كان الفيلسوف المعتزلى أبن الوليد المتوفى سنة 478 من أعلام عصره. و من سوء حظه أنه عاش فى وقت سيطر فيه الحنابلة السنيون المتشددون على الشارع فى العصر العباسى، فتعرض الفيلسوف أبو الوليد لارهابهم وإضطهادهم، فاعتكف فى بيته خائفا منهم، وظل مسجونا داخل بيته مرعوبا منهم طيلة خمسين عاما الى ان أراحه منهم الموت. بعد موته بقرن تقريبا كان امام الحنابلة المؤرخ المحدث الواعظ ابو الفرج (إبن الجوزى) ملء السمع والبصر فى الوعظ و الافتاء و التأليف. و من أهم مؤلفاته التاريخية (المنتظم) الذى ركز فيه على تاريخ العلماء والزهاد، وسار فى تاريخه حسب السنين بنفس طريقة الطبرى. وبالمناسبة فالامام الطبرى أيضا كان من ضحايا الحنابلة فى أواخر عمره.
يعنينا هنا أن المؤرخ الحنبلى ابن الجوزى تعرض لترجمة الفيلسوف المعتزلى ابن الوليد ضمن وفيات عام 478، وكان حريا به أن ينصفه بعد مماته، ولكنه تجنى عليه ميتا، بعد أن ظلمه الحنابلة السابقون حيا.
ونعرض هنا لما جاء فى تاريخ المنتظم لابن الجوزى عنه ثم نعلق عليه.
يقول عنه ابن الجوزى :
(محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن الوليد أبو علي المعتزلي)
(من الدعاة كان يدرس علم الاعتزال وعلم الفلسفة و المنطق فاضطره أهل السنة إلى أن لزم بيته خمسيـن سنـة لا يتجاسـر أن يظهـر، ولـم يكـن عنـده مـن الحديـث إلا حديث واحد لم يرو غيره، سمعه من شيخه أبي الحسين البصري ولم يرو أبو الحسين غيرهrlm;.rlm; وهو قوله عليه السلامrlm;:rlm; rlm;quot;rlm; إذا لم تستحي فاصنع ماشئت rlm;quot;rlm; فكأنهما خوطبا بهذا الحديث لأنهما لم يستحييا من بدعتهما التي خالفا بها السنةrlm;، عارضاها بها ومن فعل ذلك فما استحياrlm;.rlm;
ولهذا الحديث قصة عجيبةrlm;:rlm; وهو أنه رواه القعنبي عن شعبة ولم يسمع مـن شعبـة غيره، وفى سبب ذلك قولان :
أحدهما : أن القعنبى قدم البصرة ليسمع من شعبة ويكثر، فصادف مجلسه وقد انقضى فمضى إلى منزله فوجد الباب مفتوحـًا وشعبـة علـى البالوعـة (أى يقضى حاجته فى دورة المياه) فهجـم فدخـل من غير استئذان وقالrlm;:rlm; غريب قصدت من بلد بعيد لتحدثني، فاستعظم شعبة ذلـك وقالrlm;:rlm; دخلت منزلي بغير إذني وتكلمني وأنا على مثل هذه الحال؟ أكتبrlm;:rlm; حدثنا منصور عن ربعي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قالrlm;:rlm; rlm;quot;rlm; إذا لم تستحي فاصنع ماشئت rlm;quot;rlm; ثم قالrlm;:rlm; والله لاحدثتك غيره ولا حدثت قومًا أنت معهمrlm;.rlm;
والثانيrlm;:rlm; أنبأنا محمد بن ناصر قالrlm;:rlm; أنبأنا الحسن بن محمد البناء قالrlm;:rlm; أخبرنا هلال بن محمد بن جعفـر قـالrlm;:rlm; حدثنـا أحمـد بـن الصبـاح قـالrlm;:rlm; حدثنـا إبراهيـم بـن عبـد اللـه الكشـي قـالrlm;:rlm; حدثني بعض القضاة عن بعض ولد القعنبي قالrlm;:rlm; كان أبي يشرب النبيـذ ويصحـب الأحـداث (أى يدمن الشذوذ الجنسى مع الطفال) فقعـد يومـًا ينتظرهم على الباب فمر شعبة والناس خلفه يهرعون فقالrlm;:rlm; من هذا؟ قيل : شعبةrlm;.rlm; قالrlm;:rlm; وأي شعبة؟ قيلrlm;:rlm; محدثrlm;.rlm; فقام إليه وعليـه إزار أحمـر فقـال لـهrlm;:rlm; حدثنـيrlm;.rlm; قـال لـهrlm;:rlm; مـا أنـت مـن أصحاب الحديث، فشهر سكينه فقالrlm;:rlm; أتحدثني أو أجرحكrlm;.rlm; فقال لهrlm;:rlm; حدثنـا منصـور عـن ربعي عن ابن مسعـود قـالrlm;:rlm; قـال رسـول اللـه صلـى اللـه عليـه وسلـم rlm;quot;rlm; إذا لـم تستحـي فاصنع ماشئت rlm;quot;rlm; فرمى سكينه ورجع إلى منزله فأهراق ما عنده ومضى إلى المدينة فلزم مالك بن أنس ثم رجع إلى البصرة وقد مات شعبة فما سمع منه غير هذا الحديثrlm;.rlm;
وقال شيخنا ابن ناصرrlm;:rlm; كان ابن الوليد داعية إلى الاعتزال لاتحل الرواية عنهrlm;)


التعليق
المفروض منهجيا أن يتحدث المؤرخ ابن الجوزى عن الشخصية التى يؤرخ لها وهى (ابن الوليد المعتزلى) الذى توفى فى تلك السنة 478
أهم ما جاء به ابن الجوزى عن ابن الوليد المعتزلى هو قوله عنه (من الدعاة كان يدرس علم الاعتزال وعلم الفلسفة و المنطق فاضطره أهل السنة إلى أن لزم بيته خمسيـن سنـة لا يتجاسـر أن يظهـر، ولـم يكـن عنـده مـن الحديـث إلا حديث واحد لم يرو غيره، سمعه من شيخه أبي الحسين البصري ولم يرو أبو الحسين غيرهrlm;.rlm; وهو قوله عليه السلامrlm;:rlm; rlm;quot;rlm; إذا لم تستحي فاصنع ماشئت rlm;quot;rlm; فكأنهما خوطبا بهذا الحديث لأنهما لم يستحييا من بدعتهما التي خالفا بها السنةrlm;، عارضاها بها ومن فعل ذلك فما استحيا) و (وقال شيخنا ابن ناصرrlm;:rlm; كان ابن الوليد داعية إلى الاعتزال لاتحل الرواية عنهrlm;)
ومعظم ما ذكره ابن الجوزى فى تأريخه لابن الوليد المعتزلى هو روايته لحديث (إذا لم تستحى فاصنع ما تشاء) و استخدم ابن الجوزى هذا الحديث ليطعن فى ابن الوليد وشيخه أبى الحسين البصرى قائلا عنهما (فكأنهما خوطبا بهذا الحديث لأنهما لم يستحييا من بدعتهما التي خالفا بها السنةrlm;، عارضاها بها ومن فعل ذلك فما استحياrlm;.rlm;) وبعدها جاء بروايتين عن شعبة وهو من رواة الحديث فى العصر الأموى وهو أول من أعلن هذا الحديث زاعما أنه سمعه من فلان الذى سمعه من فلان الى أن تنتهى العنعنة المضحكة الى النبى محمد عليه السلام.

والواضح أن شعبة هذا فى ظروف إذاعته لهذا الحديث لأول مرة قد اخترعه وارتجله لمناسبة الوقت، فالذين اسند لهم أنهم رووا الحديث عبر أزمنة مختلفة قد ماتوا ولا يستطيع أحدهم أن يخرج من قبره ليكذب شعبة. وبهذا الكذب على النبى محمد عليه السلام اشتهر رواة الأحاديث و صارت لهم سلطة فى الشارع العباسى ومجالس العلم. وقد وقف المفكرون العقليون من المعتزلة فى وجه رواة الحديث وسموهم (الحشوية) أى الذين يحشون رءوسهم بروايات كاذبة عن الرسول عليه السلام. فاستخدم أهل الحديث نفوذهم ضد معارضيهم المعتزلة فأرهبوهم و استأصلوا فكرهم من الساحة لينفرد بها أهل السنة فيما بعد ـ ولا يزالون.

وهذا الحديث لا يقوله عاقل.. فكيف يقوله النبى محمد عليه السلام؟. فما معنى (إذا لم تستحى فاصنع ما تشاء)؟ المعنى الواضح أنه تشجيع لكل جرىء على المعصية بأن يفعل ما يشاء طالما لا يستحى. وعليه فالتى تحترف البغاء ـ ولا تستحى ـ يمكن أن تجد فى هذا القول رخصة لها لكى تفعل ما تشاء، و الطاغى والسارق والمفسد والجاحد.. كل أولئك لهم أن يصنعوا ما يشاءون طالما لا يستحيون. هل يمكن أن تكون هذه نصيحة أخلاقية أو تربوية ناهيك عن دين الله تعالى؟ هل تستطيع أن تقول لابنك وأنت تعظه (إذا لم تستحى فاصنع ما تشاء) أم أن تبصّره بعواقب ما يفعل من سوء و تعظه بالتزام الحقوق؟
ونعود الى ابن الجوزى و السنيين فى القرن الخامس الهجرى..
كان من ضحية السنيين وقتها هذا الرجل (ابن الوليد المعتزلى) المتوفى سنة 478. وبعد موته لم يرحمه الفقيه الحنبلى ابن الجوزى فتجاهل محنته ولم يعرض لها إلا فى كلمات معدودة قال فيها عنه (كان يدرس علم الاعتزال وعلم الفلسفة و المنطق فاضطره أهل السنة إلى أن لزم بيته خمسيـن سنـة لا يتجاسـر أن يظهـر،) وتخيل نفسك محبوسا فى بيتك خمسين عاما تخاف الخروج من عتبة دارك. وهذا ما فعله أهل السنة بأحد كبار الدعاة العقليين المشهورين، فكيف بالطلبة و العلماء غير المشهورين؟
لقد جعل ابن الجوزى من سيئات (ابن الوليد المعتزلى) أنه لم يرو إلا حديثا واحدا، واستخدم هذا الحديث ضده فاتهمه بعدم الحياء، ثم أورد كلمة للشيخ السنى ابن ناصر تقول (كان ابن الوليد داعية إلى الاعتزال لاتحل الرواية عنهrlm;) أى أنه محروم من العدالة و خارج عن الدين السنى.
وهذا ما يفعله السنيون منذ القرن الثالث الهجرى وحتى الآن : انهم يستخفون خلف روايات كاذبة ينسبونها زورا للنبى محمد ويعبرون بها عما يريدون فاذا ناقشهم أحد اضطهدوه فى حياته وشوهوا سيرته فى حياته وبعد مماته.
والتاريخ يعيد نفسه..