فجأة... ضرب سوق الغناء في مصر بموجة جديدة من المغنيين والغناء الشعبي laquo;البيئةraquo;... وهي لفظة طبقية متداولة في مصر الآن، ولا علاقة لها بالبيئة بمعني الطبيعة، إلا من حيث التلوث والانحطاط فقط. سعد الصغير صاحب الأغنية المشكلة quot; بحبك يا حمار quot; وquot; الحنطور quot; وعماد بعرور الشهير بأغنية laquo;العنبraquo; وعبدالوهاب الأسمر الشهير بـlaquo;هوباraquo; وlaquo;سكسكةraquo; صاحب أغنية laquo;كعبو.. كعبوraquo; وبلة صاحب أغنية quot; لا أنت قلبي ولا أعرفه quot; ومريم جمال صاحبة أغنية laquo;الديك والوزةraquo; وممدوح الأصيل صاحب أغنية laquo;أنا سعيد الهواraquo;، وغيرهم.
وتعود الريادة لهذا اللون من الغناء، الذي ترفضه النخبة من المثقفين والكتاب،rlm; وترميه بالإسفاف والسوقية فضلا عن اعتباره الدليل الأمثل علي انحدار الأغنية والذوق العام في مصرrlm;، إلي المغني الأشهرالآن quot; شعبان عبدالرحيم quot;.rlm;
والواقع ان شعبان نفسه قد فوجئrlm;، مثلما فوجئ هؤلاء،rlm; بهذه الضجة الاعلامية المثارة حولهم في الفترة الأخيرة، فشعبان موجود علي الساحة منذ الثمانينات بشريطه الأشهر quot;أحمد حلمي أتجوز عايدهrlm;quot;،rlm; فليس صحيحا انه نجم نجوم الغناء في مصر حتي ولو كره اسرائيل أكثر من كل المغنينrlm;، كما انه يصعب اتهامه بالسوقية والابتذال حتي ولو غني أنا نمت علي الرصيف، أو تنافس مع سعد الصغير عليquot; حب الحمار quot; فهو كما يبدو من أحاديثه وشخصيته شديد البساطة والتلقائية، يغني كلاما بسيطا ودارجاrlm;، حتي لو تأفف منه البعض، وهو يردد هذا الكلام كما يسمعهrlm;(rlm; هراهوطة =rlm; هلا هوطة)، (rlm; أميص بردانrlm; =rlm; امستردامrlm;)، ولم يدعي شيئا أو يخجل من أي شيء ويفاخر بأنه مكوجي رجلrlm;، وأحيانا يهدد في أغانيه بانه اذا لم ينصلح حال المغني فسوف يتركه عائدا للمكواة.rlm;
هذه الصفات وغيرهاrlm;، جعلته ماده للتندر والسخرية عند البعضrlm;، ولكنها زادت من شعبيته وقربته من كثيرينrlm;،rlm; ورغم أنه لم يدرس الموسيقيrlm;، يستطيع أن يؤدي الموال علي طريقة عبده الاسكندرانيrlm;، والأغنية العاطفية والسياسية بالدرجة نفسهاrlm;.rlm;
ويقدم الحكمة والنصيحة (rlm; حبطل السجايرrlm;،rlm; كفاية شرب شيشة )rlm; والفكاهة والسخرية (rlm; خمسة انس في ستة بلنصrlm;،rlm; بلية الدكشrlm;)rlm; بنفس الكفاءة، بل والنقد اللاذع للاعلانات والمغنين والممثلين وأسماء الأفلام والمسرحياتrlm;، كل ذلك في شريط واحدrlm;.rlm;
علاوة علي ذلك فإن شعبان ورفاقه من المغنيين هم الأفضل في الأفراح الشعبية والبلدية، والأكثر طلبا وحضورا وامتاعا، ليس بسبب ايقاعاته المنغمة وجرسها العالي وشطراتها القصيرة (rlm; علي واحده ونصفrlm;)rlm; المحببة الي معظم الناس خاصة في الأفراح والمناسبات، وإنما أيضا لانهم الأذكي في مغازله الناس بترديد الأسماء المتداوله والشهيره بينهمrlm;.rlm;بدءا من زينهم ودهشان واللول والباشا والمعلم والكبير ومرورا ب أم سعيد و أبو مينا وخالتي أم سيد والحاجة وحتي فوزي وشوقي وجمال وجرجس، هذا الي جانب أسماء الأحياء الشعبية والمدن المراكز والمحافظاتrlm;.rlm;
هذا اللون من الغناءrlm;، علي تعدده وتنوعهrlm; يختلف عن الغناء الشعبي الراقي المعروفrlm;، النابع من أعماق الريف المصري ومن أرباب الحرف والمهن التقليدية ومن الأحياء الشعبية التقليدية :rlm; علي الأصل دور لمحمد طهrlm;، عدوية لمحمد رشديrlm;، بهية لمحمد العزبيrlm;، خوخة شفيق جلالrlm;، أو حتي أم حسن وبنت السلطان لأحمد عدوية، وإنما هو لون يعبر عن شرائح مختلفة داخل المجتمع المصريrlm;، تمتد من الأحياء شبه الراقية والمدن الجديدة حتي الأحياء الشعبية والعشوائياتrlm;، وهي لاتضم المهمشين أو العاطلين فقطrlm; (rlm; في القاهرة وحدها 300 ألف بائع متجول نصفهم خريج جامعة )rlm; وإنما أيضا بعض رجال الأعمال والتجار والحرفيين وسائقي الميكروباص وطلبة الجامعات وغيرهم.rlm;rlm;
هولاء جميعا علي تباينهم واختلافهم تجمعهم ثقافة أخري اليوم وذائقه فنية مختلفة، أزعم اننا نجهلها إلي حد كبيرrlm;، وبالتالي فإن الحكم علي هذه الثقافة وتلك الذائقة من خلال نموذج ثقافي معين خطا كبير، كما ان اتهامها بالإسفاف والسوقية (rlm; وخلاصrlm;)rlm; حتي نريح رؤوسنا لن يجيب علي علامات الاستفهام الكبيرة التي ستظل فارغة فاهاrlm;.rlm;
والسؤال من وجهة نظري هوrlm;:rlm; لماذا هذه الثقافة الأخري التي تشكلت في الثلث الأخير من القرن العشرينrlm;،rlm; وبالتحديد منrlm;1967rlm; وحتي rlm;1982، هي محط ازدراء واحتقار من المثقفين والأكاديميين بينما هناك شغف دائم بالثقافات الأجنبية (rlm; الغربية)rlm; الرفيع منها والهابط علي السواء بل والمتوسط في كثير من الأحيان ؟
ثم... لماذا يبرز هذا النوع من الثقافة إلي السطح في مراحل التحولrlm; (rlm; أو الاضطرابrlm; )rlm; الاقتصادي السياسي بحيث تبدو كموجة جلبتها الحاله الاقتصادية السياسية للبلاد ؟
ماهو سر تركيز الاعلام خاصة الفضائيات في الفترة الاخيرة علي بعض رموز هذه الثقافة حتي ولو من باب السخرية منهاrlm;، هل هو توجه عام أم من باب مجبر أخاك في عصر السماوات المفتوحة وتكنولوجيا الاتصالات (rlm; والسيrlm;.rlm; ديrlm;)rlm;؟
لقد صدر في هذا السياق كتابان مترجمانrlm;،ومرا مرور الكرامrlm;،rlm; الأول صدر عن مركز الأهرام للترجمة وهو بعنوان الدرب الاخر ل فرناندو دوسوتو ترجمة شوقي جلال عام 1998، والثاني بعنوان الثقافة الجماهيرية والحداثة في مصرrlm;، لوولتر أرمبرست ترجمة محمد الشرقاوي وصدر عن المشروع القومي للترجمة بالمجلس الأعلي للثقافة عامrlm;2000.
الكتاب الأول quot;الدرب الآخرquot; من أوائل الدراسات المتعمقة والعميقة في دراسة تلك الشرائح الإجتماعية من مختلف الجوانب والزواياrlm;. وعلي الرغم من انه لم يتناولها في مصر تحديدا وإنما في البيرو، فإنك تشعر منذ الصفحات الأولي أنه يتحدث عن إناس تعرفهم في إمبابة وشبرا الخيمة ومدينة السلام ومدينة نصر وغيرهاrlm;، مما يؤكد وجود الكثير من التشابهاتrlm;، بين دول العالم الثالث أو دول الجنوب إذا شئتrlm;، وهم يمثلون في رأي المؤلف الطريق الثالثrlm;، ربما علي منوال ماطرحهrlm; (rlm; كلينتون- بليرrlm;)rlm; وهو مايدعونا إلي أن نأخذ هذه الشرائح الإجتماعية وثقافتها الأخري مأخذ الجد.
أما الكتاب الثاني فهو يتوجه أساسا للقارئ الأمريكي ويعطي صورة نمطية عن الثقافة الجماهيرية فضلا عن الحداثة في مصرrlm;، وهو يذكرنا بتلك النوعية من الكتابات التي بدأها اللورد كرومر عامrlm;1908rlm; في كتابه الشهير مصر الحديثة، والفرق بين المعتمد البريطاني في أوائل القرن العشرين والباحث الأمريكي في نهاية القرنrlm;، هو أنه بينما زعم الأول أن الإسلام إذا لم يكن ميتا فإنه في طور الاحتضارrlm;، وانه لابديل عن التحديثrlm; (rlm; الغربيrlm;)rlm; الكامل بدون الإسلامrlm;، فإن الثاني ينعي خبر موت الحداثة في مصرrlm;، حيث أن الجماهير ازدادت تخلفا وتدينا ولاتستطيع فهم الحداثة لأنها لم تزل في مرحلة العصور الوسطي، والمفارقة في رأيه ان خطاب الحداثة، (rlm; بمعني قطع كل الصلات بالماضي والاعتماد علي العقل والتفكير النقدي )rlm; في كتابات المثقفين المستنيرين يدور حول الثقافة بالمفهوم الغربي بينما بقي الجمهور الواسع العريض الذي يجب ان (rlm; تحدثهrlm;)rlm; تلك المجهودات غير مستجيب وخاملاrlm;، ووقع فريسة للثقافة التقليدية بشقيها الديني والشعبي، ولان الجماهير لم تتحدث بعد وتشعر بالإهمال علي يد المؤسسة الرسمية والحكومات المتعاقبة، فهي تلجأ إما للتدين الزائف، أو تردد كلمات الأغاني الهابطة التي يستنكرها نمط الذين يسيطرون علي تلك المؤسساتrlm;.
أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس
[email protected]
التعليقات