الكاتبة فيرجينيا وولف ترى أنه من الضروري أن تكون للمرأة الكاتبة غرفة خاصة بها ، لكنني أتصور اليوم أن الكمبيوتر أصبح هو الغرفة التي (تحتضن) الكاتب أو الكاتبة على حد السواء ، فشاشة اللاب توب تمثل الورقة والقلم والصحف والأخبار والمعلومات والمراسلات والبريد.
الانترنت أجمل اختراع في عصرنا الحديث - من وجهة نظري - فتح للفرد آفاقا لا تنتهي ، الأخبار ، التواصل ، التعبير، الكتب، الأغاني، الأفلام، وحتى الفتاوى وطب الأعشاب، سئل أحد الكتاب مرة: لو قدر له أن يرحل الى القمر فما ذا يصطحب معه ؟فأجاب فورا: quot;هذا اللاب توب الذي أمامكquot; ومعه حق، فمن غيرهذا الكائن الصغير يستطيع أن يكون الحبل السري الذي يربطه بما يدور على الأرض؟
تقول أحلام مستغانمي في احدى رواياتها quot; كم من الرسائل الجميلة قتلتها كلمة ألو؟ quot; لكن الانترنت والبريد الألكتروني نجحوا في قتل كلمة (ألو) مرة أخرى وأعادوا احياء بريق الكلمة المكتوبة ، حتى وان كانت كلمة مكتوبة بمسحة عصرية تفتقد لخشخشة الورق والخط الخاص ورشة العطر، والغريب أنه رغم اعتماد الكتابة بشكل كبير في التواصل الا أن برنامجا على البي بي سي أظهر تدني مستوى الشباب البريطاني في قواعد اللغة والاملاء بشكل يقلق بريطانيا المحافظة بسبب لغة الانترنت العصرية التي لم تعد تبالي بقواعد اللغة كثيرا ، وربما ستخترع لها لغة خاصة بها فثمة كلمات استبدلت بحروف وحروف استبدلت بأرقام ووجوه للتعبير عن الغضب والسخرية والدهشة حلت محل علامات الترقيم ومن يدري قد يأتي اليوم الذي نقول لأطفالنا فيه ......: أعرب كلمة (لووول) أو الوجه الضاحك في الجملة التالية؟
quot; ا quot; التكنولوجيا قربت البعيد وبعدت القريب quot; هذا ما يراه الكاتب توماس فريدمان وهو محق ، فمشهد الأسرة العصرية اليوم يتكرر في البيوت حيث الأب يغرس رأسه في اللاب توب (يطقطق) بالأسهم والأم تتسوق عبر الانترنت - لتبدد أرباح الأب ! - والابن يلعب الشطرنج مع صديقه في الصين ، والابن الثاني يدردش باسم امرأة أو يحّمل أغنيته المفضلة على الآي بود - أسرة عصرية نموذجية -؟
والى جانب تشتيت الأسرة الذي يحتاج الى توعية في تنظيم الوقت وعدم اساءة استخدام التقنية ، فالجانب السلبي للانترنت يظهر في المقال الذي نشرته الديلي تلغراف من أن (الارهابيين) في العراق - كما تسميهم أميركا والحكومة العراقية - أو (المقاومين) - كمايسمون أنفسهم ، يستعينون بخدمة (جوجل ايرث) لتحديد مواقع الأميركيين واستهدافهم .
فعلى الرغم من أن التقنية الحديثة أسست لعالم افتراضي ديمقراطي يؤسس لوحدة انسانية بعيدة عن الانتماءات العرقية والاقليمية والاثنية الا أنها في الوقت نفسه أسست لثقافة جديدة تقوي من سلطة الأفراد على حساب الدول حيث أصبح لدى كل مراهق من غرفة نومه أهم وسائل السيطرة: المعلومات والاتصالات.
لكن ورغم هذه الخدمة الانسانية التي قدمها لنا بيل جيتس وأصحابه على طبق من ذهب ، الا أننا لم نستغلها كما يجب ، فجامعاتنا تستطيع أن تستغل هذه الخدمة في التواصل مع الجامعات العريقة وتبادل الخبرات و توفير الأبحاث الكثيرة التي تجرى فيها وتترجمها على الشبكة لنساهم قليلا في بناء الحضارة التراكمية لهذا العالم الذي نعيش فيه ، لكننا للأسف لم نحتل في هذا المجال أي انجاز باستثناء القرصنة والهاكر .
لكن ورغم كل سلبيات التقنية تظل ايجابياتها أكثر بكثير وأشعر أنني محظوظة
أنني ولدت في عصر الانترنت

[email protected]