنامج حتى الان.

كما لا بد من التنويه إلى أنه لم يحصل أي تراجع في مجال حقوق المرأة، التي تدعمت مكاسبها مما أصاب أعداء المرأة ndash; أساسا حركة النهضة لشيخها مدى الحياة راشد الغنوشي ndash; بخيبة كبرى، بعد فشل ما روجت له من ضرورة مراجعة قوانين الحالة الشخصية، بهدف العودة إلى تعدد الزوجات، إذ حصل عكس ذلك تماماً، عام 1993، بصدور quot; قانون فريد في العالم العربي ألغى ركيزة المجتمع البطريقي : سيطرة الرجل المطلقة على المرأة. لم يعد الرجل هو رئيس العائلة وليس للمرأة والأبناء إلا السمع والطاعة، بل بات الزوجان كلاهما يديران العائلة بشراكة متساوية quot; ( العفيف الأخضر: المصدر السابق ).

لعل أهم سابقة في تغيير سياسي من رحم الحزب الحاكم تخص تحول الحزب الشيوعي المجرى عام 1989 إلى حزب اشتراكي ديمقراطي، مما جنب البلاد ويلات الفوضى والهزات الاجتماعية، وهي تجربة هامة من المهم تدارسها للتطور السياسي السلس في تونـس المستقبـل.

من اجل تحقيق تداول سلمي على الحكم، ينبغي أن يكون الهدف المركزي، منذ الان، للـقوى السياسية الحية، سواء في الحزب الدستوري الحاكم أم في المعارضة، قطع الطريق على المشروع quot; الطالباني quot;، الحاكم حكما هاذيا بإلغاء مكاسب المرأة التونسية و الإطاحة بقيم الجمهورية، و من ثم جر البلاد إلى أتون حرب أهلية لن تقل دموية و بشاعة عن الحرب الأهلية التي جرت quot;جبهة الإنقاذ quot; الأصولية الجزائر إليها بسبب quot;جين و غباء القيادة quot; كما صرح بذلك علانية القائد السابق لــ quot;جيش الإنقاذquot;، وهي القيادة التي ارتبط معها راشد الغنوشي بعلاقة قوية، بل عول على دعمها لإسقاط نظام الحكم في تونس و تنفيذ مشروعه التخريبي.

كاتب المقال منسق اللجنة الدولية للدفاع عن العفيف الأخضر
[email protected]