لبنان الجزء الأجمل من جسد الأرض التي استوطنها العرب وأطلقوا اسمهم عليها!
هو الأرزة الذهبية الخضراء الأولى والكرزة الحمراء الأولى ونهوض الشمس عارية من بحره إلى السماء!
من شواطئه انطلق أهله الفينيقيون الأوائل حاملين للدنيا خبرة البشر وأحلامهم وحبهم للعمل والإبداع!
وصله جلجامش باحثاً عن عشبة الخلود فعاد من حاناته بكلمات سدوري الحاسمة القاطعة!
جاءته اليهودية فتوجس من تزمتها ولم يهزأ بها بل ضمها لبيوته ورفوف تراثه!
وجاءته المسيحية فرق لنداوتها وسماحتها وأحلها في وجدانه ومساره!
وجاءه المسلمون على ديدنهم شاهرين سيوفهم وكلماتهم الصحراوية القاسية فطوى بابتسامته ومرونته سيوفهم ورقق كلماتهم بعسله وخمره واحتضنهم بجناحيه وصاروا من صلبه ومائه حتى نسوا رمال حياتهم ومنطقهم القديم ولبسوا سماءه وحقوله ونسائمه!
إنه فقير لا ذهب أصفر أو أسود لديه ومع ذلك أغنى العالمين بسواعد أبنائه وإبائهم، ولم يتآمر على أحد ليحصل على المال! على العكس تآمر عرب كثيرون عليه وعلى بعضهم من أرضه ليزدادوا عجرفة وثراء فاحشاً!
لبنان ظل الأمين النزيه احتفظ للعرب في بنوكه بأموالهم وثرواتهم ولم يفرط بها حتى في أحلك ظروف الحروب والدمار !
عصر للعرب وغيرهم من روحه نفحة العقل والروح! فقرأوا من أقلام كتابه وشعرائه ومن مطابعه أجمل الروايات والقصائد والأفكار!
وأهدى لقلوبهم ولياليهم صوت فيروز والرحابنة ونجاح سلام ووديع الصافي ونصري شمس الدين وفيلمون وهبة وغيرهم عدد البلابل والشحارير وقيثارات العصور!
كان واحة للديمقراطية وحرية التعبير في صحراء من الكبت والاستبداد العربيين، فصار ملاذاً للمضطهدين و المحرومين من نعمة الكلام والاعتراض في هذه الصحراء التي ما تزال تتسع ويزداد فيها الملح والشوك وثعابين الإرهاب!
ولأنه جميل بهي ومتألق من الطبيعي أن يكون محسوداً ومكروها من ذوي النفوس المنخورة بالفشل والحقد والدناءة!
حين فشل القادة الفلسطينيون في استعادة وطنهم السليب بالحكمة والعقل أو المعركة الناضجة غزوا لبنان وفي نفوسهم: quot;مادمنا قد خسرنا وطننا ليخسر الآخرون أوطانهم أيضاً!quot; فاستباح هؤلاء القادة الأثرياء المتبخترون بيروت ولووا جدائلها تحت بساطيلهم حتى جاءهم الإسرائيليون فولوا الأدبار تاركين لبنان أطلالاً وخرائب!
غزاه حكام سوريا بدلاً من الجولان ليصفوا حساباتهم مع هذه الجهة أو تلك ويستنزفوه عشرات السنين ويعيثوا فيه فساداً حتى جاءهم حكم العالم فولوا الأدبار يجرون أذيال العار!
واليوم يغزوه ملالي إيران لينصبوا عليه دميتهم حسن نصر الله و يديروا من أرضه ومن بين بيوت أهله الطيبين العزل حربهم مع أمريكا في محاولة ساذجة خائبة لتمرير سلاحهم الذري العنصري المتغطرس حتى لو سفحوا من أجله لا دماء أطفال قانا وحسب بل دماء العرب جميعاً! أما إسرائيل فقد كانت وما تزال في خاصرته موقع ظلم وشر بلا شك! ولكن لو ترك الأمر للبنان العقل والثقافة لتحاشى أذاها ولساهم في حل القضية الفلسطينية على أسس عادلة لا تفجيرها وفق مصالح الغرباء!
وعلى تعاقب موجات الغزاة والحاقدين على أرضه المعشبة كان ثمة كتاب وشعراء من أبنائه أو من خارجه يهزجون ويطبلون للسكاكين وهي تقطع جسده وقلبه وتطعمها للغربان!
لا يدهشنا ردح جنرالات وتجار حرب عرب وفرس لمعركة لن يخسروا فيها قطرة دم واحدة، وأن تتحول قناة الجزيرة إلى غرفة قيادة عمليات عسكرية وتحريضية لهذه الحرب المفتعلة بحساب أيراني مكشوف، بل يثير الاستغراب هذا الانسياق الأبله لكتاب لبنانيين ( يتقدمهم كالعادة طلال سلمان وسهيل إدريس وعائلته ) إذ أصدروا بياناً أعلنوا فيه وقوفهم تحت عباءة نصر الله، وإدانة حكومتهم لأنها التزمت الموضوعية والعقل ورفضت أن تبتز وتضع نفسها تحت الهيمنة الإيرانية وطالبوا مثقفي العرب والعالم الوقوف إلى جانبهم في ما حشروا أنفسهم فيه من موقف ضيق مظلم. من الواضح أن جمهرة كبرى مهمة من المثقفين اللبنانيين لم توقع معهم هذا البيان الذي حتى لو نهض عنتر بن شداد لما وقع على عنترياته وادعاءاته! هؤلاء الكتاب لم يغادروا لغتهم الخطابية التي تهرأت وأضحت تبناً وحشفاً منذ الستينات ولم يبق من يجترها سوى ديناصورات الكتابة والصحافة الذين يديرون أعمالهم وأرصدتهم بتمويلات من أنظمة ما تزال تتاجر في الخارج بالشعارات القومية والشجاعة الأسطورية بينما لا تقدم على أرض الواقع سوى الجبن البلدي والبطيخ المبسمر! لقد كنا نتوخى من هؤلاء الكتاب حكمة أو رشاداً ولكن ثمة خوفاً أو إغراءً جعل عقولهم تنكفئ فركبوا أمواج أوهام غوغائية بدلاً من صدها وتحويل مسارها إلى الحق والحقيقة،فيقولون للشعب اللبناني جوهر الأمر لا قشوره : إن هذه المعركة ليست معركتهم وإنما هي معركة آخرين. هم بلا لف ولا دوران حكام سوريا وإيران! هؤلاء الذين استهتروا بأرواح اللبنانيين،وهم الذين ذبحوا أطفال قانا وأمهاتهم بصواريخ المجرمين الإسرائيليين. إنهم يخافون من حرب على أرضهم ففجروها على أرض لبنان وبين أسرة أطفاله وأهله! حرب جعلوا شعب لبنان ينزف دماءها بينما هم لا ينزفون مقابلها سوى الصراخ وقلب الحقائق! حقاً ما جدوى الثقافة والمثقف إذا كانا تابعين منقادين للجهل والبدائية والخرافة المقدسة وغير المقدسة؟
لبنان المكتنز بالتاريخ والعقل والتجارب الأليمة ليس بحاجة لحرب صواريخ هوجاء عمياء لاستعادة حقوقه أو تثبيت حدوده ومكانته! إنه بحاجة لتطهير أرضه ومجتمعه ومؤسساته من بقايا نفوذ حكام سوريا ومخابراتهم، ومن نفوذ الميليشيات الفلسطينية الإرهابية كحماس والجهاد وغيرها ومن دفق نفوذ وهيمنة ملالي إيران وعملائهم!
لبنان بأمس الحاجة للخلاص من تلك المؤسسات والأشخاص والمفاهيم التي قتلت خيرة كتابه ومفكريه وأبقت على أمراء الحرب قابعين في قصورهم المدججة بالحراسة العلنية خارج القانون! لبنان منذ اللحظة التي قتل فيها رفيق الحريري وأبقي على صنائع سوريا وإيران فيه وضع على طريق الدم والحرائق والمزيد من مذابح قانا! هكذا أراد ملالي إيران وتابعهم شبل الأسد جعل أرض لبنان ساحة حرب جبانة مشوشة مع إسرائيل معتقدين عبثاً أنهم بذلك يؤجلون يوم خلاص شعوبهم منهم! وإلا بأي منطق أو عقل يجبر لبنان وهو أصغر دولة عربية على أن يتصدى لإسرائيل بينما خرجت من الصراع مصر ( أكبر دولة عربية ) والأردن رسمياً وخرج الكثيرون بصورة غير رسمية ومنهم سوريا التي تحارب الآن في فلوجة العراق بدلاً من فالوجة فلسطين لأن العراقيين المساكين لا يستطيعون الرد عليها الآن؟ كيف يريد رئيس حزب الله في لبنان أن يقنع العالم إنه سينتصر على إسرائيل بل إنه انتصر عليها فعلاً وإنه سيهدي هذا النصر لشعب ينبغي أن يذبح قبل ذلك! وماذا لو أنتصر هذا السيد الدمية؟ أية أيدلوجية ظلامية يخبئ للبنان وشعبه ؟ لبنان ليس بحاجة لمعركة غير متكافئة مع إسرائيل ليثبت حدوده أو يحرر قرية أو قريتين من أرضه. إنه بحاجة للعودة إلى روحه وتاريخه ونقائه وتطهير أرضه من شرور الطائفية ومن ميليشيات أقنعت الحكومة أنها ستحارب عنها فكانت النتيجة أنها قد حاربت بها وجعلتها ضعيفة محرجة قد لا تستطيع أن تفعل شيئاً إذا خسر لبنان كل شيء! إن قوة لبنان المقنعة والمؤثرة في العالم هي في عقله وثقافته وجماله وأصالته وكونه الحضن الأنبل لكل الأعراق والأصول والأديان والمذاهب والثقافات. قوته أنه أحد الجذور الرئيسية لشجرة الحضارة الإنسانية! وبهذه القوة وبالمفاوضات الدولية سيستعيد أرضه و حقوقه كاملة وسيجد العالم كله يقف معه!
فهو يحمل تلك القوة التي يسمونها قوة الضعفاء لا قوة المتغطرسين الأغبياء الذين لا يهمهم تدمير وطنهم من أجل إرضاء ملالي إيران والحصول على المزيد من دولاراتها!
إن قوة المتعنتين الإرهابيين لا تحصل من العالم سوى على المزيد من النفور والاشمئزاز! لا أحد يتضامن ويساند بلداً لا يقوده رأسه،حكومته ومؤسساته الشرعية، بل يقوده حزب من جنوبه يدعى حزب الله الذي يعتقد أن الله له وحده!
لن يكون لبنان ولن وينهض بقامته الشامخة إلا إذا استعادت الدولة اللبنانية سيادتها وهيبتها على الأرض وحل حزب الله مليشياته وسلم أسلحته للدولة اللبنانية وعاد أعضاؤه مواطنين عاديين يتبعون قوانين البلد وأعرافه وتقاليده الصحيحة!
مثقفو العرب الحقيقيون ومثقفو العالم ليسوا بحاجة لنداء ليتضامنوا مع لبنان وأهله الرائعين، فهم معهما على الدوام. وإذ أدمت قانا قلوبهم فلا بد من قول الحقيقة كاملة وبالأسماء ومهما كان الثمن! لا يوجد مثقف عربي واحد يستطيع أن ينكر فضل لبنان عليه في تكوين وجدانه وذائقته وأدواته في الكتابة والتفكير. المثقفون اليوم مع لبنان جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وبشارة الخوري وأمين نخلة ويوسف عواد وميشيل طراد والعلايلي ومنير بعلبكي وأنسي الحاج وحبشي الأشقر ويوسف الخال وتويني الأب والابن الشهيد وسهيل إدريس أيام كان في شبابه وآدابه ووعيه وعشرات الكواكب الأخرى المنيرة في سمائه لا مع حسن نصر الله ومن أرتضى من الكتاب والمثقفين أن يكون خرزة في سبحته!
مرة أخرى لبنان أقوى من إسرائيل! ليس بالعمائم السود والبيارق الصفر الهائجة على بحر من الهتافات والشعارات المسعورة والصواريخ التي قصفت بها إيران قرى لبنان قبل أن يقصف بها نصر الله إسرائيل فأهاج جنونها ووحشيتها، لبنان الأقوى بعودته لصوابه وروحه وضميره الصافي المتدفق من ينابيع جباله لا من مستنقعات الآخرين! لبنان أقوى من إسرائيل وهو المنتصر لأنه شرعي وأصيل ومسالم، بينما إسرائيل دولة هجينة طارئة مغتصبة باغية! ولكن ينبغي الحذر، فهذه المعادلة لا تعمل وقت الحرب!