الإعلام المعني بالتهمة والحسرة في العنوان هو من إعلام عربي محابٍ أكثره لمقولات تدعم الطاغية في قفص عدالة دولة منتخبة الحكومة، مقولات تساند القتلة من حيث يُحتسب لها أو لا يُحتسب، بأبغض المساندة؛تمويه وقائع تعرض على المشاهد ويراها رأي العين.
هذا الإعلام معروف بالتزييف وquot;سحب النار جهة الرغيفquot; كما يقول مثلنا العراقي، حتى أضحت نار إحتراقات هذا الشعب المسكين لا تـُسحب صوب رغيفهم فحسب بل يستضيئون بها في أماسي لهوهم، أو تراهم يضللون الرأي العام عن جذوتها وغاياتها الأسمى،كلّ حسب ضميره ووازع حاجته..
هذا الإعلام كأن نعمائه في الانفتاح والتواصل صارت حبلى ببؤسٍ وشرٍّ مبير، فـquot;من ساعة الصفو تأتي ساعة الكدرquot;..على رأي الجواهري..
والاستغراب..جلّ الاستغراب..هذا الإمعان العربي في بخس الحق والابتعاد عن المنطق، فقناة الجزيرة مثلاً لها رأي في المحاكمة ومجرياتها، ورأيها مستقى من وجهات نظر من تستضيفهم أو تطلب رأيهم في اتصالات معدّة سلفاً، لا يمكنك كمتابع عادي من الوصول إليها أو إيجاد سبيل لإيصال صوتك إلى quot;منبر من لا منبر لهمquot;..فهذا المنبر صار منبراً للمتباكين على المارد العربي وجوقة المناصرين بالدم والدمع له، وشِلـَل الرعب التي تكاثر حزنها وتفاقم صراخها مذ تهاوى عرش الطاغية على آمالهم فيه، ويالبؤس الأمل في قرين جهول بإنسانية الإنسان، لم يمكن حقاً ولم يناصر ضعيفاً طيلة توليه بل كان عوناً لكلّ قاتل في الأرض وكان رديفاً في العدوان مع كلّ معتد، ولم تأخذه الرحمة والرأفة بأصغر الضحايا، فيا لعجب ما يريد أن يـُعلمنا به هذا الإعلام.
بل عجبتَ ويسخرون..
وأني لأعجب من إمعان هؤلاء الطويل في الغي، ومحاباة الطاغية الأزلية..
فأين يتجّه هؤلاء بتضليلهم للناس؟..
وإلى م يسخرون بعقولهم؟..
وهل القاتل وحده قاتلاً..أم من تستّر وتقاسم الغنيمة؟..
فيا لعار المـُغتَنمِ حين يكون في كوبونات نفط لازال رين لذتها على قلوب عليها أقفالها، وعلى مسامع لا نصيب للحق فيها، ولا أمل بمهنية أو حرفية فتكون لهم دافعاً، ليتخذوا الحقيقة هدفاً في مسيرتهم الإعلامية، كسلطة رابعة في السلطات، وأولى بالوقف إلى جنب الحقيقة العزلاء بعد أن تكاثر عليها الفرقاء تضليلاً وزوراً..
لا أريد لكتابتي أن تبدو خطابية مشحونة بهاجس مشاهدة الطاغية في خطابه المنفر الأخير، بل هي دعوة سيسمعها الأحياء، لرهاني على الأحياء ممن يحكـِّمون الضمير فينا، كمشاهدين عزّل،لا حول ولا قوة لنا أمام بثهم، حيث لا يجد عراقي في أقصى قصبات البلاد نصيراً له، لا يريد أخوّته في الدين بل شراكته في الإنسانية.هذا العراقي المتكأ على كيس عظام أولاده إذ أقسم أن لا يدفنهم من جديد إلا بعد الحكم على الطاغية، سيزداد حزنه لرؤية بث هؤلاء الفضائي، حتى لتكاد نفسه تذهب عليهم حسرات فيقول: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله .. حيث ما وجد ربٌ وحيث ما تمثـّلته وأحرزته عقيدة في الأرض، وأهم من كلّ هذا عقيدة الإنسان بإنسانيته..
اعرفْ الحق تعرف أهله
هكذا قيل قديماً..ولنا في الأمثال العربية ما نتأسى به في عناءات شعوبٍ لأمةٍ لغويةٍ، عاشت هاجس الاستماع والإسماع وكانت حجتهم فيه قوية حتى كان لهم في إعجاز الدين الذي أُرسل على أرضهم إعجاز لغة يتباهون بمرجعياتهم العربية فيه بضادهم المنطوق عميقاً في بطون السلالات، ولا قـِبـَلَ لأحد سواهم بغير هذه الضاد..أمة الضاد هذه تمكّنت من ولوج عالم الصوت والصورة بقوة استخدام هاتين الوسيلتين..وإذا قيل قديماً ببساطة المعنى وسطحيته؛ أن بين الحق والباطل أربعة أصابع(المسافة بين الأذن والعين)..فها حتى هذا المثل يضلـّل عليه ويُخرج عن معناه لأننا أمام هذه الفضائيات العربية اليوم، يُراد لنا أن نشكك بأعيننا: نحن من نعرف حقيقة، هي غير التي يردون إيهامنا بها..
وحسرتنا كبيرة على من لا يعلم..ومن ضلـّلته الجزيرة هذا اليوم، مثلاً لا حصراً، فمن ذا يحتمل النظر إلى برامجهم كلّ حين؟، اليوم كانت تحليلاتها مضحكة عن خبر رفض المحكمة الأوربية لالتماس وجّهه الطاغية إليها، حتى صار الخبر العابر محوراً للنقاش، تناسوا دونه وقائع المحاكمة وفجاجة كبيرهم الذي علمهم الزيف، فالمحلـّل العتيد جرّم المحكمة الدولية، وأعتبر الطاغية بطلاً سيكسر من انتخبوه ذات يوم قيوده..
رب اغفر لقومي(في الضاد) إنهم لا يعلمون.. يردّدها شعب ضاد عربي في العراق عانى ويلات نظام ديكتاتوري همجي، يرتدّ صداها على أسماع أبناء جلدتهم..شعب يستصرخ هؤلاء القوم كلّ يوم وعلى يد كلّ مفجوع منهم دم عزيز لم يجف، سقط للتو بوابل نيران من يتخذون في الإعلام العربي ملجأ للرأي، فهل كان سيحدث وبهذا الحجم ما يحدث في يومنا العراقي لو أن الفضائيات العربية بثت خطاباً يساند الشعب العراقي أو يكون محايداً في أقل تقدير لمهنية إعلام يجاهر بالرأي والرأي الآخر؟.
أن هذا الرأي لا يرى من آخرٍ غير صورته في مرايا مخادعة وكبيرة تشبه تلك المرايا التي يجلس قبالتها كلّ مذيع أو مقدم برامج منهم ليضع مكياجاً أو يحسن صورة ما أفسده الدهر بإلحاح العطار، هذا الإلحاح سيولّد في لا وعيهم إحساس المرايا التي تلغي أي آخر..
رزيئة الاستفتاءات العربية
يتابع المشاهد العربي العارف بلا جدوى متابعته لإعلامهم، وقائع جلسة محاكمة الطاغية، ومن بين ثنايا النقل الحي من بغداد يجلس محلّل سياسي في الأستوديو ومحلل سياسي آخر على اتصال من عاصمة عربية، في مشهد مضحك يذكّرنا بالمحللين السياسيين الذي تزامن ظهورهم ودخول القوات المشتركة معركة إسقاط الديكتاتور، وما وضعوه من آراء كشف الزمن حجم السخرية في تصديقها، لكن إعلامنا العربي ينظر إلى الأمام ولا يراجع ما مرّ على فضائه ليدرس مصداقيته فيما بثه وما جاء به من أسلوب معالجة للأحداث، في تقييم مهني ومراجعات حسابية يمارسها أصحاب المصالح التجارية، فإعلامنا لا يضع لهذه التقيمات أدنى اعتبار، بل أن موظفين في الفضائيات يشرفون على إخراج صيغ الاستفتاء الذي يطرح في واجهة الفضائية ويصار إلى تعداده عبر موقع إلكتروني، هذه الاستفتاءات مهزلة بحد ذاتها، وخاصة ما يجري في أروقة فضائية الجزيرة، لأنه تجاوز مراحل الضحك على الذقون إلى أبعد ما تكون عليه السخرية والاستخفاف ولا شبيه له إلا الاستفتاء الرئاسي الذي وجدت الجزيرة معادلاً موضوعياً فيه لستر عورات استفتاءاتها المفبركة، والانتقائية فيما تبثه، فالمحلل السياسي المصطفى من بين نخبة محترفين، دافع هذا اليوم باستماتة عن عدالة الاستفتاء الرئاسي الذي أجراه الطاغية لنفسهquot;فهو رئيس دستوري كان يحكم وفق قانون ودستور العراق، لأن الشعب العراقي أختاره في استفتاء شعبيquot; وكان يعني ذلك الاستفتاء الذي صفقت الجزيرة لنسبته الخارقة والتي لا يستحصلها نبي أو معصوم، أو إله.. وكم مرّت في ألم الله على نبيه الكلمات في تفرّق الآراء،وهو يخاطبه: إنك لا تجمعهم إليك، أو لا تذهب نفسك عليهم حسرات، بعد أن خالفه أكثرهم، وهو عهد إنساني بوجود المخالف والمعارض، فرضى الناس جميعا غاية لا تدرك، لكن الطاغية أدركها بنسبة 100%، أدركها والجزيرة معه تبث وتقابل وتستضيف المحللين.
لم يكن هذا في زمن بعيد فالأرشيف الإنساني الذي يراهن على فناءه صدام ومن معه سيحفظ في الضمير تلك الوقائع، ولي هنا أن أذكـِّر من تـُنصفنا ذاكرته العربية بمهازل من يوم الاستفتاء الرئاسي الصدامي، وكيف كان لفضائية الجزيرة دورها المعلن والواضح فيه، وهي تتابع من مكتبها البغدادي بشكلّ حي وقائع الاستفتاء، وكيف كانت تـُظهر للمشاهد - زيفاً- دقّة وأمانة القائمين عليه ومدى المصداقية في هذا الفتح الديموقراطي العربي الجديد، وسيتذكر منصف الضمير الذي شاركني رؤية نشرة الأخبار يومها، وساعة همست الخبرَ في موجزها مذيعتهم بغنج يليق بالمناسبة: رئيسان سابقان يدليان بصوتيهما في الانتخابات الرئاسية في العراق...
(الكلمات أدناه أضعها من كتابة لي بتاريخ 17-10-2002، بعد يومين من الاستفتاء الزائف وهي منشورة إلى الآن في موقع عراقي)
..quot;لحظتها أحسست بفيض من حلم يراودني منذ أيام؛ حلم في الديموقراطية والتغيير المرتقب في العراق، رؤساء سابقين أحياء يا الله..وحدها نكتة عربية..
..وتحسست جسدي بلمسة من يريد التأكد من صحوته، نعم كنت صاحياً وكانت الساعة تعلن السادسة مساء يوم الاستفتاء الرئاسي العراقي، ولكن... من هما؟ رئيسان سابقان في العراق؟؟ هل بُعث أهل القبور؟....هل المقصود فعلاً رؤساء جمهورية؟... أم رؤساء عرفاء من أصحاب انقلاب الدبابة الواحدة؟.. وسرعان ما خاب ظنّي الذي ذهب بعيداً..خاب بعد انتظاري دوران عقارب الساعة حتى نشرة الأخبار التالية لأرى احمد بن بيلا الرئيس الجزائري المخلوع ورئيس أفريقي آخر-مخلوع أيضاً- يدليان ضمن من أدلوا بأصواتهم تأييداً وانتخاباً لصدام حسينquot;..
قابله مراسل قناة الجزيرة في بغداد قرب صندوق الاقتراع الكوني، واستضافته الفضائية في تغطيتها المسائية ليلتها،وكان بن بيلا سعيداً:سعادة من ضاعت منه الكلمات ليكمل عنه مشاعره مقدم برنامج قومي شوفيني..
الصمت مقابل الكوبونات
الجزيرة تعيد وتصقل سيرتها الأولى، وقد ران على قلوب بعض من فيها محبـّة الباطل، وبات الأمر في إعلان وافتضاح، ولا استغراب حين يهرّج محلّل سياسي فيها تطاولاً على قاض عراقي ذكـَّر الطاغية بأن ثروة العراق ضاعت في كوبونات النفط التي كان يوزعها على أرباب صنيعه والمحابين له، فالكوبونات لها حسرة في قلوبهم وإنهم لمعذورين في هياجهم وتكشير أنياب محلليهم من أجل نهش الحقيقة وتمزيقها بين قبائل الإعلام الكوبوني، يوم وزع الطاغية حصص النفط مقابل الغذاء في برنامج الأمم المتحدة، إلى كوبونات نفطية تخرج وفقها السفن محمّلة بثروات العراق ليبيعها سقطُ متاع من باعة ضمائر، كلّ حسب ما وهبَ من موقف، فبين من مـُنح رقماً لعمالة المخابرات العراقية، وبين رئيس مخلوع من أحدى جمهوريات الموز أعطى صوتاً في الاستفتاء الرئاسي للطاغية!!، وآخرون لا نعلمهم، الله يعلمهم.. وكان لنا أن نعلم ما أُتضح للوسط الإعلامي في برنامج الصمت مقابل الكوبونات، وأي البرامج الصدامية منها سنعدُّ، وقد تعددّت حتى أصاب كلّ واحد منها موجعا فينا؟.
ختامها عتب عراقي
وهو مسك عهودٍ للبدء الأجمل مع من نحب، فلسنا لنُعاتب في كلّ الأمور لا لخشيتنا أن لا نلقى من نعاتبه ذات يوم، ولكنه عهد طويل بالتغاضي عن الكثير الكثير.. وها قد وصل السيل الزبى أيها الناس، وأعتلى الشر أعلى مرقى، ولقد شربنا مراراً على القذى..فعتب عراقي موصول إلى كلّ الإعلام العربي،والكتـّاب العرب، وأهل الضاد، شركائنا في الإنسانية (قبل هذا الكنز)، لأجل رصد ما تبثه بعض القنوات العربية، من تزييف للحقائق وتضليل، ربما يتخذه أعداء العراق ممن يدعون مقاومة المحتل حجّة لهم في سفك المزيد من دماء أطفالنا..
وليست الجزيرة وحدها الملومة سابقاً أو الآن في مهزلة التحليل والتعليق على التغطية، فقنوات عربية تدعي الاستقلالية والحياد تحاول إن تتخذ من بعض التعليقات غاية في استمالة جمهور عربي واسع إلى برامجها، وهذه الاستمالة ولإثارة هي غرض دعائي لشركات تبث إعلاناتها منها وتكون حريصة على سوق عربي يساند البضاعة العربية ويقاطع الدنمارك!!..
فإلى أي مستوى في تعداد النفوس قد تشرَّب التضليل، ليحابى هؤلاء ويصار إلى مجاراتهم من أجل مكاسب إعلانية؟.. ألا إنها كارثة إنسانية حري بكلّ كاتب عربي أن ينتفض لأجلها ويتخذ من تحسين صورة العرب أمام الأمم مقصداً.. أم إنه من الحق والحقيقة ما جاءت به الجزيرة في أحدى استفتاءاتها من أن ما نسبته 89% من الشعب العربي مع العنف، وما يجري في العراق حتى بقتل الرهائن المدنيين، هو السبيل القويم لإخراج القوات الأجنبية؟..
نريد من نتخذه مثلا في الشجاعة، فهذا الإعلام منقوص الشجاعة، ومجاف لمواثيقه وعهوده مع الحقيقة؛تلك المغدورة في مسافة الأربعة أصابع الشهيرة.. نريد صوت من يقول: ستتحقق إرادة الشعب العراقي لأنه يريد الحياة فلا بد لكلّ قيد وحجب وتضليل وزيف وخديعة ومحاباة باطل أن تنكسر.. ولابد أن يلاقي الديكتاتور مصيره المحتوم في قرار الشعب العراقي الذي خرج بملاينه فرحاً بانتخابات سيحلم بمثلها العرب لولا ما يفيض على جنباتها من أحداث دموية ستنتهي بنهاية هذا الطاغية وسيتناكد في يوم قريب كلّ متابعي قناة الجزيرة، فزعين لقرار الحكم على الطاغية.. وستتعالى أصواتهم فيتساءلون عن النبأ العظيم بقرار المحكمة العراقية بحقه..وسنسمع من quot;منبر من لا منبر لهquot; صوت أحد أيتام الطاغية متهدجاً:
راعَ الجزيرة حتى جاءني خبر فزعت منه بآمالي إلى الـكذب*
* راع: أفزعَ وأخافَ.وفي البيت الأصلي quot;طوىquot;، وعذراً لذكرى المتنبي عن تصرّفٍ ملحٍّ!.
التعليقات