مع أعلان quot;حزب اللهquot; عن نيته الهادفة ألى تعطيل الحياة في لبنان يوم الثلاثاء المقبل، يبدو مفيداً العودة قليلاً ألى خلف وأستعادة بعض الأحداث. ما لا بدّ من استعادته أن الحزب وافق على كلّ نقطة وفاصلة في قرار مجلس الأمن الرقم 1701 الذي أنهى العمليات العسكرية في لبنان قبيل منتصف أغسطس- آب الماضي. سعت الحكومة اللبنانية، التي يشن عليهاالآن حملة تخوين، بمساعدة عربية ودولية ألى أنهاء القتال بغية وقف الحرب المدمّرة التي تشنّها أسرائيل والتي تسبب بها quot;حزب اللهquot;. الآن يوزّع الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله الأتهامات يميناً ويساراً متناسياً أن حزبه كان المستفيد الأوّل من تحرّك حكومة فؤاد السنيورة الذي أستهدف أنقاذ لبنان واللبنانيين، خصوصاً أهل الجنوب الذين يبدو مكتوباً عليهم أن يكونوا سلعة تاجرت بها المنظّمات الفلسطينية حتى العام 1982 ليحل مكانها quot;حزب اللهquot; في أيّامنا هذه.
كان لا بدّ من أستعادة الماضي القريب والبعيد لعلّ ذلك يساعد في فهم الأسباب التي تؤدّي ألى متابعة الحزب التصعيد بهدف واضح وصريح يتمثّل في خلق فراغ سياسي في البلد كي لا يكون هناك حدّ أدنى من المناعة اللبنانية. مثل هذه المناعة ضرورية كي تكون في لبنان مقاومة للمحاولات الهادفة ألى ابقاء لبنانquot;ساحةquot; للمحور الأيراني- السوري. تلك هي بكلّ بساطة مهمّة quot;حزب اللهquot; الذي أستأجر واجهات من بينها النائب ميشال عون الذي يتابع المهمة التي أستُحضر من أجلها، مهمّة لعب دور الأداة ومتابعة تهجير اللبنانيين، خصوصاً المسيحيين من لبنان. هل من يريد أن يسأل كم عدد اللبنانيين الذين هاجروا من البلد نتيجة بطولات الأستاذ عون في الأعوام 1988 و1989 و1990 من القرن الماضي عندما تحصّن في قصر بعبدا رافضاً الخروج منه أرضاء، من حيث يدري أو لا يدري، للنظام السوري الذي كان يريد تنفيذ أتفاق الطائف على طريقته وعلى طريقته فقط. وكانت العقبة الأولى في وجه تنفيذ الطائف على الطريقة السوريّة وجود شخص مثل رينيه معوّض في رئاسة الجمهورية.
الموضوع ليس موضوع ميشال عون الذي لا يمكن أن يكون سوى أداة ولا يصلح أصلاً لدور آخر والدليل أستخدامه بطريقة غير مباشرة في التخلّص من رينيه معوّض عن طريق تفجيره. من يتذكّر أن ميشال عون الذي أتخذ وقتذاك من قصر بعبدا متراساً له منع رينيه معوّض من الأنتقال الى القصر الرئاسي فأبقاه تحت رحمة السوريين في بيروت الغربية حيث أغتيل في نوفمبر ndash;تشرين الثاني من العام 1989 ؟ الموضوع الأساسي موضوع أجندة quot;حزب اللهquot; الأيراني الذي نقل سلاحه من جبهة الجنوب وصوّبه في أتجاه لبنانيين آخرين بغية تأكيد أنّه مصمم على تدمير كلّ ما من شأنه أعادة الحياة ألى لبنان أرضاء للذين يسيّرونه من طهران ودمشق. ما حصل أن الحزب نقل سلاحه ألى بيروت كي يقول أن البلد صار رهينة لديه لا أكثر ولا أقلّ. أما يتخلّى اللبنانيون عن أي تطلع ألى أن يكونوا أحراراً وأما يجري تعطيل للقلب النابض للعاصمة والبلد. أما يتخلّى اللبنانيون عن الأمل في مستقبل واعد وأما يصبحون مهددين يوميا باتساع مخيّم البؤس والبائسين الذي لا هدف له سوى سدّ الطريق في وجه الأزدهار اللبناني وفي وجه كلّ ما له بحدّ أدنى من الحضارة. مطلوب من لبنان بكلّ بساطة ألاَ يستعيد عافيته وأن يظل تحت رحمة المساعدات والصدقات التي مصدرها الخارج. هذا ما يريده quot;حزب اللهquot; الذي يرى في التطور والتقدم والحرب على البؤس عدوّه الأول. لو لم يكن الأمر كذلك، كيف يمكن للأمين العام للحزب الحديث عن أزدياد الفقر في لبنان من دون أن يسأل نفسه عن المسؤولية التي يتحملّها عن الخسائر لتي لحقت بلبنان واللبنانيين جراء حرب الصيف الماضي؟ من السهل القول أن أسرائيل كانت تعدّ لهذه الحرب وأن ردّها تجاوز الحدود المرسومة. من يستطيع أن يرسم لدولة عدوانية أسمها أسرائيل حدوداً لردها على قتل ثمانية من جنودها وخطف أثنين آخرين في منطقة ليست موضع نزاع بينها وبين لبنان؟ من يقوم بمثل هذا العمل ويتوقع من أسرائيل ردّاً في الحدود التي يراها مناسبة له لا يفهم شيئاً عن الطبيعة العدوانية لتلك الدولة... أو يمكن القول أنّه يفهم ذلك جيّداً ويدرك أنّه يفعل كلّ ما من شأنه أن يصبّ في تدمير لبنان خدمة لمعلّمه الأيراني... وخدمة لمخطط تعميم البؤس.
لماذا اللف والدوران؟ المطلوب اسقاط الحكومة اللبنانية نظراً ألى أنها ترمز ألى القرار اللبناني المستقل. هذا القرار المستقل يعني قبل كلّ شيء رفض أن يكون لبنان quot;ساحةquot; لأحد أكان من المنطقة أو خارجها. كذلك يعني القرار المستقل وجود قرار واضح وصريح للشرعية اللبناني ممثّلة بمجلس الوزراء بدعم المحكمة ذات الطابع الدولي التي ستنظر في قضيّة أغتيال رفيق الحريري. لماذا يخشى quot;حزب اللهquot; المحكمة هو الذي يقول أنّه لم يرفع سلاحه ولن يرفعه في وجه اللبنانيين الآخرين، علماً أنّه يفعل ذلك حالياً بنقله جبهة الجنوب ألى بيروت مع كلّ ما يثيره ذلك من حساسيات ذات طابع مذهبي كلّ أهل المنطقة في غنى عنها. هل تستحق بيروت أن تصير quot;بغداد الصغرىquot; لمجرّد أن quot;حزب اللهquot; يعترض على المحكمة الدولية وأن النظام السوري لا يستطيع حتى السماع بعبارة المحكمة الدولية أو على الأصحّ ذات الطابع الدولي؟
والمطلوب أيضاً أسقاط الحكومة وتعطيلها كي لا يكون لبنان المستفيد من تنفيذ القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن والذي أنهى العمليات العسكرية في لبنان. هذا القرار الذي أيّده quot;حزب اللهquot; في حينه قبل أن يرتدّ عليه مجدداً كي يبقى الجنوب العزيز على غرار أبناء الطائفة الشيعية الكريمة رهينة للنظام الأيراني الساعي ألى قتال أسرائيل حتى آخر حجر في آخر قرية لبنانية... وبالطبع حتى آخر لبناني.
أخيراً المطلوب منع لبنان من الأستفادة من مؤتمر باريس-3 كي يظل البلد تحت رحمة الفقر والبؤس والتعتير بدل أن يعود جسراً يربط الشرق بالغرب ومكاناً آمناً تتوجه أليه بعض الأستثمارات العربية، أي مليارات الدولارات العربية بدل أنتقالها ألى أوروبا، خصوصا أوروبا الشرقية التي تحررت من النظام الأشتراكي حديثاً، والولايات المتحدة التي يعتبرها quot;حزب اللهquot; بمثابة quot;الشيطان الأكبرquot; . مطلوب بأختصار القضاء على لبنان لا أكثر ولا أقلّ وتحويله ألى بلد غير قابل للحياة عن طريق أستخدام شعارات طنانة على علاقة بالفقر وخط الفقر ... من يهتم حقيقة بالفقر لا يعمل على تعطيل الحياة في بيروت وفي لبنان أرضاء للنظام السوري. ومن يريد حقاً محاربة الفقر لا يعمل كل ما يكن عمله كي يبقى جنوب لبنان مرتعاً للبؤس، علماً أن في الأمكان تحويله ألى أحدى أجمل البقع المطلة على البحر المتوسط وتوفير عشرات الآلاف من فرص العمل للبنانيين من أبنائه... ولكن ما العمل عندما يكون لبنان تحت رحمة دولة مسلّحة داخل الدولة، دولة تعتقد أن الأنتصار على لبنان بديل من الأنتصار على أسرائيل! دولة لا غنى لها عن البؤس والجهل نظراً ألى أنّهما يخلقان البيئة الوحيدة التي تستطيع أن تنمو فيها!