أتحدث من حين لآخر مع بعض الاصدقاء من مختلف التوجهات الاسلامية.
هناك المتطرف، وهناك المعتدل..
هناك الحليق، وهناك الملتح..
هناك الذي يقصر ثوبه، وهناك من يلبس على الموضة..
من ناحية انا احترم كل انسان فيما يعتقد ويعتنق ويلبس.
لكني الاحظ ان هناك خلطا بين الاسلام كرمز والاسلام كجوهر.
كثيرون، بمن فيهم رجال دين واهل علم، كما يزعمون، يخلطون بين الرمز والجوهر.
الاسلام بالنسبة لهم ليس معاملة وعلم وتكنولوجيا وتقدم، بل ثوب قصير ولحية طويلة مخضبة بالحناءت، وسواك يتفل متسوكه على كل الأمم.
شكل يفتقر الى معاني الجمال.
في رأيهم ان هذا من شروط الاسلام. أو فالنقل انه الصورة النمطية للمسلم.
هكذا بكل بساطة اصبح الرمز الديني شرط ديني. بل اصل ديني. وان خالفتهم الرأي، قالوا عنك كافر او مرتد. واعتمدوا في رأيهم على الحديث والسنة وأقوال الرسول عليه السلام وافعاله.
حمل السواك سنة.. فتراهم يتسوكون في كل مناسبة حتى في غير اوقات الصلاة، وبطريقة مقززة.
لبس الثوب القصير سنة.. فتراهم في ثياب تبدو مضحكة، او في احسن وصف اشبه بثياب الفقير او الطفل.
اطلاق اللحية سنة.. فترى اللحى وقد امتدت حتى البطن، وغطت ملامح الرجل فما تعرف خالدا من زيد.
السنة التي ارشدنا اليها رسول الله عليه السلام يجب ان تكون في القدوة الصالحة، لا في الرمز والمظهر.
اقول اكثر من ذلك:
انه حتى ولو ثبت ان كل هذه الرموز تنتمي للرسول بشكل لا جدال فيه، فليس كل ما استنه الرسول عليه السلام منذ 1400 عام هو صالح لكل زمان.
بمعنى ان السنة ليست أبدية المفعول بشكل مطلق.
القرآن وحده كذلك. ولو ان ابن رشد بنفسه قال بأن تعارض النص القرآني مع الفلسفة يوجب غلبة الفلسفة لأنها حكمة خالصة والقرآن حكمة خالصة بالمثل. فأذا كان الوضع هكذا مع النص القرآني، فما بال السنة والحديث وافعال الرسل والاقتداء بها؟
اقول انها صالحة لعصر ما وفق ظرف ما فقط، لا اكثر ولا أقل، ولا يمكن ان نجزم بأهليتها لما بعد ذلك.
السواك كان جيدا يوم انعدمت وسائل تنظيف الاسنان.
ارخص معجون اسنان اليوم هو افضل من الف سواك. ولو كانت هناك معاجين اسنان في عهد الرسول عليه السلام، لاستعاض بنفسه عنها بالسواك.
اطالة اللحى كانت لها ظروف تحكمها، ما عادت هي ذاتها اليوم. بل ان وجودها فيه هدر لوقت يتطلبه تنظيفها من الاولى أن ينصرف لمنافع اخرى.
الثوب القصير بالمثل، كان سنة يوم كانت الثياب الطويلة ترفا بحكم الفقر الذي كان سائدا يوم ذاك.
انتقل من هذه الامثلة الى ما هو اكثر أهمية في حياتنا.
خذ من ذلك قصة التعداد السكاني الذي ينمو بشكل هائل في العالم الاسلامي.
هناك حديث عن الرسول عليه السلام يحث فيه المسلمين على زيادة نسلهم. ربما كانت تلك الزيادة مطلوبة فيما مضي. لكنها اليوم مرفوضة، او في احسن الاحوال يجب ان لا تكون كما يقول الحديث، اي زيادة لا سلطان عليها.
نقص الماضي اصبح فائضا اليوم. وحاجة الأمس ما عادت حاجة اليوم.
نحن لا نشتكي من قلة عدد المسلمين، بل من نوعيتهم.
وقس على ذلك امور كثيرة.
اذا يجب ان تغلب قوة المنطق والضرورة قوة الحديث المرتبط بسلوك معين. لا اتحدث عن صلب الدين والعبادات، بل عن السلوكيات التي جعلنا التمسك بها بصورة بلهاء، اضحوكة انفسنا قبل ان نصبح اضحوكة الآخرين.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات