فنتازيا عربية
كان الثور الأبيض قد قال : أُكِلت يوم أُكل الثور الأسود، ورد هذا في القصة الشهيرة، وفحواها ـ بتصرف وإضافة ـ هو ان أسدا كان يعيش في الغابة مع ثلاث ثيران احدهما ابيض والأخر احمر والثالث اسود. كان أربعتهم، يعيشون مع بعضهم من دون مشاكل تذكر لأنهم لا يتنافسون على شئ، فالحشائش متوفرة بالنسبة للثيران بينما الحيوانات الصغيرة متوفرة بالنسبة للأسد آكل اللحوم. كانت الحياة تسير بينهم وبهم بشكل طبيعي وسلس، وكانوا الأربعة يعيشون في وئام تام. و في احد المواسم هطلت الأمطار بغزارة ونمت الأعشاب والحشائش بكثافة مما وفر للثيران المزيد من الغذاء فكان ان تـَرَبْرَبت واكتنزت لحومها مما أثار شهية الأسد لتلك اللحوم المكتنزة ولكنه كان محرجاً نسبة لعقد الصداقة بينه وبين تلك الثيران.
لكن الأسد لم يحتمل المقاومة كثيراً وهو يرى الثيران تزداد اكتنازاً ورَبْربة يوما بعد يوم، لذا صار يفكر في حيلة يستطيع بها التهام تلك الثيران، خاصة الثور الأسود الذي كان أكثرها لحماً. ذات يوم قرر الأسد فجأة ان يأكل الثور الأسود، فعقد اجتماعاً سرياً ـ بعيداً عن أجهزة الإعلام ـ مع ا لثورين الأبيض والأحمر وقال لهما انه قد عـَلِم من مصادر سرية موثوقة بان الثور الأسود عميل صهيوني، لذا يجب ان نتخلص منه بأسرع ما يمكن.
استغرب الثوران ان يصدر مثل هذا الكلام من الأسد، لأنهما يعلمان بل ومتأكدان بان الثور الأسود لا علاقة له بالصهيونية ولا حتى أمريكا، ويعرفان أيضا ان الأسد لاً ينتمي لأي دولة عربية بل و طوال حياته لم يذهب إلى اى دولة عربية أو يحتك بأي مواطن عربي، فمن أين له مثل هذا الكلام الذي يشبه بني يعرب؟؟، لذلك استغربا من هذه الاتهامات وتأكدا بان الأسد ينوي شراً، غير انهما ولخوفهما لم يقدرا على مواجهته والدفاع عن الثور الأسود ولم يكن في مقدورهما ان يقولا للأسد : إذا مسسته بسوء سيكون ردنا مزلزلاً!! أكمل الأسد روايته وقال بأن الثور الأسود أصلا لا يشبهنا في شئ، وهو شاذ وسطنا لذا قررت ان آكله حتى نتخلص منه، فما كان منهما إلا الموافقة والتضحية بالثور الأسود حفاظاً على حياتهما، إذ أحسا بأن الأسد لم تعد تكفيه تلك الوجبات الخفيفة التي تمثلها الأرانب والثعالب وما شاكلهما من الحيوانات الصغيرة وانه يأمل في وجبة كبيرة دسمة في حجم الثور، لذلك وافق الثوران الأبيض والأحمر على التضحية بزميلهما الأسود ليكون وجبة للأسد خوفاً من ان يكون احدهما هو تلك الوجبة. هجم الأسد على الثور الأسود والتهمه. وبعد ا أيام قليلة عقد الأسد اجتماعاَ سرياَ آخر مع الثور الأبيض واخبره بأنه عرف ان الثور الأحمر له علاقة بالـ (CIA).
وبعد هذا الاتهام (الخطير) كان مصير الثور الأحمر المحتوم هو الاستقرار في بطن الأسد كسابقه الأسود. بقي الثور الأبيض وحيداَ مع الأسد وهو في حالة خوف ورعب من المصير المحتوم، وصار يُدبج الخطب العصماء في مدح الأسد والحديث عن مناقبه ووفائه، وصار يضفي عليه مناقب الملائكة والقديسين. ولكن كل هذه الدهنسة لم تنفع عندما حانت ساعته. ففي ذلك اليوم رأى الأسد يقبل عليه والشرر يتطاير من عينيه، فعرف ان دوره قد حان، وقبل ان يهجم الأسد عليه قال قولته المشهورة : اُكِلت يوم اُكِل الثور الأسود، وكان يقصد بذلك ان لولا جبنه هو والثور الأحمر وعدم وقوفهما معه ومناصرتهما له لما كان هذا هو مصيرهم، ولو كان الثلاثة قد تكاتفوا مع بعضهم ضد الأسد لكانوا قد دحروه وتخلصوا منه. هذه المقولة الشهيرة للمرحوم الثور الأبيض تنطبق الآن على المواطن العربي في الكثير من بلاد بني يعرب. فهو ينتظر الموت في كل لحظة من لحظات حياته بعد ان أصبح الموت يسير في الطرقات والأسواق، ويدخل إلى المخابز والمصانع ووسائل المواصلات، بل والمدارس والبيوت. وصار هذا المواطن لا يعرف الطريقة التي يتحدد بها مصيره، ما إذا كانت سيارة مُفخخة أو طلقة من بندقية مُلثـّم.. أو مكشوف. وان كان في الماضي يعرف بأن المُلثـّم هو شخص خارج عن الأعراف والقوانين لذلك يتلثم خوفاً من الاكتشاف والمساءلة فانه الآن يرى ان المُلثم قد صار يظهر على شاشات التليفزيون وتحيطه الميكرفونات والكاميرات ليُلقي خطبه ويرسل تهديداته بلا خوف من محاسبة أو مساءلة، بل انه يُوصم بالبطولة ويجد من يصفق له ويدافع عنه، بل ويُتهم كل من يقول عنه كلمة أو يوجه له نقداً بما اُتِهم به الثور الأسود في أول القصة. لكل ذلك فإن هذا المواطن العربي ينتظر حتفه المحتوم الذي لا يعرف متى، وبأي وسيلة يأتيه، ولسان حاله يقول : قـُتِلت يوم خرج المُلثـّم على الشاشة، وهو يعني ان سكوته هو الذي أوصله إلى هذا المصير الانتحاري.... ورحم الله الثور الأسود ولا عزاء لبقية الثيران.
التعليقات