وقفة مع العلوي

كعادته في ابتكار عناوين المانشيتات الصحفية و المصطلحات السياسية كمصطلح (ايديولوجيا الضم) في تفسيره لسلوك الانظمة والحكومات العراقية المتعاقبة تجاه دولة الكويت وولع تلك الانظمة في ضمها للعراق, وايجاده لمصطلح ( دولة المنظمة السرية) في اشارة الى حزب البعث العفلقي الذي حكم دولة العراق بعقلية المافيا او المنظمة السرية, ومصطلح ( الدولة الضامنة) في محاولة لتوصيف طبيعة العلاقة المستقبلية بين امريكا والعراق بعد اسقاط نظام صدام وايجاد مخرج لوصف حالة امريكا في العراق حيث الجدل يحتدم بين انصار ذلك التواجد الذين يرونه تحريرا وبين اعدائه الذين يرونه احتلالا ً، وابتكاره لما اسماه بـ (مبدأ كسر الاتجاه) في حديثه عن تعامل الديكتاتور البائد صدام مع خصومه السياسيين، وتأسيسه لمصطلح (ثقافة الاجتياح) في وصفه للمثقفين الذين ايدوا النظام الصدامي في اجتياحه لدولة عربية شقيقة جارة ومباركتهم ذلك الغزو وتصويره على انه انجاز (تاريخي) للامة العربية, الى غير ذلك من العبارات والمصطلحات التي تفتق عنها ذهنه الوقاد, خرج علينا المفكر العروبي العراقي حسن العلوي بابتكار جديد وذلك حينما ادلى بدلوه في اعدام الديكتاتور ففجر -كعادته- قنبلة اعلامية من على شاشة احدى الفضائيات العربية ليعلن رأيه صراحة بشنق صدام قائلا ً : (ان من اعدم هو صدام السني وليس صدام الديكتاتور) فثارت لمقولته هذه ثائرة القوم من ابناء مذهبه على وجه التحديد ولم يبخل بعض المتشددين منهم بوصفه بأقذع الاوصاف لانه في اعتقادهم قد انحرف ومنهم من زعم انه عاد الى اصله (البعثي) بدعوى (وما الحب الا للحبيب الاولي).

آل فضال
في اعتقادي ان في ذلك اجحاف وظلم كبيرين لرجل نذر في العقدين الاخيرين قلمه وفكره لخدمة ابناء شعبه الذين مافتئ بعضهم يظلمه رغم كتاباته الرائعة كسفره الخالد ( الشيعة والدولة القومية في العراق) والتي عجز المتحدثيين باسم شيعة العراق ان يكتبوا مثله او ان يعرضوا مأساة اتباعهم بالطريقة الرائعة التي اتبعها العلوي وهو يتحدث عن ابناء جلدته الذين ُظلموا وَظلموا انفسهم طوال عمر الدولة العراقية الحديثة, وبدلاً من ان يسارعوا الى تكريمه والاحتفال به على جهوده القيمة نجد بعضهم قد تنكرله كما تنكر من قبل لجهود العالم الاجتماعي الكبير المرحوم علي الوردي والذي لو وجد مثله -اي مثل الوردي- في امة اخرى او بلد اخر لاطلقوا اسمه على الشوارع ولاسسوا المعاهد لتدريس نظرياته ولخصصوا جائزة للمبدعين باسمه كما تفعل الامم المتحضرة مع مبدعيها وعباقرتها. ولعل العلوي يدرك ذلك اكثر من غيره فاذا كان هذا هو الحال مع الوردي -والذي لم يكن بعثيا- فان الامر معه سوف لن يكون احسن حالا.
ان بامكان المعترضين على العلوي ان يتعاملوا معه على طريقة ( خذوا ما رووا وذروا ما رأوا) وهي الطريقة التي امر الامام الصادق مؤسس المذهب الجعفري اصحابه اتباعها عند التعامل مع (آل فضال) حينما سُئل عنهم ,ومفاد جواب الصادق خذوا رواياتهم عنا لانهم محل ثقة واتركوا رأيهم في العقيدة. اقول كان الافضل اتباع الامر ذاته مع العلوي بدلا من مصادرة جهوده وبخسه حقه. فالرجل مثله كمثل (آل فضال) الذين اشتهروا بآراء لاتتماشى والخط العام للعقيدة الجعفرية لكنهم ثقاة في نقل روايات اهل البيت عليهم السلام وهو الامر الذي بدأت ملامحه بالظهور في كتابات العلوي الاخيرة التي تناول فيها بعض المسائل العقائدية والتاريخية المختلف عليها كما في كتابه الجديد الذي يتحدث فيه عن الخليفة عمر بن الخطاب.
شخصية العلوي
دعونا الان ننتقل لمناقشة آخر آراء العلوي والمتعلقة باعدام صدام حيث وصف العلوي ذلك على انه اعدام لـ(صدام السني) وليس لصدام الديكتاتور في محاولة منه لزج البعد الطائفي في قضية جنائية اعطى القضاء العراقي المستقل رأيه فيها بكل شفافية وموضوعية لم يشهد لها تاريخ المنطقة مثيلا من قبل. وقبل الخوض في الرد على هذا الرأي لابد من الاخذ بنظر الاعتبار ان اجتهادات العلوي وقراءاته السياسية على وجه التحديد تنطلق من ثلاث ابعاد تلتقي لتكون شخصيته وهي عروبيته وعراقيته وتشيعه. فهو يتناول الاحداث من منظار عروبي ثم عراقي واخيرا شيعي وهذا ما يفسر لنا تصديه للهجمة الشرسة التي تريد النيل من عروبة الشيعة في العراق وتعجيمهم واصراره على التمييز بينهم وبين بقية الشيعة فهو يفهم التشيع من وعي عروبته. واذا ما اتضح لنا ذلك نستطيع الان مناقشة رأيه السالف الذكر في اعدام صدام.

صدام الديكتاتور
ان العلوي اراد بلغة ديبلوماسية وغير مباشرة القول ان عملية الاعدام تمت بآلية طائفية وليست وطنية حينما ركز على ان الاعدام نال من (صدام السني) وليس صدام الديكتاتور اذ ان هذا الاخير بدأ حكمه بتصفية الرموز السياسية السنية قبل الشيعية او الكردية مثل الشيخ عبد العزيز البدري زعيم الاخوان المسلمين في العراق والشيخ السهروردي ووزير الدفاع السابق حردان التكريتي الذي اغتيل في الكويت ووزير خارجية البعث ناصر الحاني العاني الذي اغتيل في بغداد على يد احد ازلام (مكتب العلاقات) الذي كان يمثل مخابرات البعث في حينها, بعدها عرج على الشيعة حينما اعدم مجموعة الشيخ عارف البصري المعروفة بـ(قبضة الهدى).
وحينما بُسطت له الوسادة كزعيم اوحد للعراق بعد تنحي البكر بدأ عهده بالقضاء على رفاقه في الحزب من السنة فقتل وزير الصناعة السابق محمد عايش الدليمي ووزير الاقتصاد عدنان الحمداني الذي كان يلقب بـ( مدلل الحزب) وعبد الخالق السامرائي ووزير الصحة السابق رياض العاني وغيرهم من البعثيين المناوئين لصدام وكل هؤلاء سنة عرب وقبل ذلك ضرب الحزب الشيوعي العراقي وشتت شمله بعد ان انقلب على الجبهة التي اقامها معه ناهيك عن قتله فيما بعد لابن خاله وزير الدفاع السابق عدنان خير الله الذي رفض غزو الكويت حيث قتله يوم العيد عندما فجر طائرته, ومن ثم قتل صهريه حسين وصدام كامل شر قتلة بعد هروبهما الى الاردن وعدوتهما ثانية الى العراق بعملية عرفت بـ(صولة الغضب) قادها المجرم علي حسن المجيد الملقب بـ(علي كيمياوي) ولم تسلم عشائر الرمادي من جور صدام حينما اقدم على إعدام اللواء محمد مظلوم الدليمي الذي اراد تنفيذ انقلاب عسكري ضده وآخرين معه انتفضت على اثرها عشيرته فقمع صدام تلك الانتقاضة بشكل وحشي, وطال الديكتاتور صدام بظلمه الاكراد فمحى قرى كردية بأكملها من الخارطة في عمليات (الانفال) سيئة الصيت ومن قبل ذلك قتل الالاف من ابناء الشعب الكردي بالاسلحة الكيماوية وقضى على قرى التركمان في كركوك كقرية (بشير) وحي (تسعيين) وشرد اهلها واعدم رجالها.

صدام السني
اما (صدام السني) من وجهة نظر العلوي فقد بدأ ظلمه للشيعة في احداث انتفاضة صفر ومن ثم انتفاضة رجب وقمعه للشيعة الذين كانوا يمارسون شعائرهم الدينية في السير الى كربلاء لزيارة مرقد الامام الحسين حيث منع نظام صدام ابناء الاغلبية من ممارسة شعائرهم المذهبية وتسبب هذا المنع في انتفاضتين احرجتا النظام الذي لم يدخر جهدا قي قمعهما بكل قسوة وملاحقة المعارضيين الشيعة وزجهم في السجون والمعتقلات واعدامهم فرادى وزرافات واغتيال رموزهم ومراجعهم حيث قتل صدام المفكر الاسلامي محمد باقر الصدر واخته بنت الهدى وقتل الاف من ابناء الشيعة الذين عارضوه وقتل العشرات من ابناء البيوتات الدينية الشيعية المعروفة ليصل الى ذروة طغيانه الطائفي حينما وأد انتقاضة الشيعة في عام 1991 بطريقة وحشية خلفت بعدها مئات من المقابر الجماعية التي حوت بين دفتيها الالاف من النساء والاطفال والشيوخ والشباب لا ذنب لهم سوى انهم شيعة ثم عاد واقترف في منتصف التسعينيات جريمة كبرى اخرى حينما اقدم على قتل المرجع الكبير محمد محمد صادق الصدر ونجليه ومطاردة اتباعه وانصاره تحت كل حجر ومدر. وأوغل في سياساته التعسفية بحق المدن الشيعية التي ارجعها صدام الى القرون الوسطى رغم كونها اغنى المدن العراقية وهجر الآف من العوائل الشيعية الى دولة جارة بتهمة انهم من اصول غير عراقية. هذا هو الفرق عند العلوي بين صدام الديكتاتورالذي عمَّ شره كل العراقيين وبين (صدام السني) الذي اقتصر شره على الشيعة والذي شن حربا ضروس ضد الدولة الشيعة الوحيدة في العالم استمرت زهاء الثمان سنوات خلفت ورائها ملايين القنلى والمعاقيين كانت للشيعة حصة الاسد فيهم.
وفي رأي العلوي ان الذي اعدم شنقا هو هذا الـ (صدام) وليس ذاك وذلك لان الذين شنقوه هم الشيعة فقط دون غيرهم من بقية العراقيين الذين ظلمهم صدام الديكتاتور من سنة واكراد وتركمان واخرين. وبكلمة اخرى يريد العلوي من وراء التفريق بين صدام الديكتاتور و (صدام السني) ان يعيب على الاداء المرتبك والمستعجل لسيناريو الاعدام الذي اعطى انطباعا مفاده ان الشيعة قتلوا شخصا سنيا اساء اليهم حينما كان في الحكم واعدموه على جريمة واحدة فقط تتعلق بهم دون غيرهم هي جريمة قتل ابنائهم في الدجيل.

مَن أعدم مَن؟
ان من حق العلوي ان يتبنى مثل هذا التحليل لعملية شنق صدام وقد اتفق معه شخصيا بشكل جزئي لهذا التحليل لكن ليس بشكل كلي. لانه اذا تحرينا الدقة فسنكتشف ان من اشرف على عملية الاعدام ونفذها هو الجهاز التنفيذي في الحكومة العراقية والمتمثل بوزارة العدل التي يترأسها وزير سني مرشح عن القائمة العراقية التي يترأسها الدكتور علاوي، ومن المعروف ان ادارة السجون العراقية وتنفيذ الاحكام الصادرة من القضاء العراقي المستقل بحق المجرمين هو من واجبات هذه الوزارة والتي كما ذكرت يترأسها وزير سني وليس شيعي فعلى ذلك يكون من نفذ الحكم بـ (صدام السني) وزير سني نقول ذلك تماشيا مع اسلوب العلوي في تناوله لهذه القضية التي نرى انه حملها ما لا تتحمل من التفسير.
وقد يقول قائل ان المشكلة ليست في الوزير ولا في وزارته بل المشكلة في من حضر الاعدام والهتافات(الطائفية) التي رافقت عملية الاعدام والتي كشفت عن هوية الحضور كونهم شيعة ! فجوابنا على ذلك ان الذين حضروا عملية اعدام صدام والتي اشرفت عليها وزارة العدل انما حضروا بصفتهم الوظيفية والمهنية والقانونية وليس بصفة أخرى, فعلى مستوى الحكومة حضر مستشار الامن الوطني وعلى مستوى البرلمان حضر رئيس اللجنة القانونية فيه وكلا الرجلين لمنصبها الوظيفي علاقة بعملية تنفيذ الحكم بالاضافة الى كل من ممثل وزارة العدل والادعاء العام وممثل القضاء وهذا الاخير كرديا وهكذا بالنسبة لبقية الحضور الذين تواجدوا بصفتهم الوظيفية وليس بصفتهم الطائفية او العرقية فضلا عن تواجد رجل دين سني. ومن هنا نخلص الى ان الذي اعدم هو صدام الديكتاتور وليس شيئا آخر لان من اصدر حكم الاعدام هو قاضٍ سني كردي ومن اشرف على تنفيذه هو وزير سني عربي واما من حضر من الشيعة فقد حضر بصفته الوظيفية والقانونية وبذلك يكون جميع العراقيين قد ساهم بشكل او بآخر باعدام صدام الديكتاتور وليس (صدام السني) كما ذهب الى ذلك المفكر حسن العلوي وميله-اي العلوي- خلافا لمنهجه الى التعامل مع قضية جنائية بطريقة دينية وزج الطائفية في قضية ابعد ما تكون عن ذلك ربما في محاولة منه لامتصاص نقمة العرب والقول ان هناك من الشيعة من يعترض ايضا على هذا الاخراج لاعدام اعتى طاغية عرفه العالم العربي والاسلامي على ان الاعتراض على طريقة التنفيذ لا يعني بالضرورة الاعتراض على مبدأ اعدام صدام الذي نرى انه نال جزاءه العادل وشنق بجنس عمله تطبيقا للقاعدة القائلة ( كما تدين تدان).

[email protected]