وماذا لو أعلن الغزاة إسلامهم..؟

وجاهدوا في سبيل الله لعلكم تفلحون (سورة المائدة- 35 )
أنفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون (سورة التوبة- 41)
وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير (سورة الأنفال- 39 )
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (سورة التوبة- 29)
كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين (سورة التوبة- 7 )


لقد أطلق المسلمون الأوائل صفة الجهاد على غزواتهم وفتوحاتهم للبلدان الأخرى، واعتبروها حروبا في سبيل الله هدفها نشر الدين الإسلامي. وأطلقوا صفة مجاهد على كل مسلم يهب نفسه وماله لله، ويقاتل من أجل ترسيخ دينه ونشر تعاليمه.
فالجهاد إذن يعني في الإسلام مقاتلة الكفار والمشركين وغير المسلمين، من أجل نشر الدين الإسلامي. وآيات الجهاد في القرآن الكريم كثيرة. وقد تبلغ نحو (352 آية) ثلاثمائة واثنان وخمسون آية، تدعو جميعها إلى الجهاد وتحض المسلمين على الغزو والقتال في سبيل الله، لنشر دين الله الإسلام، وتمتدح المجاهدين والشهداء، وتذم المتخاذلين القاعدين عن الجهاد. كما تتحدث عن نظام الجهاد وقوانينه، والأسرار الحربية والفرار من المعركة، والنصر الإلهي، والفضل الإلهي، وعن الغزوات والسبي والأسرى والرقيق.
وترى الأكثرية الساحقة من الفقهاء والدعاة والمفسرين أن لا حرب في الإسلام إلا الحرب- الجهاد في سبيل الله ضد المخالفين في الدين، وأعداء الدين (لا تُقبل الجزية إلا من أهل الكتاب).

وآيات القرآن الكريم بما فيها من توجيه وتعاليم، لا ترتبط- كما يرى أكثر المسلمين- بزمان أو مكان أو تاريخ أو مجتمع دون غيره من المجتمعات، أو حدث معين، ينتهي مفعولها بانتهاء ذلك الحدث. بل هي تعاليم أزلية واجبة التنفيذ وصالحة لكل زمان وكل مكان ولكل أنواع المجتمعات دون استثناء. ومعظم المسلمين، وكل الإسلامويين يعتبرون الجهاد فريضة على كل مسلم ومسلمة. لكنهم يختلفون إن كان فرض عين، أم فرض كفاية.
لسنا بصدد مناقشة هذه المسألة، مسألة الجهاد، والقتال في سبيل الله لنشر دين الله الإسلام، وفرضه بالقسوة أو باللين على الناس أجمعين. ولسنا بصدد مناقشة ما إذا كان مفهوم الجهاد يتناسب، أم لا يتناسب مع مفاهيم القرن الواحد والعشرين، ومع مبادئ حقوق الإنسان في الرأي والتعبير والاعتقاد والاختيار...ألخ، والتي يطالب بها أعضاء المنظمات الإسلاموية المقيمون في أمريكا والدول الغربية. ويحتقر بعض بنودها رفاقهم في المنظمات ذاتها المقيمون في ديار الإسلام.

إن ما يلفت النظر أن أمريكا وإسرائيل تسمي المنظمات الإسلامية التي ترفع شعار المقاومة، وتقاتل المحتلين في العراق وفلسطين، تسميها منظمات جهادية، وتسمي أعضائها مجاهدين، للإيحاء بأن هذه الحرب هي حرب دينية لا وطنية، والقتال هو جهاد من أجل نشر الدين، لا لتحرير الوطن وطرد المحتلين والغاصبين، وعودة اللاجئين. وقد لا تُلام أمريكا وإسرائيل كثيرا لهذا التوصيف المقصود لأن مصلحتهما تتطلب ذلك، خاصة وأن منظمات المقاومة الإسلامية تسمي نفسها منظمات جهادية، وتطلق على مقاتليها لقب مجاهدين.

إذا كانت هذه المنظمات التي تسمي نفسها جهادية وأعضائها مجاهدين، تقاتل من أجل تحرير الوطن، فالمعركة معركة تحرر وطني، والوطن لجميع أبنائه على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وأثنياتهم. وفلسطين والعراق ملك لهؤلاء جميعا، وليستا وقفا لأتباع دين أو مذهب دون آخر. فالعثمانيون لم يفرقوا بين أديان من علقوهم من الوطنيين على أعواد المشانق. كذلك لم يفرق البريطانيون والفرنسيون في البلدان التي احتلوها بين أديان من قمعوهم وسجنوهم واضطهدوهم. وحركات التحرر الوطني والاستقلال في البلدان العربية، والمنظمات الفدائية الفلسطينية، والمقاومة اللبنانية ضد الإسرائيليين، أسسها وشارك فيها وقادها وطنيون من مختلف المذاهب والأديان. ومع ذلك فإن الكثيرين من أعضاء هذه المنظمات الإسلامية التي ترفع شعار المقاومة، يضنون بلقب شهيد على مقاوم غير مسلم يسقط في ساحة المعركة، فالله في اعتقادهم لم يقبل من هذا المقاوم تضحيته بروحه ضد المحتلين.

لا أظن أحدا من قادة وأعضاء منظمات المقاومة الإسلامية يجهل معنى الجهاد وأهدافه، ويجهل مدلولات توصيف المقاتلين بالمجاهدين. فإذا كانت هذه التسمية مقصودة من قبلهم، فهذا يعني أنهم يقاتلون من أجل نشر الدين، لا من أجل تحرير الوطن من المحتلين. وإذا كانوا يعنون- وهم إسلاميون- بلفظة الجهاد والمجاهدين معناها الإسلامي، فماذا لو أعلن هؤلاء الغزاة المحتلون الغاصبون إسلامهم، واعتنقوا الدين؟ هل يتوقفون عن القتال ضدهم، ويبقى الغزاة في بلادنا، متربعين على صدورنا، بحجة أنهم إخوتنا في الدين؟

أن الكثيرين من الفقهاء والدعاة والمفسرين يقولون أن لا حرب في الإسلام غير الحرب على الكفار والمشركين والمخالفين وأعداء الدين. وهو السبب الذي من أجله رفض وأدان الكثيرون من الإسلاميين حرب التحرير (الثورة العربية الكبرى) ضد العثمانيين الذين احتلوا أرض العرب ونكلوا بهم قرابة أربعمائة عام، بحجة أن العثمانيين أخوتنا في الدين لا غزاة محتلين. ولماذا نذهب بعيدا، ونستنطق التاريخ، وما قاله بهذا الخصوص زعيم حزب الإخوان المسلمين ما زال حيا في الأسماع والأذهان. إذ لم يجد هذا الزعيم غضاضة في أن يحكمه مسلم من تركيا أو الباكستان أو أفغانستان أو طغرستان. وهؤلاء فقراء من بلدان متخلفة. فكيف يكون شعوره لو كان من سيحكمه مسلمون أغنياء ينتمون لبلدان متقدمة كأوروبا أو أمريكا؟
إن أمريكا وإسرائيل عندما تطلقان على المقاتلين في سبيل الحرية والتحرير، صفة الجهاد والمجاهدين، فإنهما بقصد أن يفرغوا قضية المقاومة ومقارعة المحتل من محتواها السياسي الوطني، وبقصد تحويلها من قضية اغتصاب واحتلال أرض ووطن، إلى قضية دين وقتال من أجل الدين ضد الكفار والمشركين. كل ذلك بهدف إلحاق صفة الإرهاب بهؤلاء المقاومين. الإرهاب الذي يتوحد اليوم العالم أجمع للوقوف في وجهه، والقضاء عليه. خاصة وإن شعارات الجهاد التي رفعها (بن لادن) ومنظمات القاعدة وتفرعاتها، بادعاء أن الرسول (ص) قد قال: (أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله). وأعلن بموجبها الحرب على اليهود والصليبيين قد روعت القارات الخمس. فمن ذبح النساء والأطفال في الجزائر، إلى ذبح الناس على شاشات التلفزيون في العراق وتفجير كنائسه ومساجده ومجالس العزاء فيه. ومن تفجير حفلات الأعراس في الفنادق الأردنية، إلى منتجعات مصر ومناطقها الأثرية، ومن كينيا إلى اندونيسيا، ومن أنفاق بريطانيا إلى قطارات أسبانيا، ومن أبراج نيويورك إلى مدراس الأطفال في استونيا، وغيره كثيرٌ كثير.


لا يمكن للمنظمات (الجهادية) ومناصريها أن يعيشوا في حرب أبدية مع العالم. كما لا يمكننا أن نعيش في عزلة عن هذا العالم، خاصة وإنه متقدم، وإننا متخلفون، نتلقى مساعدته الفنية والتكنولوجية والمالية، ولا يمكننا أيضا أن نطالب العالم باحترام عقائدنا ما لم نحترم نحن عقائده أولا.


[email protected]