لعله ليس من باب المصادفة ان تعلن طهران في يوم الثالث عشر من تموز الماضي والذي تزامن مع اليوم الثاني للهجوم الإسرائيلي على لبنان عن وفاة العقيد حرس ثوري quot;غلام خليليquot; الذي يعد احد ابرز المساهمين في تأسيس حزب الله في لبنان. وكان الإعلان عن وفاة العقيد خليلي قد جاء على لسان قائد الحرس الثوري السابق وأمين عام مجمع تشخص مصلحة النظام الحالي الجنرال محسن رضائي الذي أثنى على دور العقيد خليلي في تدريب المليشيات المسلحة لحزب الله. و يعد خليلي ثاني مسؤول عسكري ايراني يتم الكشف عن دوره في بناء و تطوير حزب الله بعد ألحرسي احمد توسليان quot;قائد لواء27 محمد رسول اللهquot; الذي كان قد تم اختطافه في بيروت عام 1982م مع القائم بإعمال السفارة الإيرانية على يد مجموعة مسلحة قيل إنها تابعة للقوات اللبنانية بقيادة أيلي حبيقة آنذاك.

قد يكون الإعلان عن وفاة مسؤول عسكري ايراني كبير ساهم في إنشاء حزب الله تزامنا مع بدء الهجوم الإسرائيلي على لبنان لإنهاء وجود حزب الله قد جاء صدفة فعلا وقد تكون هناك أبعاد سياسية لهذا الإعلان ولكن ما هو مؤكد ان ايران التي ضاق بها الخناق وأصبحت مجبرة بين القبول برزمة الحوافز (المقدمة من الدول 1+5) او مواجهة العقوبات التي تنتظرها إذا ما رفضت هذا العرض المغري لا يمكن ان تكون بريئة مما مر به لبنان وما حل وسيحل لاحقا بحزب الله من فاجعة. فالقادة الإيرانيون كما هو معلوم لم يؤسسوا حزب الله ليمحوا به إسرائيل من الخارطة كما يزعمون ولكن من المؤكد إنهم أسسوا هذا الحزب ليكون ورقة ضغط يساومون بها عند الحاجة، وليست أية حاجة، فالتضحية بهكذا عجل سمين لابد ان يكون مقابل ثمن ليس اقله الحصول على دور إقليمي يكون متناسبا مع طموحهم الذي وضعوه نصب أعينهم بعد انتصار الثورة وعملوا على تحقيقه عبر ما سمي بمشروع quot;تصدير الثورةquot; والذي كان حزب الله احد الأدوات التي صنعت لتحقيق هذه الغاية.
لقد تمكن تصاعد أزيز الطائرات وهدير القذائف والصخب الإعلامي الذي صاحب المعركة التي دارت بين حزب الله و جيش العدو الإسرائيلي طوال أيام الحرب الثلاثة والثلاثون من التغطية على الكثير من التصريحات التي أطلقها القادة الإيرانيون والتي حملت في طياتها رسائل بعضها مشفرة وأخرى واضحة تؤكد بما لا لبس فيه ان حزب الله قد بيع وان عملية خطف الجنديين الإسرائيليين التي نفذها الحزب ما هي إلا فخ أوقعه فيه منشئوه وممؤلوه و ولاة أمره الإيرانيون.
فمن ابرز التصريحات الإيرانية التي يمكن ذكرها في هذا المقام تلك التي أدلى بها رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإيراني quot; اللواء فيروز آبادي quot; والتي أعلن فيها،ان ايران لن تدخل الحرب الدائرة في لبنان بين إسرائيل وحزب الله،. وقد لاقي ذلك التصريح ارتياحا إسرائيليا بالغا حسب ما ذكرته صحيفة هاأرتس ونشرت ترجمته الصحافة الإيرانية.
وبالإضافة الى هذا التصريح يمكن النظر الكلام الواضح الذي صدر عن الرجل القوي في النظام الإيراني رئيس مؤسسة كيهان الثقافية الحكومية واحد ابرز المقربين لمرشد الثورة علي خامنئي حسين شريعتمداري خلال حوار أجرته معه مجلة quot;نيوزويكquot; الأمريكية حيث أكد فيه إن ايران تلعب دورا محوريا في بناء نظام الشرق أوسط الجديد.
وردا على سؤال إذا ما كانت ايران متوجسة من هجوم أمريكي محتمل ضدها؟ إجابة شريعتمداري ضاحكا: لا يوجد أحد متوجس هنا فأمريكا تسكن في بيت زجاجي ومن بيته من زجاج لا يستطيع رمينا بحجارة.
هذه الطمأنينة من رجل بموقع حسين شريعتمداري تؤكد على ان ايران حصلت على ضمانات بأنها لن تتعرض لأي هجوم أمريكي وهذا الاعتقاد تدعمه التقارير الأخيرة التي تحدثت عن مناشدة قدمها أكثر عشرون عسكريا ودبلوماسيا أمريكي سابق للرئيس جورج دبليو بوش طالبوه فيها بفتح حوار مباشر مع ايران حلو الخلافات العالقة بينهم بشأن لبنان والبرنامج النووي الإيراني. محذرين بشدة من فكرة استخدام القوة العسكرية ضد ايران و مشددين على ان استراتيجية بدء الحوار الدبلوماسي معها ستخدم المصالح الاميركية وحلفاءها، وتحسن الامن الإقليمي والدولي، حسب اعتقادهم.
ومن خلال ألأصوات التي أخذت تتعالى في أمريكا والمطالبة باستخدام الدبلوماسية في التعامل مع ايران يتضح ان هناك لوبي حقيقي يقف وراء هذا الدعوات ولابد ان هذا اللوبي قد دخل في مفاوضات مسبقة مع النظام الإيراني وانه قد حصل على ضوء اخضر منه بهذا الخصوص. ولابد أيضا ان ايران قد أبدت استعدادها الى تقديم تنازلات تساعد على دعم هذه الجهود.
و ما هو ملاحظ أيضا ان طوال فترة المعركة التي جرت بين حزب الله وجيش العدوان الإسرائيلي لم يتم فيها توجيه التهمة من الجانب الأمريكي لإيران في المشاركة مباشرة في هذه المعركة وذلك على الرغم من الاتهامات الإسرائيلية التي تحدثت عن وجود جثث لقتلى من الحرس الثوري الإيراني بين قتلى حزب الله. فما حدث من الجانب الأمريكي كان خلاف ذلك تماما فقد نشرت صحيفة quot;نيويوركzwnj; تايمزquot; الصادرة في الثالث من آب أغسطس الجاري تقريرا إستخباراتيا أمريكي يؤكد عدم وجود مثل هذا التدخل.
هذا النفي الأمريكي لم يأت لو لم يكن هناك علة في الموضوع وهذه العلة تكمن في عدم رغبة الولايات المتحدة الأمريكية توسيع نطاق هذه الحرب خارج دائرة لبنان.
علما ان ايران وعلى الرغم من امتلاكها لبعض الأوراق ومنها على سبيل المثال تنظيمات مسلحة في العراق وفلسطين وأفغانستان وغيرها إلا إنها لم تقوم باي فعل من شأنه تخفيف الضغط الإسرائيلي عن حزب الله وعدم قيامها بهذا الأمر بحد ذاته مبعث للتساؤل؟!.
وبعد وقف إطلاق النار الذي جاء تلبية للقرار الأممي 1701 و وافق عليه حزب الله قبل إعلان إسرائيل قبولها له، أطلق الإيرانيون جملة تصريحات تحمل نغمة جديدة لم تعهد من قبل. ومن بين تلك التصريحات يمكن الإشارة الى ما قاله وزير الدفاع الإيراني اللواء quot;مصطفى محمد نجارquot; في كلمة له في مدينة همدان قال فيها: quot;ان،الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تعمل على استقرار الامن وترسيخ الصلح والمحبة بين دول المنطقة عامةquot; وكلمة عامة هذه لها من الدلالات التي لا يمكن ان تمر دون ان تقرأ بتأني. وإذا ما ربطنا بين كلام وزير دفاع الجمهورية الإيرانية و كلام رئيسها احمدي نجاد الذي جاء أثناء افتتاحه لمنشاة أراك لانتاج المياه الثقيلة والذي ذكر فيه: quot;إن إيران لا تمثل quot; تهديدا للدول الأجنبية ولا حتى لإسرائيلquot; يضاف الى ذلك إعلان الرئيس السابق محمد خاتمي عزمه زيارة واشنطن الأسبوع المقبل لإلقاء كلمة في احد كنائسها حول السلام وحوار الأديان، وهو بذلك يكون اول مسؤول ايراني رفيع المستور يزور واشنطن منذ الإطاحة بالشاه وقيام الجمهورية الإسلامية، يتبين بوضوح ان ايران تتجه الى نقطة الالتقاء مع ما يريده المايسترو المنظم لعملية مشروع نظام الشرق الأوسط الجديد وما هذه المناورات العسكرية التي تجريها القوات الإيرانية إلا زيادة في التعتيم على هذه الدور الذي ذهب ضحيته حزب الله.
ولكن قد يخطر في بال القارئ السؤال التالي، ترى هل أدرك قادة حزب الله هذه المؤامرة؟.
بعد يوم واحد من الإعلان عن وقف إطلاق النار أعلن السيد حسن نصر الله ان حزبه quot; انتصر استراتيجيا quot; من دون ان يوضح ماهي هذه الاستراتيجية. حيث وكما يبدوا أراد بذلك تقليد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي حاول ان يغطي على هزيمة عام 1956م بمقولته الشهيرة quot;خسرنا الحرب عسكريا وربحناها سياسياquot;.
فإذا كان عبد الناصر يعني بالنصر السياسي بقاء نظامه الذي حاولت دول العدوان الثلاثي إسرائيل، بريطانيا، فرنسا إسقاطه، وعارضت ذلك أمريكا بشدة ، فبالتأكيد أن النصر الاستراتيجي الذي قصده حسن نصر الله يتمثل في الحفاظ على حزبه حتى وإن دمرت لبنان شمالاً وجنوبًا، فيكفى أن الحزب لا يزال يحافظ على كيانه.
وقد أضاف نصر الله في لقائه الأخير مع شبكة quot; تلفزيون الجديدquot; : إن قيادة حزب الله لم تتوقع ولو واحد بالمئة أن عملية أسر الجنديين ستؤدي إلى حرب بهذه السعة وبهذا الحجم،. و لو علمت أن عملية الأسر كانت ستقود إلى هذه النتيجة لما قمنا بها قطعا. وهذا دليل واضح على انه قد أدرك حجم الخسارة التي وقعت بحزبه قبل ان تقع بلبنان والشعب اللبناني.
ولكن هل سيبقى كيان حزب الله كما كان عليه قبل بدأ عملية quot;الوعد الصادقquot; التي قابلها العدو الإسرائيلي بعملية quot;أمطار الصيفquot;؟.
من المؤكد ان نشوة النصر الذي صنعته الهالة الإعلامية الإيرانية وبعض وسائل الإعلام العربية في أذهان قادة وجماهير حزب الله سوف تستمر لأشهر او ربما لعام قادم ولكن بعدها وحينما يبدأ جني المحصول وتنتهي النشوة سوف يتبين عندها ان كان حزب الله انتصر فعلا ام ذبح.