داوود الشريان يعتبر بالنسبة لنا نحن السعوديين صحفي لامع . ويعتبره إخواننا بني يعرب كاتب لامع. عرفنا داوود في اليمامة، في الدعوة، في المسلمون، وأخيراً في الحياة. وفي كل موقع تسلمه في مسيرته الصحفية الطويلة والثرية والناجحة، عرفناه صحفياً متميزاً ومحترفاً، يعرف كيف يتتعامل مع النشر، وكيف يصنع من صحيفته وجبة ذات مذاق شائق وجذاب وشهي. وعندما هاجر إلى الخارج، وكتبَ في (البيان) عرفَ السعوديون أن ثمة صحافة مكتوبة في الإمارات. غير أن أهل دبي لم يطيقوا عليه وعلى قلمه اللاذع صبرا، فترك (البيان) بين أهل فلسطين وأهل الشام و قلة قليلة من المصريين في دبي، فعادت (البيان) بين أهل الأمصار إلى سباتها تصدر كل صباح، بلا طعم وبلا هوية ولا حسٌ صحفي يُـذكر.
في اللقاء الأخير الذي نشرته إيلاف مع داوود عاد الشيخ الصحفي إلى صباه، تماماً كعودة رجل الستين إلى ريعان شبابه وعز فحولته بعد اكتشاف الفياجر . داوود تحدث بكل جرأة . فأومأ كثيراً ، وصرّح كثيراً ، ولمح كثيراً، وعاتب كثيراً، و(تشرّه) على أهله وذويه أكثر و أكثر . فعاد داوود كما عرفناه وأدمنـّـاه وتعلمنا منه، ليثبت أن الصحافة إبداع قبل أن تكون مهنة و معاش، وأن الصحفي الحقيقي لا يُحيّد، ولا يَـشيخ، ولا يموت، وأن عاشق القلم والقيم لا يمكن أن يتخلى عن عشقه وحبه وإخلاصه (لليلاه) مهما قست عليه الظروف ومهما (جَحَده) الأهلُ والأقربون .. يؤوبُ داوود بعد سفره، أو قل هجرته، إلى الصحافة قرير العين، كأوبة ذلك الذي عناه الشاعر بقوله: ( كما قرّ عيناً بالإيابِ المسافر) !
ربما أن الصقيع قد اضطره للهجرة، غير أن الربيع قادمٌ وها هي تباشيره تلوح في الآفاق. داوود قال الكثير ولم يسكت عن شيء . فليس لديه شيء يخفيه، أو يخاف منه، فهو كتاب مقروء، لسان حاله كلسان مقاله. ربما أنه يتخطى الخطوط الحمراء، وربما أنه مصابٌ بعمى ألوان أيضاً، غير أنه كما كان دائماً إنسان واضح، ليس لديه (أجندة) سرية وخاصة، و(تكتيك) مُـعين يتغير بتغير الظروف و توجهات الرياح . قد تختلف معه، وقد يزعجك، وأحياناً (يبغثر كبدك)، بل و (يغثك)، ولكنك تعرف أنه مؤمنٌ بما يقول، وإن كان مندفع (حبتين) في تكوين رأي معين دون أن يسبقه ما يجبُ من التؤدَة والتروي. ولكن هذا هو داوود ، إقبله كما هو، أو اتركه كما هو!
يقول في لقائه هنا في إيلاف: ( وما استغربه أن من أطلق من هولاء الصحويين من السجن ، يعاد quot;تلميعه quot; من جديد، ويُقدم كنجم وعلى نحو مبالغ فيه، بعض الناس يكتب مقالا وان شئت مقالات فيقال له اخرج من البلد، وآخر يجيش الشارع ثم يعاد تلميعه ويزاد من quot;زري بشتهquot;... السؤال هو البلد مع من ولمن وماذا تريد والى أين هي ذاهبة) ؟!
أسئلة، إذا لم تكن (ألغاماً) ! .. نسأل الله جلت قدرته أن يُعَـديه شرها ، لكنها، رغم جرأتها وصراحتها، تحملُ الكثير مما يدور في المجالس . فإذا كان (المتلوّن) الانتهازي يُكرّم، و يرفع من شانه، وتقال عثراته، بينما (يـَـدقم المعازيب) المخلصين الصادقين، فإن الشاعر الشعبي النجدي الذي قال ذات إبداع: ( يا والله اللي شان طبع المعازيب .... صبيّـهم ليجا المطر يطردونه) كان يتحدث عن واقع وليسَ ضرباً من خيال!
ويبقى السؤال: هل بلادنا التي أخرجت داوود، وأخرجت قبله تركي السديري ورضا لاري وخالد المالك وعثمان العمير وعبدالرحمن الراشد و وهاشم عبده هاشم وقينان الغامدي ومطر الاحمدي، تعجز الآن نساؤها من أن تلدَ واحداً ولو في ربع هؤلاء الرواد؟.. سؤال (يُـفحّـّط) يبحث عن إجابة!