لم يكن يوم الخميس التاسع من نيسان/ إبريل عام 2003 يوما عاديا في التاريخ العراقي والعربي المعاصر !، كما أنه قطعا لم يكن خميسا عاديا كسائر (الخميسات)!! التي مرت على العراق خلال تاريخه الطويل الحافل بالمصائب والكوارث من كل الأنواع والحجوم والمقاسات، لقد كان يوما عاصفا ختم في أحداثه فصلا طويلا سوداويا من أشد عصور الظلام العراقي حلكة، كما كان يوما فاصلا و محوريا في تاريخ العروبة الحديث أفاقت فيه الأمة العربية على الحقيقة العارية التي ظلت أنظمة التخدير الثوري العربية تحجبها بأغطية سميكة من الشعارات الثورية البراقة والتي تساقطت كأوراق الخريف الحزينة رغم أن بعض ديناصورات العمل السياسي العربي ما زالوا يعزفون على تلك الأنغام البائسة والتي أكلت من عمر وإمكانيات الأمة الشيء الكثير، ففي أحداث ذلك اليوم العاصف يقف التاريخ العربي مشدوها فاغرا فاه وهو يرى تهاوي الفاشية وأصنام الطغيان و (هبل العروبة) على يد نفس الأطراف والجهات التي أسقطت الفاشية والنازية من على خارطة الدنيا، ففي ذلك اليوم تميزت صورتان الصورة الأولى لوزير الإعلام البعثي البائد (محمد سعيد الصحاف) وهو يكذب على الدنيا بأسرها متحدثا عن (إندحار العلوج على أسوار بغداد)!! بينما كان أولئك العلوج يضحكون ملأ أشداقهم على ذلك المهرج الذي هرب وإختفى في (بيت خالته) لا يلوي على شيء طالبا الأمان والغفران ليعيش اليوم على ضفاف الخليج العربي الساحر مستذكرا بصمت أحداث تلكم الأيام البعيدة القريبة، وهي صورة قد تلاشت وتناساها العالم الذي تناسى كل الشخصيات المعبرة عن نظام صدام حسين الكارتوني الهش، أما الصورة الأخرى والخالدة التي دخلت التاريخ العراقي والعربي ولربما الإنساني فهي صورة ذلك الكهل العراقي المعذب الوقور الذي إستثمر لحظة سقوط وتلاشي نظام البعث الفاشي في العراق لا ليساهم في عمليات (الفرهود) والسرقة والنهب لمتاع الظلمة أو لمؤسسات الدولة بل كانت نفسه كريمة وغنية عن كل تلك الأمور المادية الزائلة الحقيرة وإندفع بكل غضب السنين وشقاء العمر ليرفع حذائه البلاستيكي الفقير لينهال به على صورة الطاغية المهزوم وهو يردد بقهر السنين صوتا خالدا يسمعه كل العالم يقول : يا ناس يا عالم لو تدرون هذا أيش سوى بينا ! أي آه لو تعلمون ماذا فعل بنا هذا القائد المهزوم؟، لقد كان (نعال أبو تحسين) يمثل حالة تاريخية مجردة في التعبير السياسي العربي وهي حالة فريدة في سقوط الأنظمة وتلاشيها، فلم يسجل تاريخ العروبة الحديث حالة مشابهة لتلكم الحالة، ورغم كثرة الإنقلابات العسكرية في العالم العربي لم نعرف أو نسمع أن مواطنا عربيا رفع نعاله لينهال به على صور الطاغية وجدارياته التي كانت تستخف بآلام الناس وعذاباتها وهو ينقل العراق من كارثة لأخرى ومن هزيمة شنيعة لهزيمة أشنع منها، ويساهم وفق برنامج إستخباري ونفسي طويل الأمد في تمزيق كل الأنسجة الرابطة والحية للمجتمع العراقي لينشر ثقافة الموت والتعصب الأصولي والتمسك بأهداب الشعارات الدينية والطائفية المتطرفة بعد أن فشلت الشعارات العروبية الزاعقة التي أنتجت كل الهزائم الثقيلة والموجعة، نعم لقد كان يوم التاسع من نيسان 2003 يوم الحرية العراقي العظيم الذي فتحت به أبواب الأمل رغم كل المنغصات والفواجع والكوارث التي يعيشها العراق اليوم في ظل حالة التيه والتمزق التي يعيشها بسبب فشل قواه السياسية التاريخي وبسبب إفرازات و إرث الفاشية البعثية الطويلة التي جثمت على صدور العراقيين لأكثر من أربعة عقود عجفاء كانت أكثر من كافية لتهشيم العراق ووضعه على طريق الجحيم بعد زرعه بألغام الموت والطائفية والقوى التكفيرية وهي بعثية تحولت بعد الهزيمة التاريخية لترتدي لباس الدين وتتمسح بمسوح العقيدة وبهدف محوري أعلنه الطاغية البعثي البائد منذ أول أيام تسلطة على السدة الأولى في سلطة البعث حينما أعلنها بصريح العبارة وبالفم المليان: { لن يأخذوا العراق منا إلا وطنا بغير شعب }!! وهذا الوعد لم يكن تنبؤا بقدر ما كان مخطط جهنمي بعيد المدى عمل النظام البائد لأجله طويلا وخصص كل موارد العراق لإدامته، وهو ما يتحقق حاليا بحرفنة وإتقان منقطع النظير وحيث تدور اليوم إرهاصات ونذر وبوادر الحرب الطائفية التي نذر النظام السابق نفسه ووجوده من أجلها، وحيث تتسابق للأسف الأحزاب والنخب السياسية العراقية للتطوع المجاني والغريب والغبي في هذا المشروع الجهنمي عن قصد أو غير قصد، إنهم يحولون حرف التاريخ وتشويه إنتصار الحرية التاريخي صبيحة التاسع من نيسان الخالد و الذي سيبقى مهما كانت الظروف الإطلاقة الأولى لعصر التغيير العربي الشامل، ولم يكن لذلك النصر المجيد أن يتحقق لولا وقوف الأحرار في العالم والعالم العربي بجانب معسكر الحرية العراقي، وسيبقى (نعال أبو تحسين) العلامة الكبرى لإنهزام البعث بكل ما يمثله من تسلط وغباء وعنصرية وطائفية وعنجهية أمام ذلك (النعال العتيق) الذي دخل تاريخ العرب الحديث من أوسع الأبواب... لن نستسلم لليأس والقنوط رغم شلالات الدماء الهادرة في العراق فاللحرية ثمن غالي وللأحرار مواقف وتضحيات، وفي النهاية سينتصر الحق وترتفع راية الحرية مهما كانت المعوقات، فلقد علمنا التاريخ من أن الحرية لا تهزم.. ومن أن حرية العراق التي دفع من أجلها أحرار العالم الدماء العبيطة لن يوقف مسيرتها ثلة من المجرمين والمعتوهين والتكفريين، وستظل بغداد راية العروبة ومعقد الأمل والرجاء، وكعبة للأحرار، والشكر كل الشكر لمن جعل من حرية العراق حقيقة واقعة... والعار كل العار للفاشية مهما كانت صيغها وصورها من بعثية أو تكفيرية متوحشة... وسيزهر ربيع الحرية ويسقي دماء الشهداء الذين قاوموا الفاشية حتى النهاية وخصوصا شهيد حرية العراق في يومها الأول الراحل السيد عبد المجيد الخوئي رحمه الله الذي تناولته سكاكين الغدر البعثية المغلفة بالأردية الدينية والتي نعرف وتعرفون.... وسيعيش العراق حرا موحدا بعد إنحسار ليل التيه الكبير.

[email protected]