في وقت يصرّ مسؤولون عراقيون على تنفيذ حكم الأعدام في حقّ الرئيس المخلوع صدّام حسين، لا مفرّ من التذكير بأن القضية ليست قضية أعدام الرجل، الذي أعدم، بمقدار

آراء متعارضة في إعدام صدام
ما أنًها قضيّة مصير العراق، البلد العربي سابقاً والمهدد بالتفتت والتقسيم. وربّما الأهمّ من ذلك كلّه المطلوب من خلال تنفيذ الحكم تأكيد من صاحب النفوذ الأكبر على الأراضي العراقية، أو على الأصحّ من الذي يتحكّم بالقرار العراقي بالفعل وليس بمجرّد الكلام؟ لو لم يكن الأمر كذلك لما كان صدر حكم بأُعدم صدّام في هذه الفترة بالذات بسبب قضية الدجيل التي تعود ألى العام 1982، في أثناء الحرب العراقية- الأيرانية وليس لسبب آخر؟ هل كان مطلوباً اعدام صدّام بسبب قضيّة الدجيل لأّن حزب quot;الدعوةquot; الذي ينتمي أليه رئيس الوزراء نوري المالكي معني مباشرة بالقضية وهي قضيّة مرتبطة في جانب أساسي منها بالحرب مع أيران؟ هل مطلوب أعدام صدّام بسبب هذه القضيّة لأنَ أدانة الرئيس العراقي المخلوع ستجرّ ألى أدانة أخيه برزان المطلوب أيضاً أعدامه من قبل حزب quot;الدعوةquot;...
تبدو القضيّة مكشوفة، حتى لا نقول أنها فضيحة بحدّ ذاتها. لدى حزب quot;الدعوةquot; حقد شخصي على صدّام وبرزان الذي كان مديراً للمخابرات حتى أواخر العام 1983، قبل أن يدخل في خلاف مع أخيه لا مجال للخوض في تفاصيله بأستثناء أن في أساسه زواج حسين كامل حسن المجيد من رغد أبنة صدّام وأعتراض برزان وشقيقيه سبعاوي وطبان على الزواج. في الواقع، ليس في الأمكان الوصول ألى اعدام برزان من دون العودة ألى قضيّة الدجيل. ما الذي حصل في الدجيل؟ حصل أنّ صدام حسين تعرّض، حين كان لا يزال رئيساً، في أثناء زيارته لتلك البلدة الشيعية في تمّوز- يوليو من العام 1982 لمحاولة أغتيال . كعادته، ردّ صدّام على المحاولة بأنّ اعدم عدداً لا بأس به من سكان الدجيل. لم يفرّق بين الأبرياء وبين المتورطين في المحاولة. لم يفرّق صدّام يوماً بين مذنب وبريء. بالنسبة أليه كان مطلوباً التخلص من أيّ مشكوك في أمره بغض النظر عمّا اذا كان معه أو ضدّه. لا مجال للشكّ عند شخص مثل صدّام لا يعرف شيئاً عن العالم وعن كيفية التعاطي مع العالم. لو كان يعرف شيئاً عن ذلك لما كان أتخّذ القرار المجنون القاضي بدخول حرب مع أيران في العام 1980 من القرن الماضي ردّاً على أستفزازات أيرانية واضحة ، بل وقحة، تندرج في أطار السعي ألى تصدير الثورة الخمينية ألى العراق. كذلك، لو كانت لدى صدّام ذرة من العقل والوفاء للعرب والعروبة والتضامن مع الأخ العربي، لما كان أقدم على أرتكاب جريمة أحتلال الكويت التي أوصلته ألى حيث وصل أليه...
هناك مئة قضيّة اخرى يستأهل صدّام ألأعدام بسببها، لكن حزب quot;الدعوةquot; ومن خلفه النظام الأيراني، أختارا قضيّة الدجيل من منطلق أن برزان نفّذ ما أمره به أخيه بصفة كونه مديراً لجهاز المخابرات في حينه. وقتذاك، صار حزب quot;الدعوةquot; محظوراً وبات كلّ من ينتمي أليه، أو يشتبه بالأنتماء أليه، مهدّداً بالتصفية. ثمة حساب قديم لا بدّ من تصفيته مع صدّام وبرزان معاً لا أكثر ولا أقلّ.
ما يفترض أن يحاكم عليه صدّام في الأساس هو أنّه لم يعرف يوماً الحدود بين السياسة والمغامرة. بالنسبة أليه، كانت السياسة مغامرة، بل مقامرة. اعتقد في أستمرار أن المقامرة سياسة والسياسة مقامرة. في أساس اللعبة التي مارسها صدّام أنّه قادر على الذهاب ألى النهاية في المحافظة على النظام العائلي- البعثي الذي أقامه معتمداً المقامرة وذلك منذ أقدم حزب البعث على تأميم النفط في العراق في العام 1972 ، في عهد أحمد حسن البكر، معتقداً أن كلّ شيء بات مسموحاً له ما دام في الأمكان تأميم النفط من دون ردّ فعل دولي. نجحت المقامرة مرّة، بل مرّات، لكنّه لم يكن مكتوباً لها أن تنجح في كلّ مرّة. كان أحتلال الكويت نهاية صدّام. بعد أرتكابه تلك الجريمة الفظيعة، أنتهت اللعبة وفُتحت كل ملفّات الماضي، بما في ذلك تلك التي كان الأميركيون يساهمون في تغطيتها. وبين هذه الملفات كان ملف الدجيل.
لماذا الدجيل وليس الأنفال؟ لماذا الدجيل وليس قبل ذلك أعدام الرفاق البعثيين الذين كانت هناك شكوك في ولائهم في العام 1979 ، عندما تولّى صدّام الرئاسة خلفاً لأحمد حسن البكر؟ لماذ الدجيل وليس quot;المقابر الجماعيةquot; والمجازر المرتكبة في حقّ ألأكراد؟ الجواب بكلّ بساطة أن المطلوب أعدام صدّام في قضية لها علاقة بأيران والحرب على أيران وبحزب quot;الدعوةquot; بالذات. نعم من حق أيران الأنتقام ولكن هل على الأميركيين تنفيذ ما تطلبه أيران منهم؟
يبدو أن الأميركيين ينفّذون المطالب الأيرانية من حيث يدرون أو لا يدرون. هناك منتصر وحيد من حرب أميركا على العراق. هذا المنتصر هو أيران. لولا الأنتصار الأميركي في الحرب الأميركية على العراق، لما كان في أستطاعة النظام الأيراني لعب الدور الذي يلعبه حالياً، خصوصاً في لبنان، حيث تحوّل بفضل أداته المسمّاة quot;حزب اللهquot;، وكأنّ لله عزّ وجلّ حزباً، السعي ألى خطف لبنان وتعطيل الحياة فيه. يفعل النظام الأيراني ذلك من أجل تأكيد أنّه اللاعب الأول في ما يعتبره quot;الساحة اللبنانيةquot; من جهة ومن أجل الدفاع عن النظام السوري الذي صار تحت رحمته، بل تابعاً له، من جهة أخرى.
مرّة أخرى الموضوع ليس موضوع أعدام صدّام بمقدار ما أنّه موضوع تنفيذ أميركي لحكم أصدرته أيران بأعدام صدّام وأخيه برزان الذي لحزب quot;الدعوةquot; حساب يودّ تصفيته معهما. هل تنفّذ الأدارة الأميركية ما تريده أيران منها؟ ثمة من يعتقد أن لا حدود للغباء الأميركي بدليل أن الدولة العظمى الوحيدة في العالم تدخل حرباً وتحتلّ دولة مهمة، بل الدولة الأهمّ، في الشرق الأوسط من دون أن تكون لديها خطّة واضحة لمرحلة ما بعد الأحتلال. يبدو أن الأميركيين مقبلون على خطأ جديد في العراق، في حجم خطأ القرار بحلّ الجيش العراقي الذي يبدون ندمهم عليه الآن. ماذا ينفع الندم متى كان ممنوعاً على الأدارة الأميركية التعلّم من أخطاء الماضي القريب والأعتراف بأنّ حرب العراق غيّرت خريطة الشرق الأوسط، لكن هذه الحرب لم تغيّر الخريطة لمصلحة الولايات المتّحدة. تغيّرت الخريطة لمصلحة أيران ولا أحد آخر غير أيران. أعدام صدّام وبرزان، بصفة كون الأخير أحد الذين قاوموا ويمكن أن يقاوموا النفوذ الأيراني في العراق والمنطقة، خطأ جديد يمكن أن يرتكبه الأميركيون. هل يعود الأميركيون عن الخطأ قبل فوات الأوان، أم أن المطلوب منهم الأستمرار في نهج لا يصبّ سوى في مصلحة الأيرانيين ثم التساؤل لماذا ذلك الأصرار الأيراني على متابعة سياسة تحدي المجتمع الدولي. من الواضح أن هناك أصراراً أميركياً على التمسّك بالغباء ما دام المطلوب أعدام صدّام وأخيه برزان في قضيّة الدجيل لا لشيء سوى لأن ايران تريد ذلك. أيران كانت وراء محاولة الأغتيال التي تعرّض الرئيس العراقي المخلوع في الدجيل. أيران تنفّذ حالياً ما لم تستطع تحقيقه في العام 1982. هذه المرة، يحلّ الأميركيون مكان منفذي محاولة الأغتيال من أبناء الدجيل قبل ربع قرن. من قال أن النظام الأيراني ليس قادراً على الأنتقام مهما طال الزمن؟ تلك هي الرسالة التي يريد النظام الأيراني أيصالها ألى العراقيين. فحوى الرسالة أن في أستطاعتهم الأنتقام مهما طال الزمن. يستطيعون ذلك بواسطة أدواتهم. كما يستطيعون ذلك بواسطة أعدائهم المفترضين. من قال أنّهم غير قادرين على أستخدام quot;أعدائهمquot;، هذا أذا كانوا بالفعل أعدائهم، أفضل أستخدام؟