أحاول اليوم تعميق المقترح الذي قدمته لتشكيل حكومة وطنية ائتلافية وأؤكد هنا على أنه لا يطمح فقط الى تجاوز أزمة تشكيل الحكومة بل والى تحويلها لمنعطف ايجابي على طريق بناء النظام السياسي الدستوري في العراق. لن أهتم باسم المرشح المكلف والخلاف عليه، لأن المهم هو جوهر المقترح. ورغم اعتقادي بامكانية د. الجعفري أخذ المبادرة بتبنيه وعرضه على باقي الأطراف، الا أن الأصح هو اسناد هذه المهمة بنفسه لشخصية أخرى جديدة، لأن ذلك سيساهم في خلق ديناميكية أخرى أكثر ايجابية لدى مختلف الأطراف.

أسس المقترح:
1- ضرورة تشكيل الحكومة وفقاً لقواعد الدستور 2- التخلص من المحاصصة بين الأطراف المتواجدة على الساحة السياسية 3- أن quot;السياسة هي فن الممكنquot;، ويعني ذلك اعتبار الواقع السياسي وحسب 4- ان انضمام مكونات مختلفة تصطف قومياً ومذهبياً الى الحكومة يؤدي الى تثبيت الانتماءات الجزئية. أما الحكومة الوطنية الحقيقية فتقوم على تواجد الوزراء فيها كمواطنين عراقيين متميزين أ- بالكفاءة، ب- والنزاهة، ج- ومناهضة الاستبداد، د- وبانتمائهم المتنوع للمكونات الاجتماعية والقوائم السياسية المختلفة.

متطلبات المشروع:
1- تقبل القادة السياسيين لافساح المجال لغيرهم في تمثيل قوائمهم ومكوناتهم في الحكومة. وهنا تكمن الصعوبة الكبيرة التي تقف ضد هذا الاقتراح لأن المناخ الفكري الذي أسسته التجربة الماضية عوّدت القادة السياسيين على احتكارهم لتمثيل مكوناتهم في النظام السياسي وعلى تغليب ذلك على مصالح الآخرين وما سببه ذلك من تثبيت الاصطفاف القومي والمذهبي واضعاف روح المواطنة. ويمكنهم اليوم اغتنام هذه الفرصة بالاستجابة للارادة الوطنية واثبات أنهم لا ينوون تقاسم المناصب القيادية مع أقاربهم ومعاونيهم الى اشعار آخرإإ وعلى حساب المصلحة الوطنية التي يؤكد الجميع على ضرورة احترامها ...
2- تركيز النقاش والجهد الوطني على الأهم، أي بنود البرنامج الذي تلتزم بتنفيذه الحكومة ومن هم الوزراء بالمواصفات المذكورة والقادرون على تنفيذ مهماتهم في جو فريق متعدد وملتحم بمصالح الوطن العليا. ويعني ذلك اعداد قائمة صغيرة من قبل المكلف بالمرشحين لكل وزارة على هذه الأسس. ويقوم الائتلاف، بعد تبنيه لهذا البرنامج، عقد جلسات مُسجلة ومُوثقة لمناقشته وتعديله مع بقية الأطراف الداخلة في الحكومة وتتفق الأحزاب ورؤساء القوائم على دعم عملها. أما الآخرون الرافضون لما تبلور من برنامج، فيعلنون ممارسة دورهم كمعارضة بنّاءة وهو دور أساسي في النظام الديمقراطي. ويوقع الجميع على ميثاق يؤكد مشروعية جميع الأطراف وشرعية النظام السياسي القائم، وعلى ادانة وتجريم الارهابيين الصداميين والتكفيريين، مع حق الجميع في السعي لتعديل الدستور بالطرق المبينة فيه.
3- رئاسة حكومة وطنية: يقوم الائتلاف باختيار شخصية مخلصة وكفوءة، ومن غير قيادات التيار الاسلامي، لتنفيذ هذه المهمة، أي رئاسة الوزراء. وينبغي أن تتمتع هذه الشخصية بصبغة تقنية تفوق صبغتها السياسية وتمتلك ذهنية متفتحة. ويعلم الجميع أن هناك العديد من الشخصيات القريبة من الائتلاف تقوم بادارة مصالح حكومية غير سياسية (اقتصادية أو اجتماعية) ومنذ أكثر من سنة. مثل هذه الشخصيات ستكون أقدر على القيام بمهمة قيادة العمل الحكومي مع وزراء من المكونات والقوائم الأخرى وعلى أساس برنامج العمل الوطني.

شروط نجاح المشروع :
ويمكن ذكر بعض النقاط التي ستساهم في انجاح هذه العملية:
- على الشخصية المكلفة أن لا تنطلق من فكرة مسبقة لتحالف مفروض مع هذا المكون أو ذاك، بل تقوم باختيار المرشحين من جميع الأطياف السياسية والاجتماعية بالشروط التي ذكرناها، وسيراعي في نفس الوقت الاستحقاقات الانتخابية. اذا كان المقصود خدمة الوطن، فلا داعي للتخوف والتشبث بالمواقع طالما أن رئيس الوزراء سيظل مرتبطاً بتصويت نواب الائتلاف مع النواب الآخرين المنضمين الى مشروع هذه الوزارة والموقعين على ميثاق عملها.
- توسيع قاعدة الحكومة: بناء على انضمام الكيانات النيابية للميثاق الحكومي، سيكون بعض الوزراء من التحالف الكردستاني وآخرون من جبهة التوافق ومن قائمة د. علاوي والحزب الشيوعي ومن قائمة الرافدين ومن المستقلين مسلمين ومسحيين وصابئة، الخ. المهم أن تتوفر في الوزراء الشروط التي ذكرناها والتي هي شروط وطنية ومتفق عليها.
- أن لا يتم فرض الوزراء من قبل رؤساء القوائم بطريقة المحاصصة، بل يقوم رئيس الوزراء المكلف بمفاتحة من يراه مناسباً مباشرة من أعضاء هذه القوائم أو الفائزين منهم في الانتخابات أو من خارج المجلس.

2- رئاسة الجمهورية: في هذا السياق، سيكون من السهل الالتحام حول مرشحين لمجلس الرئاسة مقبولين من قبل الكيانات الاجتماعية والسياسية الممثلة في مجلس النواب. ونتوقع من قادتنا الذين يروجون لفكرة التوافق الضبابية أن يقدموا، في سياق حكومة وطنية، مثلاً حقيقياً على قبول التصويت (بأغلبية الثلثين) لمرشح مقبول للجميع، لا سيما عندما يمثل خطوة مهمة لتعزيز الوحدة الوطنية ولتوسيع القواعد الاجتماعية المشاركة في بناء النظام السياسي. وينطبق نفس الوضع على رئاسة مجلس النواب. لذلك فمن الممكن والواجب أيضاً السماح لممثلي الشعب بممارسة دورهم بشكل طبيعي. ورغم اقرارنا بأن الاتفاق على المناصب وارد وقد يُمارس في أنظمة ديمقراطية عديدة، ولكن ليس لأحد أن يخصص بشكل دائم رئاسة الجمهورية للأكراد ورئاسة مجلس النواب للسنة (على اعتبار رئاسة الوزراء للشيعة)، كمثل على التوزيع، بينما ندعي جميعاً أننا ضد اللبننة ونستنكر المحاصصة المذهبية والقومية (أوالطائفية والعرقية). لذلك، واستجابة للمطلب الذي يفرضه المنطق السياسي والحرص الوطني، وجب علينا ترك الفسحة الطبيعية لممثلي الشعب ليقولوا كلمتهم وتمكين المكونات الأخرى (من تركمان ومسيحيين وصابئة، الخ) لأن يساهموا فعلياً ويرشحوا أنفسهم لرئاسة الجمهورية أو رئاسة مجلس النواب أو نيابتيها. وعلى كل حال، ليس لأحد أن يتجاوز الدستور وquot;يستملكquot; مناصب الدولة أو يؤخر انعقاد مجلس النواب لعقد ما أصبح يسمى بالصفقة الكاملة لتوزيع المناصب الرئاسية. ومهما كانت اعتبارات هؤلاء السياسيين فانها تبقى ثانوية بالنسبة لمصلحة البلاد واستقرار نظامها السياسي.

يفرض مثل هذا المقترح نفسه اليوم على قادتنا السياسيين للتخلص من نزاعاتهم وأخذ المبادرة الصحيحة لتشكيل حكومة وطنية حقيقية ونظام سياسي على أسس وطنية ودستورية بعيداً عن الاصطفافات الجزئية ومحاصصاتها المقيتة. في هذا السياق، سنتخلص تدريجياً من الاصطفاف أو التخندق المذهبي والقومي ونعزز الاصطفاف الوطني الحريص على وحدة الصف. وستتاح الفرصة لتكون أحزاب وطنية الطابع في المستقبل القريب والبدء بتطوير الكيانات الحالية في هذا الاتجاه.

[email protected]