قرْأتُ ما جاء في جريدة إيلاف عن الأُستاذ الأديب البروفيسور شموئيل {سامي} موريه تحت عنوان quot;شجون وذكرياتquot; وبعدها قرأتُ تعليقات القراء من مؤيّد ومشجع لما جاء فيها ومن ناقد ومستاء من إتاحة الفرصة لأديب وشاعر عراقي ينتمي الى الطائقة الإسرائيلة العراقية أو الموسويّة كما سُمّيت فيما يعد لإزالة أيّة علاقة وإن كانت بالإسم فقط بدولة إسرائيل.
وبعد القراءة وجدتُ نفسي مرغماٌ على الرد على المستائين لاُذكرهم بما جرى لنا نحن يهود العراق من ظلم وجور تحت الحكومات والأنظمة التي تعاقبت بعد رحيل المغفور له الملك فيصل الأوّل رحمه الله.
ففي الثلاثبنيات من القرن المنصرم راجت الدعاية النازية في العراق وسددت سهامها نحو اليهود حيث أُلقيت القنابل اليدوية على كنائسهم وكثرت الإعتداءات عليهم في الشوارع حتى بلغ عدد الذين لقوا مصرعهم في تلك الفترة 9 أشخاص. وتفاقمت روح العداء حتى بلغت أوجها في 1-2 من شهر مايس عام 1941 بمذبحة الفرهود التي ذهب ضحيّتها 180 صريعاُ من رحال ونساء وأطفال، ناهيك عن جرائم النهب والسلب والإغتصاب التي ارتكبتْ يحقهم. ولتعليل هذه الأعمال إدّعى البعض أنها حصلت في فترة بات العراق فيها دون حكومة أو سلطة إثر هروب أعضاء حكومة رشيد عالي الكيلاني من البلاد تاركين حبل أمن العراق على الغارب. وكان هذا التعليل أو التحليل مقنعا نوعَاََ ما لدى أوساط واسعة من اليهود واستمروا في العيش في عراقهم الحبيب آملين بعودة الأمن والهدوء إلى نصابيها الطبيعي. ولكنهم ما لبثوا وأن وجدوا حالهم أمام إرهاب عنيف بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948 شنته ضدهم الحكومات العراقية المتعاقبة تسنده فتاوى دينية وصحافة محرّضة ومعادية لا تقل نابيّتُها عن الدعايات النازيّة في حينها. حيث زُجّ الكثير منهم في السجون وُطرد آخرون من الوظائف الحكومية واتخذت ضدّهم إجراءات تعسفية متنوّعة للحد من نشاطهم الإقتصادي والنيل من حريتهم وكرامتهم. وكان لمحاكمة الثري اليهودي شفيق عدس وتوجيه اتهامات ملفقة وواهية ضده وشنقه وتعليقه أمام قصره في البصرة ألأثر البالغ في نفوس أبناء هذه الحالية وأخذ الشك يراودهم حول إمكانية البقاء والعيش بأمان في العراق.
إن مغادرة اليهود الجماعية للعراق بعد صدور قانون إسقاط الجنسية كانت نتيجة لتلك الممارسات التعسفية والاإنسانية التي ارتكبت بحقهم.
أما الباقون وكان عددهم في مطلع الخمسينيات ما يقارب العشرة آلاف فقد آثروا البقاء في وطنهم الحبيب. وكان معظم هؤلاء من الطبقة الراقية والمثقفة. منهم الحاخام الأكير ساسون خضوري والعين مناحيم صالح دانيال والمحامي الشهير يوسف الكبير وأخيه يوسف الكبير والشاعرين أنور شاؤول ومئير بصري وآخرين غيرهم من عليّة القوم.
وبعد الهجرة الجماعيّة أرخت الحكومات العراقيّة من وتر الإضطهاد ضدهم وأزالت عنهم بعض القيود بما في ذلك حريّة السفر إلى خارج العراق وأبقت قيوداً أُخرى.
وجاءت ثورة 14 تموز عام 1958 وتنفس يهود العراق الصعداء وأُعيدت لهم حريّاتهم وباشروا بممارسة أعمالهم ومتطلبات العيش بحريّة وقُُبلوا في الجامعات الحكوميّة وانبعثت فيهم من جديد روح الأمل بإمكانية العيش بهدوء وأمان في بلادهم الحبيبة، حتى أن البعض ممن ترك العراق منهم عاد إليه ليبدأَََََ الحياة من جديد.
ولكن سرعان ما اكفهرت السماء وأُوصدت أبواب الحرية في وجوههم بعد الإنقلاب الذي أطاح بعبد الكريم قاسم والذي دبّرهُ عبد السلام عارف وحزب البعث في الثامن من شهر شباط عام 1963. وعادوا إلى الإنكماش ممنوعين من السفر إلى خارج العراق أو الدخول إلى الجامعات والمعاهد الحكوميّة العليا لتحصيل الدراسة.
وبعد حرب الأيام الستة واندحار الجيوش العربية أمام الجيش الإسرائيلي بدأت أحوال اليهود في العراق بالتغيّر من سيءًًًًًًًًًًًًًًًًَِِ إلى أسوأِ. وأفرغ حكام العراق جمّ غضبهم عليهم، كأنهم كانوا السبب في النكبة التي انتابتهم واُلإحباط الذي سيطر عليهم . وباشرت حكومة طاهر يحيى باتخاذ الإجراءات التعسفيّة ضدهم وحدت من نطاق سفرهم داخل العراق وحتى داخل بغداد وألقت الكثير منهم في السجون وقطعت هواتفهم وصادرت ملعب طلاّبهم الرياضي وأغلقت صيدلياتهم وبات الكثير منهم بدون عمل أو مصدر رزق.
ثم جاء حزب البعث بانقلابين في شهر تموز من عام 1968 وباشر في الإعتقالات والإغتيالات بادئا بالأقليّة اليهوديّة المستضعفة التي لا حول لها ولا قوّة. وعلّق على أعواد المشانق في 27 من شهر يناير 1969 تسعة منهم بينهم شباب لم يبلغوا سنّ الرشد. كما وأُلقي القبض على الكثير منهم بمن فيهم نجل الحاخام ساسون خضوري ورئيس الطائفه الشاعر والأديب مئير بصري وأُُودعوا في السجن الرهيب الذي أطلقوا عليه اسم ،،قصرالنهاية،،. ويلغ عدد الذين لقوا حتفهم من اليهود منذ بداية عام 1969 وحتّى منتصف عام 1973 ستة وأربعون شخصا بين مشنوق ومغتال ومخطوف. الأمر الذي أثار ضجّة عالميّة استنكرت فيها حكومات وأوساط عالميّة ودينيّة كبرى سياسة الإضطهاد التي مارسها آنذاك حزب البعث ضدّ اليهود.
وكان أكثرية الذين آثروا البقاء في العراق من زعماء القوم وأغنيائه. وعند كل محنة ظنوا أنها سحابة عابرة سرعان ما تنقشع. والمثال على تمسك يهود العراق بوطنهم حتى في تلك الحقبة الدامية والعصيبة هي أربعة أبيات من الشعر نظّمها الشاعر أنور شاؤول في أوائل عام 1969، قال فيها :
إنْ كنتُ مِِِِنْ موسى قبستُ عقيدتى فأنا المقيمُ ِ بظلِِّ دينِ محمّدِ
وسماحةُ الإسلامِ كانت موئلي وبلاعةُ القرآن كانت موردي
ما نالَ منْ حبّي لأُمّة أحمدِ كوني على دينِ الكليمِ تعبّدي
سأظلُّ ذياك السموءلُ في الوفا أسُعدتّ في بغدادَ أم لم أُسعد
ولكن حتى quot;سموءلنا quot; هذا لم يعدْ يستطيع الصمود تحت نير الإضطهاد والوفاء بوعده وغادر العراق إلى إسرائيل في أيلول من عام 1971 ونشر فيها ديوان من شعره تحت عنوان quot;وبزغ فجرٌ جديدquot;.
بئر السبع
التعليقات