مرة اخرى أجدني مضطرة للكتابة عن النقاب الذي يعتبر بالقوانين الوضعية ndash; ان طبقت بحق- جريمة اخفاء الشخصية المتعمد والتي أدخلت على الدين جهلا وزورا وبهتانا..حيث تلقيت العديد من الرسائل والتعليقات مؤيدة ومباركة أو شاتمة، كعادة القراء العرب عند الاختلاف بالرأي، كما ان اصدار وزير الاوقاف المصري قراره بمنع النقاب في بعض وظائف الوزارة دفعني لكتابة هذا المقال..
في الشريعة الاسلامية هناك قول :( الأصل في الاشياء الإباحة) والتي اعتـُبرت اساس لنص قانوني هو (الأصل في الافعال الإباحة مالم تمنع بنص قانوني )..
ولو بحثنا عن المنع في القوانين الوضعية لجميع الدول لوجدنا في اغلبها - ان لم يكن بجميعها ولايسعنا في مقال طرحها- فقرة تحظر على الناس التخفي وتغيير الشخصية ولم يستثني اي قانون- على حد علمي المتواضع - منها نقاب المرأة هذا.. اذن هو تصرف خارج عن القانون كغيره، ولابد من منعه او استثنائه واباحته بنص قانوني ليكون شرعيا..
ان مصيبتنا الكبرى ليست فقط جهلنا بالنصوص التي يعتد البعض بها إنما هي جهلنا بلغتنا العربية وهي اللغة الأم التي نتحدثها ونتعلم بها - هذا ان تعلمنا- ولاننسى ان 70 بالمائة من العرب هم اميون ولايعرفون القراءة والكتابة، وهذه النسبة تزيد حسب احصاء منظمة اليونسكو حيث ازداد الاميون بالعالم العربي الذي كان يبلغ اكثر من 70 مليون، عشرين مليون اخرى وهو في ازدياد مستمر مع الاسف، فاللغة العربية حتى ان تعلمها الكثيرون فلقراءة القرآن والادعية فقط وحفظها عن ظهر قلب كالببغاوات دونما فهم بمعانيها،كما انهم يتعلمون معها ما أ ُدخل على الدين متأخرا من شعوب دخلت في الاسلام مع ماعندها من الخرافات والخزعبلات وبطريقة عرجاء على ايدي أئمة جهلة غالبا وليس اطلاقا..
قبل ان ابدأ بلب الموضوع اتذكر مقولة اعجبتني وقالها احد كتاب المسلسلات السورية الجريئة، وكان من حقه علي ذكر اسمه، لكنني للاسف لم اتنبه الى اسمه بقدر مارسخ بذهني ماقاله وهو :
quot;ان نصف ما نفكر به لا نكتبه، ونصف مانكتبه لا يـُنشر، ونصف ما ننشره لا يـُقرأ، ونصف ما يـُقرأ لايـُفهم، ونصف مايـُفهم يـُساء فهمهquot;.. سأحاول اثبات عدم فهم الغالبية لنصوص القرآن الذي يقرأونه منذ اكثر من اربعة عشر قرن، والذين يصرون على فهمهم الخاطيء له..
فمن يعتقد ان النقاب من الاسلام يعتد بالاية 59 من سورة الاحزاب من القرآن تقول :
quot;يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماquot;...
وقد فسرت هذه الاية بتفاسير واضحة على ايدي مختصين بتفسير القرآن وليس من عندياتنا نحن الذين نشير لكم على فهمها وقرائتها كما هي. فابن كثير:3/855 يقول :
كان فساق أهل المدينة يخرجون بالليل فإذا رأوا المرأة عليها جلباب قالوا quot;هذه حرة فكفوا عنها، وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلبابا قالوا : هذه أمة فوثبوا عليهاquot;)
وفي تفسير البيضاوي : 4/386 يقول (و ذلك أدنى أن يعرفن فيميزن عن الإماء و القينات فلا يؤذين، ولا يؤذيهن أهل الريبة بالتعرض لهن
اما في طبقات ابن سعد : 8/141. فيقول:
( كان نساء النبي يخرجن بالليل لحاجتهن، وكان الناس من المنافقين يتعرضون لهن فيؤذين، فشكون ذلك، فقيل ذلك للمنافقين فقالوا : إنما نفعل ذلك بالإماء فنزلت هذه الآية)
وقال ايضا بذات الكتاب
لما كانت الحرة تخرج فتحسب أنها أمة فتؤذى، أمرهن الله أن يخالفن زي الإماء، ويدنين عليهن من جلابيبهن ( طبقات ابن سعد : 8/141 )
وفي تفسير الطبري لسورة الأحزاب، يقول :
(يتجلببن فيعلم أنهن حرائر فلا يتعرض لهن فاسق بأذى من قول ولا ريبة)..
وكلمة يعرفن هنا لا يمكن ان تعني التخفي او التلثم وتضييع الشخصية، انما بالعكس الآية تريدهن ان يعرفن، مَن هن ّ؟ والى اي القبائل ينتمين؟ وهل هن من الحرائر ام الجواري؟. فالمطلوب في الاية التعريف وليس التنكير، وعلة الرغبة بالتعريف هو سبب الآية المراد بها عدم التعرض للمؤمنات من خلال التعريف بهن. فلو كانت الجواري ترتدي النقاب والحجاب لطلب حتما من المسلمات ان لا يرتدينه وان يسفرن ليعرفن. اي لا يوجد تفسير يدعي ان الله قد اعتبر المرأة عورة فوجب اخفاؤها، ولايوجد علاقة بين الزي الذي طلب من المؤمنات ونساء النبي وعدم الاثارة والغرائز وما الى ذلك من امراض اسقطها المكبوتون والمحرومون من المتأسلمين لاحقا على التفسير وهم بهذا يفترون الكذب على الله ولايخشون.. والتفسير اللغوي لكلمةquot; أدنىquot; هو quot; اقرب quot; وقد جاء هذا في كل التفاسير، يعني كي يعرفن على انهن من الحرائر ويتميزن عن الإماء اللواتي يتبرجن كثيرا ولايضعن على رؤؤسهن الطرحات..وقد كانت سيدات القوم توضع على رأسها طرحات جميلة تشبه تيجان الملكات في ازمان سحيقة..
ولو ان المرأة في خلقتها عورة، فلماذا خلقها الله وهو القائل في كتابه :
وخلقنا الانسان بأحسن تقويم..
فيا دعاة الغلو ويامخربي الدين ويا نافخي في النار، كفاكم خروجا علينا من فضائيات سببها البترول وامواله التي لم توزع على فقراء المسلمين انما لرفاه أناس دون سواهم، ولتراكم اموال تلاعب بها بعض الفساد من الاغنياء ونشروا تجارة الرقيق وخربوا عقول الكثير من الشباب نساءً ورجالا واصبح الاعلام العربي يضج بقصص بيع الاجساد مقابل اغراء الشهرة والمال، ولي في هذه المسألة مقال آخر .
كفانا جهلا وتقتيلا باسم الدين، وكفاكم ظلما للمرأة وهي الأم التي تلهجون بقول الله بانه كرمها، فاين منكم كلمة quot;كرمهاquot; من كلمةquot; عورةquot; حيث اسبغتم على صوت المرأة كلمة عورة، ووجهها عورة، وشعرها عورة، وجسدها عورة..
فكيف يكرم الله من امتلأ بالعورات من رأسه حتى اخمص قدمه؟
حتى قررتم تغطيته ولفه كالجثث او كالجريمة، لتحرمونه من رؤية النور وليبقى قابعا وراء العتمة مدى الحياة، متناسين انه انسان وكما تقرأون بأن الله كرم الانسان دون المخلوقات الاخرى بالعقل والمشاعر.. فأين هذا من ذاك؟
يامشايخ التعصب، ويا ايتها الاصوات المرتفعة خمس مرات في جوامع البلدان الاسلامية..
لماذا لا تبشرون بالمحبة بين البشر؟ وهو مايحتاجه زماننا بل هو في اشد الحاجة له دون سواه؟
لماذا لاتبشرون بالابتعاد عن الحقد والعداواة وتنسون اغطية المرأة لانها امر ثانوي لاعلاقة له بالاقتصاد ولا الحروب ولا القتل اليومي والارهاب؟
ولماذا لا تعتبرون ان ما يحصل للعالم الاسلامي من كوارث وقهر قد يكون سببها الظلم الذي يحدث خللا في توازن الطبيعة وظلم المرأة في بلدان الاسلام على مدى قرون طويلة ربما كان سببا فيما يحصل لنا جميعا من تقتيل ودمار وتقهقر وجهل.. الا تؤمنون بالعقاب والثواب؟
وهل ما تنادون به من احجبة وانقبة وابعاد للمرأة عن الحياة وقهرها بين الحيطان يتناسب مع
quot;الجنة تحت اقدام الامهات quot;...؟
التعليقات