من حقائق الكون الكبرى أن المرء يسعى للهدف، ومتى حققه رغب عنه وزهد فيه وطفق يبحث عن غيره!
تُرى ما مصدر هذه الفلسفة، ولماذا نفرح بهذا المحتوى؟
في رعونة الصبا كان جدي ndash;يرحمه الله- يقول: 'يا ولدي شيء ترتجيه أفضل من شيء تأكله'!
لم أعر هذه العبارة أذناً صاغية، ولا إطراقة واعية، بل تركتها بين الأفكار لاهية!
كبر العقل وكبرت الفكرة، وبدأت أعاني من الأشياء التي أكلتها، والأحلام التي حققتها وبالطبع هي قليلة، وكل هذا عندما تكشّف لي جزء من الحقيقة!
سمعت حكيماً ndash;ذات صيد- يقول: 'يا بني إن الأسماك التي اصطدتُها ووضعتُها في سلّتي لم تعد تستوقفني، لأنها فقدت عنصر الدهشة والإثارة وصارت أسماكاً من الزجاج'!
كبر العقل أيضاً واتسعت دائرته، وقرأت الفيلسوف الشاعر أحمد الصافي النجفي يقول:
طِيبُ الفَوَاكِهِ عِلَّةٌ لِفَنَائِهَا
أَمَّا السَّلاَمَةُ فَهِيَ حَظُّ الحَنْظَلِ!
ومن تلك اللحظة عرفت أن الفواكه التي نضجت 'سقطت' -كما هي تفاحة العمّ نيوتن- والتهمها البشر لتتحول من بطونهم إلى 'كائنات كريهة الرائحة'، أما الحنظل 'الحلم الذي لم يتحقق والشيء الذي لم يُؤكل' فبقي رفيق السلامة ومرافق الشموخ، وكعبة القاصدين وأمنية المتمنّين!
لماذا نزهد في الأشياء عندما نمتلكها؟ ألأننا نحب الركض خلف السراب؟!
لماذا ننسى ما تحقق ونطمع في ما لم 'يتحقق'؟!
قالوا: 'عصفور في اليد خير من عشرةٍ على الشجرة'، ولكن الفيلسوف اللبناني جبران خليل جبران قلب المعادلة، وقال: 'عصفور على الشجرة خير من عشرة في اليد'!
تُرى لماذا قال هذا؟ ألأنه يريد أن يطيل 'عمر أحلامه' بملاحقة 'الأمل' المعلّق على الشجرة؟!
قد يكون هذا الطرح موغلاً في 'الفلسفة'، ولكن من قال إن الحياة ndash;بكل تفاصيلها- لا تخضع للفلسفة؟!
تُرى لماذا يزهد الكتّاب في الكتب أو في المقالات حين خروجها للناس؟! أهي جاذبية الحجاب أم فتنة الغموض والأشياء التي لم تتكسّر؟!
لماذا يصرّ بعض بائعي الصحف على تدبيس الجرائد وتغليف المجلات حتى تظل 'محجّبة' عن القارئ، لا يقرأها إلا من يدفع مهر اكتشاف الحلم؟!
إنني هنا حائر، وأطلب العون من ذوي العقول الواعية والمعرفة السامية بأن يتصدقوا علينا بما يمكن أن يربط بين ضفتي النهر.. ضفة الجري وراء الحلم وضفة الزهد فيه حينما يتحقق، خاصة وأن الشاعر إيليا إبي ماضي يقول:
وَمَا السَّعَادَةُ فِي الدُّنْيَا سِوَى حُلُمٍ
حَتَّى إِذَا صَارَ حَقًّا مَلَّهُ البَشَرُ!
ـــــــــــــــــ
[email protected]
اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه
التعليقات