تمر اليوم، التاسع من نيسان الأغر، الذكرى الثالثة لسقوط أبشع نظام فاشستي جائر عرفته البشرية. نظام اضطهد شعبه إلى حد أن اضطر معه هذا الشعب أن يطلب العون والإغاثة من المجتمع الدولي لحمايته وخلاصه، مفضلاً الاحتلال الأجنبي لبلاده على الحكم quot;الوطنيquot; الظالم. ستبقى صورة سقوط صنم صدام حسين في ساحة الفردوس حية في ذاكرة العراقيين وذاكرة البشرية إلى الأبد. وسيتذكر العراقيون والأجيال القادمة كيف انهالت الجماهير الغاضبة بضرب صنم صدام الساقط بالأحذية. والمعروف في التقاليد والأعراف العراقية والعربية أن استخدام الأحذية في الضرب يعتبر أشد إهانة توجه للعدو، وهذا ما يستحقه عدو الشعب صدام وحزبه وآيديولجيته، وما لجأت إليه الجماهير الغاضبة للتعبير عن سخطها وغضبها على هذا الجلاد الذي صار رمزاً للغطرسة والظلم والطغيان.
وبهذه المناسبة، نحيي ذكرى شهداء شعبنا الأبرار، شهداء الحروب العبثية والمقابر الجماعية، وشهداء الإرهاب البعثي-السلفي التكفيري بعد السقوط. ونؤكد أن تضحياتهم سوف لن تذهب عبثاً، فالنصر المؤزر دائماً للشعب والهزيمة لأعدائه وهذا هو منطق التاريخ.
بينما يحتفل الشعب العراقي بهذه الذكرى المجيدة ويستذكر تضحياته، يحاول أعداؤه من الذين أدمنوا على العبودية وتأليه الجلادين، ليس التقليل من أهمية هذه المناسبة فحسب، بل ويعتبرون سقوط الفاشية بمثابة كارثة، مستغلين ما يعانيه هذا الشعب من قتل وتخريب وفقدان الأمن على أيدي فلول البعث وأيتام صدام حسين وحلفائهم الزرقاويين من القتلة التي يتوافدون على العراق من خارج الحدود. فلو راجعنا تاريخ العراق وما تعرض إليه من كوارث طوال تاريخه، لوجدنا معظم هذه الكوارث كانت بسبب الأجانب، سواء عن طريق الغزوات والاحتلال التركي والفارسي، أو تآمر الحكومات العربية وتدخلها الفض في شؤون العراق منذ تأسيس دولته الحديثة.
يستغرب العالم المتحضر من عبادة العرب للمستبدين، وبالأخص للجلاد صدام حسين. فما السر في هذا التماهي بشخصية الجلاد وتطوع المئات من المحامين العرب في الدفاع عن أسوأ جلاد مستبد عرفه التاريخ؟ هذا السؤال الذي حيَّر المفكرين المتنورين من العرب وغير العرب. إن هذا الموقف العربي المناصر للجلادين والأنظمة الجائرة، يعتبر صفحة سوداء في تاريخ وثقافة العرب، وسوف لن ينساه العراقيون إلى الأبد. نعم، يبذل هؤلاء العرب وحكوماتهم، قصارى جهودهم لإفشال العملية الديمقراطية في العراق عن طريق خلق البلبلة والمشاكل والصعوبات بإرسال الألوف من الإرهابيين لنشر القتل بين أبناء العراق وعرقلة بنائه، خوفاً من وصول عدوى الديمقراطية إلى شعوبهم.
فهؤلاء الحكام يتظاهرون بالعطف على الشعب العراقي ويذرفون دموع التماسيح على معاناته، إلا إنهم في نفس الوقت يصبون الزيت على الحرائق التي ساهموا في إشعالها في العراق بشكل مباشر أو غير مباشر. وكان آخر هذا المساهمة في إشعال الحرائق ما صرح به الرئيس المصري حسني مبارك إلى قناة (العربية) يوم 8/4/2006 من quot;أن الشيعة أكثر ولاء لإيران من ولائهم لبلدهمquot;. أجل، يشكل الشيعة حوالي 60% من سكان العراق، والأكراد وبقية الأقوام غير العربية نحو 20-25%، وهذا يعني أن النسبة الموالية للعراق حسب ادعاء حسني مبارك لا تزيد على 20% في أحسن الأحوال. فهل يريد حسني مبارك تحرير العراق من نحو 80% من شعبه؟ ونحن إذ نسأل، كيف عرف مبارك quot;أن الشيعة أكثر ولاء لإيران من ولائهم لبلدهمquot;؟ وما هي المقاييس التي اعتمدها في إصدار هذا الحكم الجائر؟ وما هي الغاية من إطلاق مثل هذه التصريحات الفجة الحاقدة الآن؟ أليس الغرض منها هو إشعال حرب طائفية في العراق خاصة في هذا الوقت حيث تصاعدت جرائم الإرهابيين في تفجير المساجد الشيعية وقتل الشيعة بالعشرات يومياً؟ هل هذه إدانة من الرئيس مبارك للإرهاب ومشاركة منه لوقفه ومواساة الضحايا وذويهم المكلومين، أم وقوفه مع الإرهابيين لتبرير جرائمهم بقتل الشيعة؟ أين العقل والحكمة من إطلاق مثل هذه التصريحات اللامسئولة من رئيس أكبر دولة عربية؟ لقد دافع شيعة العراق عن وطنهم في الحرب العراقية-الإيرانية وأغلب الضحايا كانت من الشيعة، حيث التصقت مقبرة النجف بمقبرة كربلاء لمسافة 80 كيلومتراً. فهل مجرد كون هؤلاء شيعة تخلوا عن وطنيتهم؟ ألا يدل ذلك على طائفية حسني مبارك المقيتة؟ ( quot;متى تفهم، أيا جملاً في الصحراء لم يلجم؟-كما يقول المرحوم نزار قباني؟). يبدو أن حسني مبارك خائف على نظامه المهزوز وهو في حريف عمره وكأي حاكم عربي، لن يتخلى عن السلطة إلا عن طريق القبر. وهذا واضح من تصاعد وتيرة القمع الذي يوجهه للشعب المصري منذ الانتخابات الأخيرة ولحد الآن. فأية ديمقراطية يتبجح بها مبارك وهو يسجن منافسه في انتخابات الرئاسة السيد أيمن نور والألوف من المعارضة المصرية. لا شك إن مبارك كغيره من حكام المنطقة، يعيشون في هلع من نجاح الديمقراطية في العراق، لذا يعملون على إفشالها. فهذه التصريحات ليست الأولى من حاكم عربي ضد دمقرطة العراق وإثارة الشكوك حول وطنية الشعب العراقي وولائه لشعبه، فقبله عزف العاهل الأردني الملك عبدالله على نفس الوتر النشاز حول quot;الهلال الشيعيquot;. موتوا بغيضكم يا أعداء شعبنا وأعداء الحرية، فالقافلة تسير ولا يضيرها نبح الكلاب.

يحاول أنصار النظام الساقط إلقاء اللوم في جميع الكوارث التي حلت بالشعب العراقي من قبل فلول البعث وحلفائهم الزرقاويين على قوات التحالف التي حررت العراق من الفاشية. وهاهم يتخذون المصاعب التي يواجهها الشعب ذريعة لتمجيد الفاشية والبكاء عليها. وفي هذه الحالة يقوم أعوان النظام الساقط بتوزيع الأدوار فيما بينهم. ففريق يقوم بقتل الناس وإيواء الإرهابيين الوافدين وإدلائهم إلى الأهداف المحددة لضربها، مثل المساجد الشيعية، خاصة إثناء صلاة الجمعة حيث يزدحم المصلون وبذلك يتحقق ما يريدونه من قتل أكبر عدد ممكن من الأبرياء، وفريق آخر يصرخ في وسائل الإعلام، أن عهد صدام كان عهد أمان وسلام، quot;وين الأمن يا عالم؟quot;. كما يقوم فريق ثالث من أيتام صدام بتدمير المؤسسات الإقتصادية مثل محطات الكهرباء والماء والصرف الصحي والنفط، وجماعة أخرى تصيح أين الخدمات، كانت الخدمات متوفرة أيام صدام ثم اختفت منذ الإطاحة به. أما فريق الكتبة فوظيفتهم تدبيج المقالات تلو المقالات، مدعين أنهم كانوا من معارضة صدام أيام حكمه وهاهم يعلنون التوبة نادمين على معارضتهم له وذلك لما حل بالبلد من كوارث بعده (بعدك يا صدام تبهذلنا!!!). هذا هو أسلوب البعثيين ومرتزقتهم من مثقفي الكوبونات. فريق يقوم بالقتل والخطف والتخريب، وفريق يصرخ لفقدان الأمن والخدمات وتمجيد عهد الفاشية. وهذه الألاعيب والأساليب طبعاً تعبر على الكثيرين من بسطاء الناس، خاصة أولئك الذين أصابهم الضرر من المجرمين.
ولكن كيف يمكن القبول بنظام مجرم، أفقر شعباً وأذله إلى أبعد الحدود؟ فالشعب العراقي الذي يعيش في بلد عائم على بحر من النفط والثروات الزراعية والمعدنية الأخرى، حرِّمَ من ثرواته وصار أفقر شعب في العالم. كيف يمكن تمجيد نظام فاشي والندم على سقوطه وهو الذي تسبب في قتل نحو مليوني عراقي وشرد خمسة ملايين آخرين؟ كيف يمكن الأسف والندم على سقوط جلاد بدد جميع ثروات البلاد الهائلة واستدان عليها مئات المليارات من الدولارات في شراء الأسلحة وعسكرة المجتمع وشن الحروب على دول الجوار؟
أخجلوا من أنفسكم يا أيتام صدام، أخجلوا من تمجيد أبشع نظام همجي فاشي عرفه التاريخ.

يردد هؤلاء ليل نهار وإلى حد الملل، أن أمريكا لم تسقط حكم البعث من أجل سواد عيون العراقيين ولا لنشر الديمقراطية، بل لنهب النفط العراقي. وقد قلنا مراراً وتكراً أن السياسة لا تعرف غير المصالح، نعم لم تسقط أمريكا هذا النظام المنحط الجائر من أجل سواد عيون العراقيين، ولسنا سذجاً إلى هذا الحد لنصدق ذلك، كما لم يقلها الأمريكان، ولكنها الفرصة الوحيدة التي أجاد بها التاريخ أن تلتقي مصلحة شعبنا مع مصلحة الدولة العظمى في إسقاط نظام العهر والسفلة والقتلة، نظام أراذل القوم. فالنظام البعثي الساقط ما كان يضطهد الشعب العراقي فحسب، بل راح يشكل خطراً على السلام العالمي، ولذلك تدخلت أمريكا. وإذا لم تعثر أمريكا على أسلحة الدمار الشامل، فهذا لا يعني أن صدام ما كان يملكها، إذ كان هو الذي يتبجح أمام العالم متباهياً بأنه بإمكانه حرق نصف إسرائيل، فأحرق إيران والكويت والعراق. كما إنه استخدم الغازات السامة المحرمة دولياً في حربه مع إيران وكذلك في ضرب الشعب الكردي في حلبجة وضد عرب الأهوار. بالله عليكم يا أيها العرب، العاربة والمستعربة، أي حاكم في التاريخ سلاح الدار الشامل (الغازات السامة) ضد شعبه غير صدام حسين؟ وهل هكذا نظام يتأسف عاقل على سقوطه؟
أما الديمقراطية، فهاهي تتحقق رغم أنف أعدائها، ففي غضون عام واحد فقط، جرت ثلاث عمليات تصويت، ويكفي الشعب العراقي فخراً أن أكثر من 70% صوتوا لصالح الديمقراطية والعملية السياسية. وهذه ضربة موجعة لأعداء شعبنا ولأعداء الديمقراطية فلول البعثيين الإرهابيين وأعوانهم وحلفائهم الزرقاويين من العربان.
أما أن أمريكا أسقطت النظام البعثي من أجل النفط، فهذه خرافة سخيفة لا يرددها إلا الأغبياء ولا يصدقها إلا الأغبياء أيضاً. أولا، إن صدام حسين لم يقطع النفط عن أمريكا، إذ كان 50% من النفط العراقي يصدر إلى أمريكا في عهد صدام، وكان مستعداً منح كل النفط العراقي لأمريكا مقابل إبقائه في السلطة. ثانياً، أمريكا تشتري النفط في السوق العالمية بالسعر الذي تقرره قوانين السوق وفق مبدأ (العرض والطلب)، وليس لأمريكا أية سلطة في تقرير أسعاره, وقد قفز سعر النفط بعد سقوط الفاشية من 20 دولاراً إلى نحو 90 دولاراً للبرميل الواحد، فأين دور أمريكا في نهب النفط العراقي بالسعر الرخيص؟ وثالثاً، والأهم، ماذا استفاد الشعب العراقي من نفطه خلال 35 عاماً من حكم البعث الفاشي، غير الحروب والفقر والإذلال والمقابر الجماعية والتشرد في المنافي؟ وإذا كان النفط هو سبب إسقاط البعث فنحمد الله ونشكره على أن في العراق شيء دفع أمريكا لتحريره. ولكن نحن واثقون أن النفط لم يكن وراء تحرير العراق مطلقاً، بل هو غباء البعث وفاشيته وتهديده للسلام العالمي. وبهذه المناسبة وكعراقي، أشعر بالامتنان وأتقدم بالشكر الجزيل لأمريكا وبريطانيا وجميع الدول التي ساهمت في تحرير العراق من أبشع نظام جائر والعمل على دمرطته ونشر الديمقراطية في دول المنطقة وتحريرها من الأنظمة الرجعية المستبدة. والمجد والخلود لشهداء شعبنا وشهداء قوات التحالف الذين استشهدوا على أرض العراق في سبيل خلاص شعبه من أبشع نظام فاشي عرفه التاريخ وجعل العالم أكثر أمنا وسلاماً.
وبهذه المناسبة، على الساسة العراقيين أن يرتفعوا إلى مستوى المسئولية الملقاة على عاتقهم، وأأتمنهم الشعب عندما خاض الانتخابات متحدياً تهديدات الإرهابيين. واحتراماً لأرواح الشهداء وتضحيات شعبنا الجسيمة، أن يتخلى هؤلاء الساسة عن مصالحهم الفئوية والشخصية ويركزوا على مصلحة الشعب وذلك بتحقيق وحدة الصف وإقامة حكومة الوحدة الوطنية بأسرع وقت ممكن، فمرور ما يقارب أربعة أشهر على الانتخابات دون تشكيل الحكومة تقصير لا يمكن الدفاع عنه. يجب على الساسة التحرك السريع لتشكيل الحكومة وتفويت الفرصة على الإرهابيين وجميع أعداء الشعب.