فضلت الإبتعاد التام عن الخوض في تفاصيل السياسات الداخليه للدول العربيه فيما عدا في فلسطين.. وذلك لأنني أؤمن بالمثل القائل أهل مكه أدرى بشعابها.... هذا بالتحديد ما جعلني أبتعد عن التعليق على إعدام الرئيس العراقي المخلوع.. صدام حسين...
ولكن حينما يتعلق الأمر بمصير المنطقه العربيه.. ومصير الإنسان العربي.. فإن ضميري وعقلي يمنعني عن هذا العزوف.. ويؤرقني حث ضميري المتواصل على الكتابه لمحاولة إيصال صوتي إلى الضمائر العربيه لوقف الكارثه التي ستحل بالعراق.. وبالمنطقه العربيه كلها ..
مما لا شك فيه بأن قرار الرئيس الأميركي بوش إرسال أعداد جديده من القوات.. ما هو إلا لعبه سياسيه بدون بعد إستراتيجي..محفوفه بالمخاطر.. وهي أيضا هزيمه ذاتيه لمبادىء الولايات المتحده التي ساهمت في فرضها على أوروبا.. وهي إنتهاء الحقبه الإستعماريه بعد الحرب العالميه الثانيه.. ومع العلم الأكيد بأن الحل العسكري سيفاقم من الأوضاع ولن يؤدي إلى أي نصر.. لسبب مؤكد وهو غياب أفق الحل السياسي غياب محاولة الحوار مع جميع الأطراف العراقيه.. وغياب محاولة التعامل مع جذور الصراع العربي ndash; الغربي والذي يبدأ من فلسطين ..ويتاجج في العراق الآن.. ولكن ومع إستمرار المعضله في عدم ايجاد حل عادل يتجاوب مع المتغيرات الدوليه والمعطيات على الأرض لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ..وعدم نشوء دوله فلسطينيه ذات حدود سياديه تستند إلى قرار 242.. أي إلى الشرعيه الدوليه.. يبقى هذا الصراع الوقود الذي تستعمله كل من القاعده.. والجماعات المتطرفه .. وأيضا الدوله الايرانيه لتصعيد الحقد والغضب تجاه أي عقلانيه في كيفية التعامل مع العالم الخارجي.. حتى وإن أدى الأمر إلى إحرق المنطقه إرضاء لأطماع خاصه أو عقيدة دينية...
الديمقراطيه في العراق وفي المنطقه العربيه كلها.. لا يمكن أن تنمو بقوة السلاح.. ولكن نموها ونجاحها مؤكد في حال أثبتت أميركا عدم إزدواجيتها في تعاملها مع الحقوق الإنسانيه لشعوب المنطقه التي تحلم بالسلام والإستقرار الإقتصادي والسياسي... وبالتالي فإن المعضله هي كيفية إقناع أميركا بأسلوب الحوار.. لأن الديمقراطيه خيار لا يفرض.. هذا ما قد يسهم ويساعد في خروج القوات الأميركيه بشيء من حفظ ماء الوجه بعد الفشل الذريع الحاصل الآن.... إلا إذا كانت لدى الولايات المتحده خطة بديله خفيه.. وهو ما يخيفني ويؤرقني....
تصريح مسؤول الأمن القومي الأميركي جون نيغروبونتي بأن خطر التأثير الايراني في العراق أصبح أكثر تهديدا من الخطر النووي الذي تصمم ايران على إمتلاكه.. يجعلني وأنا التي لا تؤمن بنظرية المؤامره .. أتفحص الموضوع من زاوية أخرى .. وأتساءل هل النيه الأميركيه معقوده.. أو أنها إنعقدت من الآن فصاعدا على تحجيم ايران بكل الطرق الممكنه.. ليس فقط للقضاء على قدرتها النوويه.. ولكن القضاء الفعلي على تأثيرها الذي يستند إلى الإسلام السياسي ...
هل أصبح العراق حلبة المصارعه الحقيقيه ما بين العملاقين الايراني.. الذي يحمل أجندة الإسلام السياسي والإدعاء الأميركي الذي يدّعي أن وجوده في العراق هو لمحاربة الإرهاب .. والخاسر الكبير بينهما العراق والمنطقه العربيه بأجمعها..

زيارة أحمد نجادي المرتقبه إلى بغداد .. تحمل عدة معاني .. وتحمل أيضا أهداف على رأسها مقابلة رهان الرئيس الأميركي على إرساء الإستقرار والأمن في العراق وسلخه عن ايران في إصرار أميركي بالغ على قطع الطريق على أحلام ايران النوويه والدوليه..وبرغم أنه برهان على الغباء الأميركي لأنه هو الذي سهّل النفوذ الايراني بالغزو الأميركي ..وعبر الحكومه العراقيه الحاليه .. إلا أنني أتمنى أن لا ينجح أي من الرئيسين في جر العراق إلى محو نفسه..
أنا لست ضد ايران.. وأعارض السياسه الأميركيه القديمة والجديده في العراق.. لسبب واحد هو أنني أؤمن بحقوق الشعوب ذاتها في حماية نفسها والتعامل مع الدول بما يتجاوب مع مصالحها وبما يحفظ لها سيادتها .. وأعلم أن كلآ من الولايات المتحده وايران ليستا مع حقوق أي أحد سوى أطماعهم .....
وبالتالي فإن هذه الزياره المفاجئه هي محاولة لا تقل يئسا عن محاولة بوش الأخيره في إستتباب الأمن في العراق وإن كانت لا تحمل معها زيادة عدد القوات العسكريه. لأن هذه القوات موجوده أصلآ ..
حقيقة أن الولايات المتحده لم تنتصر ولن تنتصر في العراق.. ولكن علينا ألا ننسى أن القوات المتعددة الأخرى لم تنتصر أيضا.. وأن حمام الدم العراقي ليست الولايات المتحده وحدها المسؤولة عنه.. فالمسؤولية مشتركه مابين.. القوى الأجنبيه.. والقوات المواليه لصدام .. وقوات أخرى تصل متسلله وتنتمي لجماعات متطرفه متعدده وميليشيات كبيره وصغيره تنتمي للصدر وغيره .. والله أعلم من أيضا.. بحيث أصبحت أرض العراق مستباحة لكل من له خصومات سياسيه...أو أطماع ...
إنسحاب القوات الأميركيه لن يتم إلا إذا تعاطى العراقيون أنفسهم بمبادىء الديمقراطيه.. بتشكيل حكومة وحده وطنيه تستند على المواطنه بكل معانيها.. ووقف نزيف الطائفتين أنفسهما..
شعوب المنطقه كلها وقادتها وأنظمتها .. سواء في العراق أم في فلسطين ولبنان ومصر والسعوديه. بل في المنطقه العربية كلها مسؤوله عما قد يحدث إذا لم تعمل على المحافظة على روح الدين التي تقوم على المساواة والإخاء بين جميع الأجناس والأعراق... وتثبيتها في قوانين حضاريه تبتعد عن العنصريه لتوقف ما يحدث الآن من إقتتال داخلي ينسف أساس الدين ويقتل المواطن الإنسان ويبتعد أكثر فأكثر عن المبادىء العالميه لحقوق الإنسان التي يقوم عليها مبدأ المواطنه...

أحلام أكرم ndash; ناشطه وباحثه في حقوق الإنسان