لقد انسحبت سلطة ومؤسسات وجيش الدولة العراقية في آذار 1991 من الشمال العراقي ذات (الغالبية الكردية)، بعد دخول قوات (التحالف الدولي) الى العراق، وهو التحالف الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية عام 1991 لتحرير الكويت من الغزو العراقي لها. إذ اعتبر الشمال العراقي حتى خط العرض(36) (منطقة آمنة) يحظر على قوات (صدام حسين) دخولها. وبموجب الدستور الجديد الذي وضع للعراق وإعلانه (دولة اتحادية فدرالية)، بعد الغزو الأمريكي له وإسقاط نظام صدام حسين، في نيسان 2003، اعترفت الحكومة المركزية في بغداد بإقليم كردستان كإقليم فدرالي ضمن الدولة العراقية يتمتع بالحكم الذاتي وانتخب السيد (مسعود البرزاني) رئيساً للإقليم. منذ بداية هذه التحولات السياسية والعسكرية الدراماتيكية التي حصلت في العراق، نحن السوريون المهتمون بالشأن العراقي نقرأ ونسمع عن (التجربة الديمقراطية) الرائدة للحكومة الكردية التي تحكم الإقليم وتدير شؤونه بطريقة هي اقرب إلى سلطات(الدولة المستقلة)، مستفيدة من شلل وعطالة(حكومة المركز) في بغداد، بسبب تدهور الأوضاع الأمنية والتناقضات السياسية والمذهبية والعرقية بين الكتل والأطراف الأساسية التي تتشكل منها.

بتاريخ 2/12/2006، نشر موقع (كوردستان بوست) الالكتروني خبراً مفاده: ((ان وزير المالية في الكابينة الخامسة لحكومة الاقليم المدعو (سركيس اغاجان)، وتصفه بالشخص المقرب من عائلة البارزاني وتربطه علاقات قوية وخاصة مع السيد نيجيرفان البارزاني، بأنه منكب ولفترة طويلة لتحقيق حلم الآشوريين. وبأنه استطاع وبمساعدة ودعم عائلة البارزاني وعلاقاته القوية مع شخصي مسعود البارزاني وجلال الطالباني، استطاع ان يقنع نيجيرفان البارزاني لمساندته في انشاء وطن للآشوريين ومنحهم حق الحكم الذاتي))- الخبر قرأناه باللغة العربية على
- www. ankawa. com في 5 كانون الأول 2006-12 ). بالطبع، الخبر لا يخفي الافتخار والتباهي والتبجح بالنفوذ الغير محدود للسيد (نيجيرفان البرزاني) في حكومة وسلطة الإقليم. ويبدو أن نشوة الانتصار القومي الكردي والاستئثار بالسلطة والقرار والثروة في الإقليم من قبل القيادات والزعامات الكردية التقليدية، أنساهم أن نشر مثل هذه الأخبار والكشف عن هكذا وقائع وممارسات سياسية تكشف وتعري زيف ادعاءات هذه القيادات والزعامات فيما يخص الديمقراطية وسلطة القانون والمؤسسات التي يقولون أنهم أرسوا أسسها في (إقليم كردستان) منذ انسحاب سلطة وإدارة حكومة المركز منه و بدء سلطتهم الفعلية عليه. ويؤكد مثل هذا الخبر، أن الحديث والكتابة عن الحريات والحقوق والديمقراطية الكردية شيء وما هو مطبق على أرض الواقع شيء آخر. ويبدو أن الحكومة الكردية لن تختلف عن باقي أنظمة وحكومات دول المنطقة، جمهوريات كانت أم ملكيات، مشيخات كانت أم إمارات، التي حولت دولها الى مجرد مزارع واقطاعيات مملوكة للعائلة أو للطائفة الحاكمة أو بأفضل الحالات للحزب الحاكم، وجعلت من الشعوب مجرد قطعان و(رعايا) لديها وليسوا بمواطنين. بالطبع لم يكن أحداً يتوقع أن يتحول (الشمال العراقي) في ظل الحكومة الكردية الى (سويسرا الشرق) في الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وبناء دولة المواطنة خلال عقد ونصف من الحكم الذاتي، لكن بالمقابل لم نكن ننتظر أبداً أن تقلد الحكومة الكردية، في تركيبتها وطريقة حكمها، الدكتاتور البائد (صدام حسين)، الموجود في قفص العدالة وينتظره حبل المشنقة، وتعيد إنتاج من جديد عدي وقصي وبرزان التكريتي وطارق عزيز وطه ياسين رمضان بأسماء كردية، خاصة وإن الأخوة (أكراد العراق) هم أكثر من عانى من مظالم حكم وبطش نظام صدام حسين.

إذ كان من المفترض أن تكون القيادات الكردية، بعد هذه المعاناة الطويلة، اكثر قابلية واستعداد ونضوج لإقامة سلطة القانون والمؤسسات والقضاء المستقل وأكثر دفاعاً عن الديمقراطية والحريات السياسية، وأكثر الحكومات تحسساً لمعاناة الآخرين وأكثرها تجاوباً مع المطالب المشروعة للقوميات الأخرى التي تعيش في الإقليم وأكثرها احتراماً لحقوق الإنسان ولحقوق المواطنة. لنتأمل الخبر الذي نشره الموقع الكردي، الذي يؤكد على السلطات والصلاحيات، التشريعية والتنفيذية والقضائية، المطلقة التي يتمتع بها الأستاذ(نيجيرفان)، رئيس حكومة الإقليم، وهو ابن أخيه لرئيس الإقليم السيد(مسعود البرزاني). وقد أوهم السيد نيجرفان بصلاحياته المطلقة ونفوذه الذي لا حدود له في حكومة الإقليم، الكثير من الآشوريين (سريان/كلدان) والمسيحيين، حتى أحزابهم وتنظيماتهم السياسية ومؤسساتهم الدينية، ليس في العراق فحسب وإنما خارج العراق أيضاً، أوهمهم بأنه هو أملهم الوحيد ومخلصهم المنتظر في تحقيق (حلمهم القومي) بإنشاء (وطن للآشوريين ومنحهم الحكم الذاتي)، تكريماً وتقديراً للعلاقة الخاصة والمتميزة للأستاذ (سركيس آغاجان)-الوزير الآشوري في الحكومة الكردية وهو قيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم- بالسيد نيجيرفان البرزاني ومع عائلة البرزاني. فأين الناحية المبدأية والقاعدة الحقوقية والقانونية والديمقراطية في تعامل الطرف الكردي مع الحقوق المشروعة للآشوريين، إذا كان طرح مشروع الحكم الذاتي للآشوريين يعود فقط لوجود السيد سركيس آغاجان بحكومة الإقليم؟. بمعنى آخر ما كان ليطرح
هذا المشروع لولا وجود السيد سركيس آغاجان في الحكومة الكردية وعلاقاته المتميزة مع عائلة البرزاني، حتى لو طالبت به جميع الأحزاب والتنظيمات والكنائس والمؤسسات الآشورية.


لا شك، أن (الأحزاب الآشورية)، على اختلاف تسمياتها، السريانية الكلدانية، التي تقف اليوم متحمسة خلف السيد سركيس آغاجان ووضعت كل البيض الآشوري في سلة (حكومة الإقليم)، وأسقطت من حساباتها حكومة المركز، هي تغطي، بشكل أو بآخر، على إفلاسها السياسي والقومي وعدم توفر البديل لديها لما يطرحه نيجيرفان، أو بالأحرى هي تخفي عجزها التام عن تقديم البديل، خاصة امام تدهور الأوضاع الأمنية وبشكل خطير في العراق، وموقف هذه الأحزاب الآشورية هنا هو أشبه بالغريق الذي يتعلق بالقشة. ربما لا نختلف على توصيف الحالة العراقية عامة والآشورية المسيحية خاصة، وعلى ضعف (المجتمع الآشوري) ومحدودية الخيارات السياسية أمام الآشوريين العراقيين وصعوبة المرحلة والمخاطر التي تهدد وجودهم في العراق، لكن من الخطأ القاتل إذا ما استسلم الآشوريون كلياً لقدرهم وللظروف التي يمرون بها وأعلنوا بأن لم يبق أمل لهم سوى بما يطرحه الآخرون عليهم، أكراد كانوا أم غير أكراد. إذ أعتقد بأن ما زال بالامكان أن يفعل الآشوريون أشياءً والقيام بخطوات عملية من شأنها أن تحسن شروطهم السياسية والقومية على الساحة العراقية، طبعاً إذا ما توفرت (الإرادة والعزيمة الآشورية) و(روح التضحية) لديهم، وإذا ما تضافرت جهود جميع الآشوريين، بجميع مؤسساتهم وأحزابهم وفعالياتهم، السياسية والاجتماعية والدينية، داخل العراق وفي العالم، خاصة وأن الصورة النهائية للدولة العراقية مازالت غير نهائية وغير محسومة، وأن التوازنات السياسية داخل العراق قابلة لأن تتبدل وتتغيراً تبعاً لتبدل سياسات بعض الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة على الساحة العراقية.لا أحد ينكر بأن آشوريي العراق هم أدرى بظروفهم وبمصالحهم، لكن أعتقد من حقنا، بحكم الانتماء القومي المشترك وارتباط المصير وفي ظل المخاوف من الضبابية التي تلف المشهد العراقي عامة وموقف الحكومة الكردية من المسألة الآشورية خاصة والتي تسعى لتوسيع خريطة إقليم كردستان ولو على حساب حقوق الآشوريين والتركمان وغيرهم، من حقنا أن نتساءل: أي آفاق مستقبلية للآشوريين العراقيين إذا كان مشروعهم القومي اليوم يرتبط بشخص بعينه، أياً يكن هذا الشخص؟. فهل حقاً مصير الآشوريين العراقيين اليوم يتوقف على قرار من السيد نيجيرفان البرزاني(رئيس الحكومة الكردية) ورغبة سركيس آغاجان بتحقيق ذلك؟. بالطبع الإجابة هي برسم الأحزاب والتنظيمات الآشورية الكلدانية السريانية عامة، داخل
وخارج العراق!.

كاتب من سوريا... مهتم بحقوق الأقليات
shosin@scs-net. org